للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أنصت إلى لغة والديك تجد ما يقودك إلى الجمال

عبده الحاج

 

يقول بيار ليريس “ترجمة الشعر أمر مستحيل، مثلما الامتناع عن ترجمته أمر مستحيل”. انطلاقا من هذه المقولة نبدأ حكايتنا الخاصة، مع الشاعر والمترجم العراقي جاسم محمد، الذي يقول عن بدايته كمترجم وشاعر ومشتغل بالثقافة السويدية “حين وصلت إلى السويد عام 1990 كنت صحافيا، وعملت بعد عامين من إقامتي هنا في الصحف السويدية مما أتاح لي الفرصة للتعرف على عدد كبير من الأدباء السويديين والمهاجرين. اكتشفت أن هناك فراغا كبيرا في ما يخص الأدب السويدي باللغة العربية والشيء نفسه بالنسبة إلى الأدب العربي باللغة السويدية. تدريجيا دخلت عالم الترجمة رغم أنني لم أكن مترجما ولم أدرس الترجمة أكاديميا إذ لم تكن من صلب تطلعاتي العلمية”.

دفاعا عن الوجود

بدأ جاسم محمد بترجمة كتب الأطفال بطلب من دار نشر صاحبها مهاجر كردي صديق حميم له. وخلال فترة وجيزة دخل عالم تنظيم الأمسيات الشعرية لما تمنحه من فرصة ثمينة للتعرف على الثقافة السويدية عن قرب، وفي الوقت ذاته كان يسعى لأن تكون الأماسي التي يشارك بها مليئة بالمعنى.

يضيف محمد “بالاشتراك مع الصديق إبراهيم عبدالملك، وهو صاحب لغة عربية راقية، ترجمنا أول كتاب شعري من السويدية إلى العربية للشاعرة إيفا رونفلت. بعدها لم يعد هناك مجال للعودة. تركت العمل الصحافي واستمررت في تنظيم مهرجان مقهى بغداد للشعر والموسيقى الذي صار حلقة وصل بين الشعر العربي المعاصر والشعر السويدي. بعدها ترجمنا أنطولوجيا الشعر السويدي الحديث وتضم اثنين وعشرين شاعرا، وقد صدرت عن دار المدى بدعم من المجلس الثقافي الأعلى في السويد. هكذا دخلت هذا العالم الشاسع تزحلقا بقشر موزة كما يقال بالسويدية”.

نسأل ضيفنا هنا عما دفعه إلى دخول حقل الترجمة، ليقول صاحب ديوان “شهود على أحداث لا معنى لها” إن “الترجمة فعل وجودي ولا أعتقد أنه محدد بفرد بعينه. في النهاية هي دفاع عن وجودنا، إن لم أقم به أنا سيقوم به غيري. وتطور الإنسان وانتقاله من شريعة الغاب إلى شريعة الإنسان يستلزمان أفكارًا جديدة، تمتحن معرفتنا وأساليب حياتنا، أساليب التعبير عن أنفسنا، تمتحن طرق تعاملنا مع بعضنا البعض”.

أما في ما يتعلق بالمصاعب والتحديات والمباهج في الترجمة إلى اللغة السويدية، فيرى محمد أن الترجمة عملية مستمرة وليست فعلا نهائيا، لذا فإن كل ترجمة خصوصا ترجمة الشعر، هي خطوة نحو شيء جديد، كما يقول. ففي رأيه دائما ترى ترجمات جديدة لدواوين صادرة آنفا بترجمات متعددة. واللغة في تطور دائم وفهمنا للنصوص يتغير مع الزمن.

ويضيف “حين أتحدث عن الترجمة، أنا كمبتدئ، لا أتحدث عن مصاعبها. توقفاتها تغويني، تجعلني أكتشف اللغة العربية وتاريخها من جديد وأكتشف أعماق اللغة السويدية أيضا. في الترجمة لا توجد كلمة فارغة، وهذا جزء بسيط من مباهج الترجمة”.

يرى محمد أن الغبطة العظيمة تأتي حين تشعر بأنك منحت القصيدة حياةً جديدة وأدخلتها إلى عالم أوسع. أما ما يؤرق المترجم فهو معرفته بأن كل ترجمة هي محض نقد وتغيير وحتى إلغاء مما يثير فيه الشعور بعرضية إنجازه، إذ أننا غالبا ما نتذكر الترجمة الأخيرة لقصيدة ما وننسى ما سبقتها من ترجمات أخرى.
 
السويدية والعربية

نسأل الشاعر العراقي هنا عما إذا كان يعتذر عن الترجمة أحياناً؟ ليجيب بكل وضوح “نعم، إما لعدم قدرتي عليها حين يكون النص متضمنا لمعرفة أوسع من معرفتي بشكل لا أستطيع الوصول إليه في وقت كاف، وإما لمعرفتي بأن النص الأصلي يفقد جماله حال ترجمته إلى لغة أخرى. منذ أعوام أمامي مشروع ترجمة مختارات للشاعر سعدي يوسف ولم أتجرأ على الشروع فيه، لأنني لم أجد السبيل إلى صياغة قصيدته بجمالها العربي نفسه رغم أن قصيدته تبدو للوهلة الأولى خالية من التعقيد، لكنها في الحقيقة تستند إلى تاريخ شعري عريق ونابعة من معرفة واسعة بالتراث الشعري العربي. أعتقد أنني الآن أتجرأ على مد يدي إليها. لكن يمكنني القول إنني ترجمت العديد من القصائد إلى السويدية لدوافع أخلاقية وليست جمالية. هناك العديد من الشعراء العرب ممن هم بحاجة إلى تسليط الضوء عليهم لضرورة حالية ما، إما أن يكونوا ملاحقين وإما هم بحاجة إلى تقديم أنفسهم للجمهور السويدي كي يتواصلوا مع المجتمع حولهم وإما لأسباب أخرى”.

وعن سؤال يملؤه الفضول عما إذا كان جاسم محمد ينوي ترجمة الرواية أو النثر إن صح التعبير، وإن كان هذا الضرب من الترجمة مختلفا عن ترجمة الشعر؟ يقر محمد، الذي ترجم ثلاثية للشاعر السويدي برونو ك. أويرّ حملت عناوين: “بينما السُّمُّ يسري”، “الكلمةُ الضالة”، “ضبابٌ من كلّ شيء”، بأنه لم يترجم الرواية بعد، ولا يريد الاقتراب منها. فالرواية لها حاميها وراعيها ومسوقها، أما الشعر فهو مهمش يتيم كونه لا يدر ربحا على ناشريه. كما أنه يجد فيه تحديا لمعرفته أكبر مما يجده في الرواية.

وحول مميزات اللغة السويدية عن اللغات الأخرى يرى محمد أن القصيدة السويدية الجميلة وخاصة المعاصرة تتميز بكون الصمت جزءا كبيرا منها، وترجمته إلى العربية تمثل تحديا كبيرا، بالمقابل يجد في أصوات القصيدة العربية تحديا من نوع آخر حين يترجمها إلى السويدية كي لا تكون نشازًا في أذن القارئ.

كما للغة السويدية خصوصية ليست موجودة في العربية وهي قدرتها على تركيب كلمة واحدة من كلمات عدة وحين تترجم إلى العربية تصير كلمتين منفصلتين أو ثلاثة، بل أربعة أو أكثر، هذا مما يفقد القصيدة كثافتها وتركيزها. كما أن القصيدة السويدية حية بمعنى أنها منفتحة على الأساليب الشعرية الجديدة ولا تتورع عن اقتباسها، وهي أيضا منفتحة على كل لغتها، أي أنها مستعدة لاستخدام أي كلمة كانت دون أن تثير ريبة القارئ.

ويضيف محمد ” هناك شيء لا بد من أن يذكر هو أن لا رقيب في هذه اللغة. يلفت انتباهي دائما أننا لا نزال نتحدث عن أهلية قصيدة النثر مثلا. خاصية جميلة في اللغة العربية ليست موجودة في اللغة

السويدية هي أن فيها الجملة الفعلية مما يمنح الكاتب احتمالات عديدة لبناء جملته، وفيها أيضا الضمير المتصل. هذا يجعل، حسب رأيي، الحدثَ أو الفعل أهم من فاعل الفعل ذاته”.

يفضل محمد الترجمة القريبة من النص الأصلي، والتي لا تسلب النص خصوصيته.ويطلب من المشتغلين بحقل الترجمة ألا يخافوا من رقباء اللغة، ويقول “أنصت إلى لغة والدتك ووالدك. ستجد هناك دليلا يقودك إلى جمال اللغة ولا تتورع عن سؤال الآخرين وانحني لمحدودية معرفتك”.
 

العَرب

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية