للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

هوامش على كتاب رمزي البعلبكي العربية ... هذه اللغة الشريفة

فادي الأنسي

 

سبق للعلامة الشيخ صبحي الصالح أن بيّن أن لا لغة بشرية أكثر قداسة – وبالتالي أرفع مقاماً – من لغة أخرى. لكن ما العمل إذا كان ابن جني – الرومي الأب وأحد أئمة النحو العربي الذين كان معظمهم من غير العرب – وصف العربية بـ «اللغة الشريفة» وتبعه مصدّقاً سنين طويلة رمزي منير البعلبكي، إلى أن كرّس بلال الأرفه لي، أحد طلابه و «مريديه»، تلك التسمية عنواناً لمجلد من خمسمئة صفحة ونيّف تحوي خيرة ما دبجه قلم «مرشد» هذا الأخير خلال العقود الأربعة الماضية من «دراسات في اللغة والنحو والمعجم والساميات» ظلت حتى لحظة صدور الكتاب طي إصداراتها المبعثرة. ما تُكبِره في «المريد» – الذي ما عتم أن أصبح رئيساً لدائرة اللغة العربية وآدابها في جامعة بيروت الأميركية وواحداً من الأسماء اللامعة في فضاء النشر الأوروبي – ذلك الوفاء المضيء، وكفى بأناقة أسلوب كلا المرشد والمريد دليلاً على ذاك النور!

