الخط العربي جواهر فى بحر اللغة

نهلة النمر

 هو مسلسل لا ينتهى من الابداعات فى أشكاله، ازدهر مع نزول كتاب الله فصار كاللؤلؤ حتى انهم اطلقوا على بعضه الياقوت «المستعصمى»

نسبة إلى من أضاف بصمة مبدعة له، ومن شدة جماله الذى يشبه الزهور فى الحدائق  تراه كأن له رائحة فقالوا عنه الريحانى والرياسى، تراه سلساً ممشوقا كأنه يتراقص فقالوا عنه «الغزلانى» وعندما صار كالنفيس وتداولوه بالمقادير أطلقوا عليه الثلث والنصف والثلثين، وازداد قيمة وانتشارا فتنافست البلدان فى الابداع وخرج لنا النبطي والكوفي والحجازي والفارسي، انه الخط العربى الأصيل.
أعلن مدير مكتبة الأسكندرية الدكتور اسماعيل سراج عن أنه تم اختيار مركز دراسات الكتابات والخطوط بمكتبة الإسكندرية كعضو مؤسس بالاتحاد العالمى للخط العربى والزخرفة الإسلامية، تقديراً لدوره الريادى فى مجال بحوث دراسات الخط العربى داخل مصر، وللعطاء الفنى والأكاديمى فى مجال فنون الخط العربى وقضاياه، وأوضح مدير مكتبة الأسكندرية أنه إيماناً منه بدور مكتبة الإسكندرية الكبير فى مجال الخط العربى جاء هذا الاختيار لما تقدمه المكتبة من جهد مبذول نحو الاهتمام بدراسة الخط العربى.
والخط العربي هو فن وتصميم الكتابة في مختلف اللغات التي تستعمل  الحروف العربية. وأهم ما يميز الكتابة العربية كونها متصلة، مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب.
ويقترن فن الخط بالزخرفة العربية وهو ما يعرف بالارابيسك حيث يستعمل لتزيين المساجد والقصور، كما أنه يستعمل في تحلية المخطوطات والكتب وخاصة نسخ القرآن الكريم.
ويعتمد الخط العربي جمالياً على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتستخدم في أدائه فنيا العناصر نفسها التي تعتمدها الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديا فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في آن واحد.
وتعددت آراء الباحثين حول الأصل الأول للخط العربي وعلماء ذكر علماء اللغات السامية، أن لغة المسند شبه الجزيرة العربية متأثرة باللغة الآرامية في العراق والشام وفلسطين بين القرنين الثالث ق.م والسادس ربما كانت هى الأصل الأول للخط العربى.
وفى ذلك يقول الكاتب الأكاديمي حسان صبحي مراد إن خط المسند هو الأصل الأول للخط العربي، الذي سمي أيضا بخط الجزم - أي القطع - لاقتطاعه من خط المسند الحميري، وعلى إثره استخدموا الخط النبطي (آرامي النشأة) نقلا عن الأنباط الذين استوطنوا الأقاليم الآرامية فتحضروا بحضارتهم مستخدمين لغتهم وخطهم ليشتقوا منه خطهم المسمى بالخط النبطي الذي استخدمه ملوك العرب أولا سنة 250 م ليتطور ويتشكل مبتعدا عن الخط الآرامي ومقتربا من كتابة «المسند».
اختلفت آراء الناس كثيرا حول نشأة الكتابة العربية وعد العرب أن هذا أمر طبيعي وأن الكتابة هي وجه من وجوه الحضارة، وقد يطور أحدهم الكتابه فينال عمله رضا للناس فيأخذون به بسرعة فينتشر دون أن يفكر أحد بتأريخ حركته المطورة.
فلغتنا العربية كانت أصلا لهجات تتميز عن بعضها البعض بين قبيلة وأخرى بحسب مواطن وسكن كل قبيلة وجيرانها، أو بحسب الدول والممالك التي قامت، وبمجيء الإسلام فيما بعد، توحدت هذه اللهجات بنزول القرآن على لهجة قريش، ويميل المؤرخون إلى أن الخطوط المتداولة في فجر الإسلام كانت خطوط (الحيري – الأنباري الملكي – المدني – الكوفي – والبصري) ومن المؤسف أن أشكال هذه الخطوط لا يعرف عنها شىء كثير لقلة النماذج.
وجاء الإسلام مرتبطا باللغة العربية والخط العربي، وقد ظهر الخط العربي بنسخ القرآن الكريم فانتشر بين  العرب في العالم الإسلامي، وبدأ الناس يتداولون الرسائل، وبخاصة في الرسائل التي كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرسلها إلى ملوك الروم والفرس، وعند إقامة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة قام ببناء مسجد للتعلم فيه وكلف عددا من الصحابة للتعليم فيه وهكذا تابع الخط العربي تطوره.
أخذت الخطوط العربية مناهج عدة في التسمية، فسميت بعضها نسبة إلى أسماء المدن كالنبطي والكوفي والحجازي والفارسي، أو أسماء مبدعيها، كالياقوتي (المستعصمي)، والريحاني والرياسي، والغزلاني، كما سميت أيضا نسبة مقادير الخط، كخط الثلث ثلث والنصف والثلثين، إضافة إلى تسميته نسبة إلى الأداة التي تسطره، كخط الغبار، وكذلك نسبة إلى هيئة الخط كخط المسلسل.
والخط الكوفي هو أقدم الخطوط العربية وأعرقها على الإطلاق نشأ واعتمد في عصر النبوة لحاجة المسلمين لتدوين القران الكريم ومازال يعرف حتى يومنا هذا بالكوفى المصحف ونسب إلى أول مدينة أنشأها المسلمون وهى الكوفة. وهو خط يابس هندسي زخرفى يحتاج إلى دقة ودراية. ومن حظ هذا الخط العريق أنه يحمل صبغة تاريخية حيث ينسب إلى دول وبلدان وممالك وحقب تاريخية هامة في الأمة مثل (الكوفى المملوكى) و(الكوفى الأيوبى) و(الكوفى الفاطمى) و(الكوفى الأندلسى) كما ينسب إلى إقليم مثل (الكوفى النيسبورى) و(الكوفى القيروانى) وغيرها من الكوفى المتعرف عليه مثل (الكوفى المورق) و(الكوفى الشطرنجى) و(الكوفى المضفور). ومن أعلام ومؤرخي هذا الخط الجليل عالم الآثار المشهور يوسف أحمد حيث اهتم به اهتماما خاصا وفرغ نفسه لخدمته والتعريف به بعد أن كان على وشك الاضمحلال، واهتم نخبة من تلاميذه بهذا الخط، كان آخرهم الخطاط محمد عبدالقادر.
أما خط النسخ فهو أحد أوضح الخطوط العربية على الإطلاق ويتميز بوضوح صور حروفه واكتمال تشكيله مما يسهل عملية القراءة ويضمن سلامة النطق، وقد درجت كتابة المصاحف بهذا الخط في عهد الخطاطين العثمانيين، يكتب خط النسخ شأنه شأن الخطوط المشرقية الأخرى تقليدياً بقلم مصنوع من القصب والحبر، ولصور حروفه قواعد خطية وأشكال محددة ومنسوبة أي تقاس هندسياً بالنقطة كما هو متبع في دراسة الخط، وعادة ما يكتب بمقاس صغير لا يتعدى عرض القلم ٢ ملم مما يتناسب مع كتابة النصوص الطويلة في اللوحات الخطية و الكتب كالمصاحف، وكتب الأوردة، والمراجع الدينية.
واستحدث خط النسخ على الأغلب في حدود العام ٨٠٠م في العراق، وأخذ تطوره شأنه شأن الأقلام الستة على يد ابن المقلة ٨٨٦-٩٤٠م وياقوت المستعصمي ١٢٩٨م، ومن ثم الشيخ حمد الله الأماسي (١٤٢٩-١٥٢٠) والذي خص خط النسخ بكتابة المصاحف، ايضاً تطور خط النسخ في حدود العام ١٦٧٨م على يد الخطاط  الحافظ عثمان (١٦٤٢-١٦٩٨م) والذي استحدث أسلوباً جديداً خاصاً به في خط النسخ يختلف عن طريقة الشيخ حمد الله، وقد وصل خط النسخ إلى قمته بظهور مدرستين مستقلتين مدرسة القاضي عسكر مصطفى عزت (١٨٠١-١٨٧٦م) والخطاط محمد شوقي أفندي (١٨٢٩-١٨٨٧م) حيث قام الأخير بتطوير طريقة في خط النسخ تميز بها عن سابقيه من الخطاطين.
انتشر خط النسخ بقواعده للعالم الإسلامي والعربي، واشتهر العديد من الخطاطين العثمانيين والمعاصرين بإجادتهم لهذا الخط ووفر انتاجهم به أمثال: الخطاط حسن رضا (١٨٤٩-١٩٢٠) والخطاط الحاج عارف البقال (١٨٣٦-١٩٠٩) والشيخ عبدالعزيز الرفاعي (١٨٧١-١٩٣٤) ومن المعاصرين الخطاط  محمد أوزجاي.
خط الثلث هو نوع من أروع الخطوط العربية منظرا وجمالا وأصعبها كتابة وإتقانا سواء من حيث الحرف أو من حيث التركيب، كما أنه أصل الخطوط العربية، والميزان الذي يوزن به إبداع الخطاط. ولا يعتبر الخطاط فنانا ما لم يتقن خط الثلث، فمن أتقنه أتقن غيره بسهولة ويسر، ومن لم يتقنه لا يعد بغيره خطاطا مهما أجاد. ويمتاز عن غيره بكثرة المرونة إذ تتعدد أشكال معظم الحروف فيه؛ لذلك يمكن كتابة جملة واحدة عدة مرات بأشكال مختلفة، ويطمس أحيانا شكل الميم للتجميل، ويقل استعمال هذا النوع في كتابة المصاحف، ويقتصر على العناوين وبعض الآيات والجمل لصعوبة كتابته، ولأنه يأخذ وقتا طويلا في الكتابة.
يعتبر ابن مقلة المتوفى 328 ه، واضع قواعد هذا الخط من «نقط» نقط ومقاييس وأبعاد، وله فضل السبق عن غيره، لأن كل من جاء بعده أخذ منه، وجاء بعده ابن البواب علي بن هلال البغدادي المتوفى سنة 413 ه، فأرسى قواعد هذا الخط وهذبه، وأجاد في تراكيبه، ولكنه لم يتدخل في القواعد التي ذكرها ابن مقلة من قبله فبقيت ثابتة إلى اليوم وأخيرا ياقوت المستعصمي. أشهر الخطاطين المعاصرين الذين أبدعوا في خط الثلث هو المرحوم هاشم محمد البغدادي، الخطاط  مصطفى راقم، حمد الله الأماسي، سامي أفندي، حامد الأمدي، الشيخ  محمد عبد العزيز الرفاعي، والخطاط محمد حسنى وسيد إبراهيم ومحمد إبراهيم سعد حداد ومسعد خضير البور سعيدى الأستاذ حسن جلبي، محمد اوزجاى والأستاذ الكبير محمد شوقى أفندى.
وهناك ايضاً خط الإجازة أو التوقيع أو ما يعرف بالرياسي وهو مزيج من النسخ والثلث معا، فمن يجيدهما يجيد خط الإجازة.
ويعد خط الرقعة من أشهر أنواع الخط العربى وسمى بذلك نسبة الى الرقاع وهو جلد الغزال، وابتكره الخطاط العثمانى ممتاز بيك وأنشئ في دواوين الخلافة العثمانية لتوحيد خط الكتابة بين موظفى الدولة ويعتبر خط الرقعة خط الكتابة كما أن له أساليب متعارف عليها منها أسلوب تركى ومصري أو تجارى كم انه يعتبر عند معلمى الخط هو الخط الأول للمتعلم.
أما الخط الديواني أو السلطاني أو الغزلاني فهو أحد أجمل الخطوط العربية ويتميز بالحيوية والطواعية وكأن حروفه تتراقص على الورق ويقال إن أول من وضع قواعده وحدد موازينه الخطاط إبراهيم منيف وقد عرف هذا الخط بصفة رسمية بعد فتح السلطان العثماني محمد الفاتح للقسطنطينية عام 857 هـ كان يستعمل في كتابة الأوسمة والنياشين والتعيينات ولهذا سمي بالديواني نسبة إلى الدواوين الحكومية وكان في أول أمره سراً  من أسرار القصور في الدولة العثمانية وقد كانت له صورة معقدة تزدحم فيها الكلمات وتزدحم أسطره ازدحاما لا يترك بينهما فراغ يسمح بإضافة أى حرف أو كلمة إليها وهذا التعقيد كان مقصودا لذاته منعا من تغيير النص في تلك الأوراق الرسمية ومن أشهر خطاطي هذا النوع الخطاط مصطفى غزلان بك حتى سمى بالخط الغزلانى نسبة له حيث خرج به من مرحلة التعقيد والازدحام إلى مرحلة السهولة في الكتابة. ومقاييس نقطه بسمك القلم الذي يكتب به بالطول والاتساع والميل والانحناء والارتفاع وهذا الخط له نوعان الأول هو الخط الديواني المرسل  وله عدة مدارس هى المدرسة البغدادية والمدرسة المصرية و المدرسة التركية، وكل من هذه المدارس لها قواعدها الخاصة بها. ويمتاز هذا النوع بإمكانية كتابة الحرف الواحد على عدة أشكال مختلفة لكن على قواعد محددة.
النوع الثانى هو الخط الديواني الجلي ويمتاز هذا النوع من الخط بالليونة وسهولة المد والشد فيه، و يكثر فيه الزخارف، لذا يستخدم حين يريد الخطاط عمل لوحة على شكلٍ معينٍ فلِيُونَة الخط تساعد على ملء الشكل المحدد، والزخارف تعمل على ملء الفراغات الصغيرة لتحديد الشكل بطريقة أدق.
ويعد الخط المغربي نوع من خطوط الأبجدية العربية وينتشر استخدامه في بلدان شمال إفريقيا وموطنه عموم بلاد المغرب الكبير من ليبيا إلى المغرب، كما استخدم سابقا في الأندلس.
اما الخط الفارسى فقد ظهر في بلاد فارس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي). ويسمى (خط التعليق) وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة والامتداد. كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه. ولا يتحمل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة.
ويعد من أجمل الخطوط التي لها طابع خاص يتميز به عن غيره، إذ يتميز بالرشاقة في حروفه فتبدو وكأنها تنحدر في اتجاه واحد، وتزيد من جماله الخطوط اللينة والمدورة فيه، لأنها أطوع في الرسم وأكثر مرونة لاسيما إذا رسمت بدقة وأناقة وحسن توزيع، وقد يعمد الخطاط في استعماله إلى الزخرفة للوصول إلى القوة في التعبير بالإفادة من التقويسات والدوائر، فضلا عن رشاقة الرسم، فقد يربط الفنان بين حروف الكلمة الواحدة والكلمتين ليصل إلى تأليف إطار أو خطوط منحنية وملتفة يظهر فيها عبقريته في الخيال والإبداع.
وكان الإيرانيون قبل الإسلام يكتبون بالخط (البهلوي) فلما جاء الإسلام وآمنوا به، انقلبوا على هذا الخط فأهملوه، وكتبوا بالخط العربي، وقد طور الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد (وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هجرية).
ونتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مر بأطوار مختلفة، ازداد تجذرا وأصالة، واخترعوا منه خطوطا أخرى مأخوذة عنه، أو هي إن صح التعبير امتداد له، فمن تلك الخطوط منها خط الشكستة اخترعوه من خطي التعليق والديواني. وفي هذا الخط شيء من صعوبة القراءة، فبقي بسبب ذلك محصورا في إيران، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم. والخط الفارسي المتناظر وكتبوا به الآيات والأشعار والحكم المتناظرة في الكتابة، بحيث ينطبق آخر حرف في الكلمة الأولى مع آخر حرف في الكلمة الأخيرة، وكأنهم يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها. ويسمى (خط المرآة الفارسي).




الوفد