|
|
اطلبوا العربية ولو في الصين
أ. عبدالله الملحم
لم يخطر ببالها وهي تُقبل على تعلم اللغات الأجنبية أن قدرها سيأخذها لتعلم اللغة العربية، منال فتاة صينية مغرمة بتعلم اللغات والثقافة المختلفة، ولتأثير الثقافة الغربية على حياتهم في الصين، كانت تحدث نفسها بتعلم إحدى اللغات الأوروبية، أما "العربية" فكانت مستبعدة تماماً، لكن حين طُلب منها تعلم "العربية" تراءت لها صور ثلاث للعرب الذين ستتعلم لغتهم، إحداها: لرجال وسيمين يلبسون جلابيب بيضاء، يسوقون إبلهم محملة ببضائعهم، من شاي وفخار وخزف وقطن وصوف ولؤلؤ، والصورة الأخرى للمثل القائل: إذا أردت تعلم لغة فستحتاج إلى ثلاث دقائق لتعلم اللغة الكورية، وثلاث ساعات للإنجليزية، وثلاثة أيام للفرنسية، وثلاثة أسابيع لليابانية، وثلاثة شهور للألمانية، وثلاث سنوات للروسية، أما العربية فثلاثمائة سنة، فيما الصورة الثالثة: تخيلتها لرسم معقد مليء بأشكال كآثار أقدام نمل لحروف اللغة العربية!
في بدء دراستها واجهت "منال" صعوبات بالغة في تعلم العربية، وشروداً ذهنياً، وعلامات متدنية، ما جعلها تفكر بجدية في تركها، لكن معلمتها العربية شجعتها قائلة إن صعوبتها على الجميع وليس عليك وحدك، فكان لتشجيعها أكبر الأثر لتجاوز صعوبة البدايات، وبعد عامين دراسيين قضتهما في الصين سافرت إلى الأردن، وهناك عززت معارفها ومهاراتها اللغوية، وبعد ثلاثة أشهر انتقلت إلى المغرب للغرض ذاته، ومن هناك كتبت قصة تعلمها للعربية، وضمنتها مقالة نشرتها على مدونات قناة الجزيرة، كتبتها بلغة عربية سليمة، تنم عن تمكنها الجيد من أساسيات ومقدمات اللغة.
من سوء حظ "العربية" في العصر الحديث أن أهلها أزهد الناس بها، قارن ما فعله الأمويون في الأندلس بما نفعله نحن الآن، لقد أعلوا من شأن "العربية" حتى باتت لغة الأسبان والقشتاليين والأوروبيين المستعربين، وكذلك فعل الأيوبيون في مصر، وهم أكراد مع المماليك العجم الذين علموهم العربية ولقنوهم إياها حتى باتت لغتهم التي ينطقون بها، أما نحن فأمَتنَا ذِكرَ العربية بإزاء إعلائنا للإنجليزية، حتى بات بعضنا يحادث بعضاً بها، ويهمش لغته لأجلها، في جفاء وإهمال لم تُرزأ بهما أي لغة أخرى كما جحودنا للغتنا الأم!
القرآن الكريم الكتاب المقدس لقرابة المليار ونصف المليار مسلم، مكة والمدينة المقصودتان بزيارة ملايين المسلمين من كل الأمم والشعوب، دولنا النفطية التي تجتذب اليد العاملة من مختلف الجنسيات... كلها عوامل تساعد على نشر اللغة العربية، لكن أنّى للغتنا الذيوع والانتشار إذا كنا لا نتكلمها مع الوافدين إلينا ؟! لدينا تشريعات وقوانين تخدمها لكنها غير مفعلة على أرض الواقع، وغيرة المثقف لا تكفي للانتصاف لها، العربية تحتاج إلى قرار سياسي يُلزم بالوفاء لها، قبل أن نضطر لتعلمها ولو في الصين!
الراية
|
|
|
|
|