سبع عشرة مقالة توزّعت على المحاور الأربعة الآنفة الذكر، بدءاً بـ «النظريّة اللغويّة عند [العلامة الشيخ عبد الله] العلايلي» وانتهاء بـ «التأثيل المعجمي وموقع العربية بين الساميّات»، مروراً بجملة تدبيجات ربما كان أبعثها على الاهتمام من منظور عام «تدريس العربيّة في الجامعات وتحدّيات المستقبل»، «هوية الفصحى: بحث في التصنيف والخصائص»، «الإشكالات والعوائق التي تواجهها المنظّمات الدوليّة في استخدام العربيّة» (وهو بحث لم يسبق نشره) و «نحو دراسة النحو العربيّ دراسة ساميّة مقارنة». ونظراً لشمول المجلد وتخصصه، سوف تركز هذه المراجعة المقتضبة على المقالات الأربع الأخيرة وحدها.
أهم ما يشدد عليه رمزي البعلبكي في بحثه عن «تدريس العربية في الجامعات» حتمية «تعلّم لغة ساميّة إلى جانب العربية» بغية «تحليل [الظواهر اللغوية العربية] وفهمها في إطار تاريخي ومقارن». هذه الملاحظة تتسم بأهمية حاسمة لا في توسيع مدارك الطلاب فحسب، بل وفي النهوض بالتعددية اللغوية في المناهج الجامعية، لما ينطوي عليه التمحور حول اللغة الأم، بمعزل عن اللغات التي تنتمي تلك اللغة وإياها إلى جذور مشتركة، من نتائج كارثية ليس أقلها العصبية المولـِّدة للعنصرية، ناهيك بجهل الخلفية التاريخية لمختلف شعوب المنطقة التي تعدّ العربية اليوم لغتها الحضارية المشتركة (مثال الآرامية في بلاد الشام والعراق، والأمازيغية في المنطقة المغاربية، واللغات السامية السابقة للعربية في اليمن وعمان، ناهيك بالعبرية القديمة التي تشكل –على رغم مأسوية الصراع المستمر منذ قرن– مدماكاً من مداميك الحضارة البشرية، ناهيك بتربتها المشرقية).
أما أبرز ما يسترعي الانتباه في مقالة «هوية الفصحى» – التي يميزها الكاتب عن «العربية» بوصف هذه الأخيرة مظلّةً للغة الأدبية والمحكيات –، فاستهلال البعلبكي البحث بوضع مصطلح «التحريف» بين علامتي اقتباس، في إشارة غير مباشرة (لتعلق الموضوع بموقع العربية بين الساميات لا بتطورها) إلى ما يُهَيَّأ لـ «أذهان كثير من أبنائها» من أن العاميات الحالية انحدرت مباشرة من الفصحى «بسبب من انتشار اللحن بين العامة». وبصرف النظر عن المصطلحات، تتسم هذه الإشارة بأهمية حاسمة لجهة سد الثغرة الحاصلة منذ قرون في فهم تطور اللغة عموماً والعربية خصوصاً، وما إشارات البعلبكي العارضة الأخرى إلى «الاعتقاد (...) الغالب على أبناء اللغة من غير الاختصاص» وما يقتضيه «البحث اللغوي الجاد» من «ضبط المصطلحات والمفاهيم» سوى رأبٍ للصدع المستحكم، ذلك أن العربية تفاعلت طويلاً مع لغات سامية أخرى كانت شعوب المناطق التي انتشرت فيها تتكلمها (السريانية وسواها من الألسنة الآنف ذكرها). أهم ما تساهم به تلك الإشارات أن اللغة اختصاص – تماماً كالطب والهندسة والفضاء – لا يجدر إلا بأهله أن يدلوا بدلوهم فيه!
في «الإشكالات والعوائق التي تواجهها المنظمات الدولية»، ينوّه الباحث بما لكل لغة من «عبقريّة (...) خاصة بها»، مشدداً على أن العربية «لا تشذ (...) بحال عن هذه القاعدة». ويشيد البعلبكي بعالم القرن الحادي عشر ابن حزم الأندلسي الذي «بلغ به الإنصاف مبلغاً جعله ينفي الأفضلية اللغوية»، لا سيما القول بأن «العربية أفضل اللغات»، مسفِّهاً «ادعاء جالينوس أن لغة اليونانيين أفضل اللغات لأن سائر اللغات إنما تشبه إما نباح الكلب أو نقيق الضفادع». إشارة الكاتب الذكية إلى عالِم مستنير عاش قبل ألف عام إنما تذكّرنا بأن العلم لا زمن له، وكذا الجهل به!
يعود رمزي البعلبكي في «نحو دراسة النحو العربيّ دراسة ساميّة مقارنة» إلى ابن حزم الأندلسي الذي «يجزم بأن الاختلاف بين العربية والعبرية والسريانية ناشئ عن تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان، واختلاف البلدان ومجاورة الأمم»، مشيراً إلى أن هذا الأخير «أوّل من عبّر بوضوح عن رجوع هذه اللغات إلى أصل واحد». ويسلّط الباحث الضوء على الأصول السامية غير العربية لـ «كثير(...) من النحويين واللغويين الأوائل»، في مقدمهم أبو الأسود الدؤلي «ال[مـ]ـنسـ[و]ب إلى السريان» وأول من «وضع النقاط على الحروف»، مشدّداً على «الحاجة (الـ)ـملحّة إلى دراسة العربية دراسةً مقارنة بأخواتها الساميّات». ويبرع رمزي البعلبكي في إعادة بوادئ صيغ المضارع إلى أصولها النحوية المستقلة، مكرّساً المقايسة معياراً لتأويل سائر البوادئ ومعيداً الضمائر المنفصلة ذاتها إلى أصولها السامية. ويذهب الباحث أبعد من ذلك ليؤثل لات المحسوبة على أخوات ليس، فيردّها إلى لا النافية وإيتْ السريانية بمعنى «يوجد»، تماماً شأن ليس العائدة إلى لا النافية وأيس المماتة بمعنى «يوجد». ويتوغل البعلبكي في عملية التأصيل المستندة إلى المنهج التاريخي المقارن (القائم على تحليل تطوّر الكلمة صوتيّاً وصرفيّاً ودلاليّاً) فيُمعن في تشريح رُبَّ الحائرة بين الاسم وحرف الجر، معيداً إياها إلى سياقها الطبيعي في فلك الساميّات، فيقرّظ ابنَ هشام على قوله إنها «ترد للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً»، كون الربا (بمعنى «الإكثار») والتربِية (بمعنى «التكثير») والرَبّ (بمعنى المُرَبّي أي «المكثِّر») جميعها من جذر «رب ب» السامي الذي يفيد «الكثرة» (قارن، على سبيل المثال لا الحصر، العبرية تودا رَبّا بمعنى «شكرا جزيلًا»).
تكاد صفة «الشريفة» تكون ألصق بمنهجية رمزي منير البعلبكي ومقاربته موضوع اللغة منه باللغة نفسها، وجَهد بلال الأرفه لي في جمع تلك الباقة لجدير بمذكّر تلك الصفة!
 

الحياة

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية