للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الحرف العربي .. بين المُهددات والفُرص

د. محمد خليفة صديق

 

 

                              "الحروف أمة من الأمم.. محيى الدين بن عربي"

اللغة هي الأداة الرئيسة للبث الفكري، وهي الناقل المميز للتبادل الثقافي، ولا يختلف اثنان في أهمية ودور اللغة العربية في نقل تراثنا وحضارتنا، باعتبارها نبراساً لعلومنا وثقافتنا كافة، وأهمية الحفاظ عليها لما تُمثله من ثقافة وهوية لأمتنا، سبيلاً لرقيها وتميّزها، وتتميز اللغة العربية بأنها لغة شابة، وعتيقة ثريةٌ في الوقت نفسه، ولغة مُبدعة لا تشيخ؛ لغة الحكمة والأدب والعلوم والمعارف، لغة الحرف الأخاذ، ذلك الينبوع الدافق الذى أسهم في معظم الحضارات الإنسانية معرفة وكتابة وأدبا وفكراً، هذا الحرف صاحب الخصوصية والجمال والرمزية الضاربة بالقِدم، المتفرد، الرشيق، في حركته الجمالية وقيمه التعبيرية؛ فجمال العربية من جمال حرفها، ولذا فإن إهدار جماليات الحرف العربي مسألة خطيرة، تتعلق بالهوية وبالتراث العربي، وتنتقص من السيادة العربية.
كان الحرف العربي هو الحرف الرئيس لكتابة لغات شعوب العالم، كتبت به 146 لغة في آسيا وإفريقيا وأوروبا، كتبت به الإسبانية والبرتغالية واليونانية والتركمانية والمنغولية ثم تدهور الحال، لا نحتاج للتأكيد أن نظام الكتابة العربية من أوفى النُظم الكتابية في العالم، والحرف العربي أصلح الحروف لكتابة لغات العالم، .. نتعرف على هذا وغيره من خلال هذه العناوين:
(الحروفية) فن عربي تتهدده الرقمنة
الحرف العربي وظلم الحاسوب
الصحافة العربية وتشويه الحرف العربي
-ضع لبنة- مؤسسات تخدم الحرف العربي
إفريقيا عشق قديم متجدد للحرف العربي
الحرف العربي في لغات أوروبا وآسيا غير العربية
شبكات التواصل الاجتماعي مهدد جديد للحرف العربي
.. تفضلوا:
الحرف العربي .. إضاءة من التاريخ:
بدأ اهتمام العرب بالتأريخ للغتهم وكتابتها باكرا، وتأثرت رواياتهم حول نشأتها بمناهج المؤلفين ومصادرهم، واختلفوا في تحديد هذه النشأة تبعًا لاتجاهاتهم، فكان هناك فريقان: نقل لنا الأول منهما أن نشأة كتابة اللغة العربية كانت توقيفية، أوحى بها الله تعالى لآدم أو إدريس أو هود عليهم السلام، ووصلت إلى إسماعيل عليه السلام بعد انحسار الطوفان، ثم انتشرت. ورأى الفريق الثاني أن الكتابة العربية اشْتُقَّت من الخط المُسْند الحميري الذي يُعْرف أيضًا باسم الخط العربي الجنوبي، وأن هذا الخط وصل إلى موطن المَنَاذرة وبلاد الشام عن طريق القوافل التجارية التي كانت تتنقل بين جنوبي الجزيرة العربية وشماليها، ثم انتقل عن طريق الحجاز إلى بقية الجزيرة العربية. 
ثم جاء الإسلام، وكان من الطبيعي أن يقوم بدور كبير في تطور اللغة العربية وكتابتها وانتشارها، فلقد حمل معه العوامل التي فرضت اتساع ساحة استخدامها، وكانت أول كلمة تنزل من القرآن الكريم تحض على معرفتها، ولا يتمارى اثنان فيما يتميز به الحرف العربي من خصوصية وجمال ورمزية ضاربة بالقدم في وجدان وكيان الثقافة العربية والإسلامية والعربية الإسلامية، فهو بما يختزله من دلالة كينونة الثقافة ولسانها.
هذا الثراء الجمالي والروحي دعا البعض ممن له شغف شديد بالحرف العربي، ليقدم رؤى عاطفية واضحة تجاهه، من بين هؤلاء التشكيلي عز الدين نجيب الذي يؤكد أن الحروف تغني وترقص وتتهادى وتبتهل كما تفعل ألحان الموسيقى وأصوات الآذان وإيقاعات الباليه. وعندما تفعل الحروف ذلك، على سطح الورق والقماش، بوساطة الخطوط والألوان، فإنها تصبح لغة تشكيلية وجمالية، لا تبغي نقل رسالة ذات مغزى مباشر، بل تبتغي إطلاق ألحان سماوية، تُقرأ بالبصيرة والقلب، قبل أن تُقرأ بالبصر والألفاظ. ألحان يؤديها الرسم كما تؤديها الألوان.
الحرف العربي أصلح الحروف لكتابة اللغات: 
من المؤكد ونحن نتحدث عن الحرف العربي، أن نشير إلى أن نظام الكتابة العربية من أوفى النُظم الكتابية في العالم بالغرض الذي وضع له، وأقربها للاطراد في القاعدة، بل إن اللغة العربية قد امتازت بهذا النظام الكتابي الفريد حتى عُرفت به، ونُسب إليها، فأطلق عليه مصطلحات: الخط العربي، والحرف العربي، والأبجدية العربية، ونظام الكتابة  العربية.
للقاص الفرنسي جون فيرن قصة خيالية، بناها على أن سياحاً اخترقوا الكرة الأرضية، ولما وصلوا إلى مكان ما في باطنها، خطر لهم أن يتركوا هناك أثرا يدل على مبلغ وصولهم، فتركوا حجراً نُقشت عليه كتابة باللغة العربية. ولما سئل جون فيرن عن سبب اختياره اللغة العربية من بين اللغات العالمية، أجاب قائلاً:" لأنها لغة المستقبل، ولا شك أنه سيموت غيرها في حين تبقى هي حية حتى يرفع القرآن نفسه".
تحت عنوان: الحروف العربية أصلح الحروف لكتابة اللغات، كتب الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه: (أشتات مجتمعات في اللغة والأدب) قائلا:" إن الأمم التي تعتمد على الحروف العربية في كتابتها أكثر عددًا من كل مجموعة عالمية تعتمد في الكتابة على الحروف الأبجدية، ما عدا مجموعة واحدة، وهي مجموعة الأمم التي تعتمد في كتابتها على الحروف اللاتينية؛ لأن الحروف العربية تستخدم لكتابة اللغة العربية، واللغة الفارسية، واللغة الأوردية، واللغة التركية العثمانية، واللغة الملاوية، وبعض اللغات التي تتصل بها في الجزر المتفرقة بين القارات الثلاث: إفريقيا وآسيا وأستراليا". 
يرى العقاد كذلك أن الأمر في صلاح الحروف للكتابة لا يعود إلى كثرة الأفراد الذين يكتبونها، بل إلى أنواع اللغات التي تؤدي ألفاظها وأصواتها. وعلى هذا الاعتبار تكون الحروف العربية أصلح من الحروف اللاتينية أضعافًا مضاعفة لكتابة الألفاظ والأصوات؛ لأنها تؤدي من أنواع الكتابة ما لم يعهد من قبل في لغة من لغات الحضارة؛ فالحروف اللاتينية تستخدم للكتابة في عائلة واحدة من العائلات اللغوية الكبرى؛ وهي العائلة «الهندية الجرمانية» التي يقوم فيها تصريف الكلمات على «النحت» أو على إضافة المقاطع إلى أول الكلمة أو آخرها، وتسمى من أجل ذلك باللغات «الغروية»؛ من الغراء اللاصق في أدوات البناء والنجارة. أما الحروف العربية فهي تقوم بأداء الكتابة بهذه اللغات وبكثير غيرها؛ فهي تستخدم لكتابة الفارسية والأوردية، وهما من لغات النحت، أو من عائلة اللغات الغروية. وتستخدم لكتابة التركية، وهي من العائلة الطورانية، ويرجعون في تصريف ألفاظها إلى النحت تارة، وإلى الاشتقاق تارة أخرى، فهي وسط بين اللغة الفارسية واللغة العربية. 
ويواصل العقاد قائلاً:" استطاعت هذه الأمم جميعًا أن تؤدي كتابتها بالحروف العربية دون أن تدخل عليها تعديلاً في تركيبها ولا أشكالها المنفردة، ولم تتصرف فيها بغير زيادة العلامات والنقط على بعض الحروف. وهي زيادة موافقة لبِنية الحروف العربية وليست بالغريبة عنها؛ لأن العرب أنفسهم أضافوا النقط والشكل عند الحاجة إليها، وليست زيادة شرطة على الكاف بأغرب من زيادة النقط على الحروف، مفردة أو مُثناة، وفوق الحرف أو تحته؛ للتمييز بين الأشكال المتشابهة أو المتقاربة. وعلى كثرة اللغات والعائلات اللغوية التي تؤديها حروف العربية لم يزل ضبطها للألفاظ أدق وأسهل من ضبط الحروف اللاتينية التي تستخدم لكتابة عائلة لغوية واحدة، وهي العائلة الهندية والجرمانية؛ فالإسباني يقرأ الإنجليزية على حسب قواعد لغته فيُحرِّفها كثيراً، ويبلغ من تحريفها مبلغاً لا نعهده في نُطق الفارسي الذي يقرأ الأوردية أو التركية أو العربية، ولا نعهده في نطق العربي الذي يقرأ الفارسية بحروفها ولو لم يكن على علم بمعانيها، ولكنه إذا عرف معناها لم يقع في خطأ من أخطاء اللفظ، ولم يكن هناك خلاف بينه وبين أبناء الفارسية في كتابتها وقراءتها".
توصل العقاد إلى أن حروفنا إذا قيست بغيرها لن نجد لها نظيرًا بين حروف الأبجديات على تعددها وكثرة التحسينات التي أدخلت عليها، وعند البحث الرصين المنصف يمكن أن نشهد للأبجدية العربية بأنها أصلح من سواها لكتابة جميع اللغات.
الحروفية العربية .. فن تهدده الرقمنة:
حين اكتشف الفنان العربي أن وراء الحرف الواحد، أكثر من صوت ومعنى ولغة، برز تيار استلهام الخط العربي الذي تمثل فيه البعض فناً كبيراً في داخل سيمفونية الفنون التشكيلية العربية والإسلامية المعاصرة، واكتشف الخطاطون الذين تحولوا إلى جماعة (الحروفيين) موسيقى الخط ودوزناته، والحروفيون هم جماعة مُولعة حد الاتراع بالخط العربي وتقاليده العريقة، تشرّبت القيمة الجمالية والصوفية للحرف العربي، الذي يمنح المنجز التشكيلي العربي المعاصر أركان تفرده، واختلافه عما يضخه الغرب من تيارات واتجاهات وبدع لا تتوقف، لها طابع العمومية، ومغرقة – في كثير من الأحيان- في الانغلاق والدوران حول ذات الفنان وهلوساته المبهمة والغامضة والمُهجسة.
كان الحرف العربي ولا زال يعني للفنانين التشكيليين الهوية العربية والإسلامية، كما أن الحرف وما يحمله من مدلولات جعل الحروفيين العرب يوظفونه في لوحاتهم الفنية لتفرده ورشاقته وحركته الجمالية وقيمه التعبيرية، مما يعطي هذه الأعمال قيمة فنية عالية، على الرغم من الاختلاف في الأسلوب التقني من فنان لآخر، فإن الجميع يتماهى في محراب الحرف تبجيلا وتقديساً.
والاتجاه الحروفي في التشكيل العربي- بحسب التشكيلي محمد غنوم- يهدف لاعتماد الحرف العربي كمفردة تشكيلية تؤدي لعمل فني عربي تشكيلي معاصر محدد الهوية ويتجذر في أعماقها، ويملك إمكانية التطوير والتجديد، بينما تؤكد التشكيلية فوزية الصاعدي أن الحروفية فن متجدد ومتطور لما يملكه الحرف من قيمة تشكيلية وتعبيرية عالية، لكنها ترى أن توسع استخدام الحاسوب وإنتاج اللوحات الرقمية ابتعدت بالكتابة عن الدلالات المصاحبة لها، وأفقدت الحروف العربية المكتوبة باليد، جزءا من روحها وجمالياتها، وقالت:" نحتاج لتطوير بناء الحرف كشكل وكرمز ومعنى والقدرة على تشكيله وتطويعه ودمجه بما يحيط به من مفردات ورموز بشكل معاصر".
أما التشكيلية رِهام محسن فتقول إن الحروفية العربية قائمة بقيام القرآن الكريم، وهو شرفها، وهو الحافظ لها، وهناك رباط مقدس للقرآن بالخط العربي لقوله تعالى :" وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون" (العنكبوت، الآية:48) ، والكتابة العربية من أقدم الكتابات التي لم تتغير، من حيث بنيتها الدلالية للمعاني والتشكيلات الرئيسة للحروف؛ فالقرآن حفظها من التغير، وبالتالي لم تتغير اللغة مع تغير اللهجات وما يجد من الكلمات.
تُلخِص رِهام ما تحتاجه الحروفية العربية من الاهتمام بالجانب التطبيقي للحروفية، مثل "الفونتات" (الخطوط)، التي تستخدم في الكتابة للصحف والمجلات وعلى الشاشات الإلكترونية، ثم تقول:" بمقارنة بسيطة نجد عدد "الفونتات" العربية قليلاً بالنسبة للاتينية، ومعظمها من التشكيلات الكلاسيكية القديمة، وقليل منها الجديد المبتكر، ومن أمثلة الفنانين التشكيليين والتطبيقيين في الوقت نفسه، الذين يقضون جهدهم لتطوير الخط العربي الفنان د. فتحي جودة، الذي عمل منذ سنوات عديدة لتطوير الخط العربي لوظائف تطبيقية، مثل اللوحات التي تستخدم في الطرق.. ليقرأها قائدو المركبات على سرعات عالية بدون الحاجة للتوقف، والخطوط المستخدمة في محطات "مترو الأنفاق" بالقاهرة، كما قدم أفكاره للوحات الإرشادية في منطقة مناسك الحج والعمرة بمكة المكرمة.
الحرف العربي.. وظُلم (الحاسوب):
رغم كل ما سبق عن عظمة وقدسية وجمال الحرف العربي، فإن ثمة مهددات حقيقية والكثير من القلق والخوف حول ما يتعرض له الحرف العربي حالياً من تشويه الأجهزة الحديثة له، لا سيما الحاسوب والمطابع، ما يعني فقدانه، وبالتدريج، لقواعده وأصوله، وبالتالي ضياعه وتشويهه؛ فقد عانى الحرف العربي برأي الكثيرين من التشويه رضوخاً لظروف الآلة الجديدة التي صُمِمت في الأصل لطباعة الكتابة اللاتينية. 
ويُلاحظ أن مسألة الطباعة وعلاقتها بالحرف العربي مسألة دقيقة لم يتعرض لها إلا القليلون؛ فعلاقة الحروف الطباعية بالعرب علاقة مُرتبِكة، ذلك أنه لم يبادر أي من الخطاطين العرب، على مدى ما يربو على قرنين من بداية الطباعة، إلى العمل في هذا المجال، وأغلب مصممي الحروف الطباعية العربية الأوائل كانوا من الهنود والرومان والفرس والهولنديين، ممن لا علم لهم بالأبعاد الاجتماعية والدلالات الروحية للحروف العربية، ويا للعجب.. أنه لم يتدخل عربي واحد لتصميم حروف أمته ..!
يؤكد الخطاط محمد سعيد الصكار أن أصول هذه الإشكالية ترجع إلى وضع العالم الإسلامي أثناء الحكم العثماني وتعنته في وجه حركات التجديد، أو ربما يعود السبب في ذلك إلى زُهد الخطاطين العرب الذين كانوا ينكبُّون على كتابة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بأيديهم لإيمانهم بأنها ضرب من التقوى، ولهذا تعطل تصميم الحرف العربي إلى عام 1734م، عندما بادر أول عربي هو (عبد الله الزاخر) من لبنان بإنشاء أول مطبعة تطبع باللغة العربية، ومع أن هناك أكثر من ١٦٠٠ شكل للحروف العربية، رغم ذلك لم يتمكن العرب من تطويع هذا الكم الهائل من الأشكال على آلة صُممت أصلاً لكتابة الحروف اللاتينية، ومن هنا بدأ المسعى لتقليص عدد أشكال الحروف العربية إرضاءً للآلة الصماء، وبالطبع لم يكترث الأجنبي لهذا التقليص.
يُحدد (الصكار) أسّ الأزمة حالياً في أن أجهزة الحاسوب تشوه كثيراً جماليات الحرف العربي؛ فالخطوط الموجودة حالياً هي خطوط شائهة؛ لأن الآلة المصممة لم تُصمم لتناسب الحرف العربي، كما أن الكتابة بالحاسوب تعتمد على سطر واحد أفقي، لا يُمكِّن الحرف العربي من التحرك فيه إلى فوق أو أسفل؛ فالمعضلة الأساسية هي أن الخط العربي يتطلب تصميم أجهزة قادرة على استيعاب كتابة الحرف العربي في أكثر من مستوى واتجاه.
يؤيد عدد كبير من الخطاطين المعاصرين، وجهة نظر (الصكار) في أن الحاسوب تسبب في إفساد عدد من الخطوط العربية الشائعة مثل خط النسخ، والخط الكوفي، وعدد آخر من الحروف مثل حروف الثلث والديواني. كما أن هذه الخطوط العربية بعد برمجتها وإطلاق أسماء عليها، فقدت (برأي الصكار) التنوع والرقة والفن والأصالة والتميز؛ فالأحجام المتساوية، والارتفاعات الثابتة، وتم إهدار النسب الخاصة بالحرف العربي وفقد عنصر التوازن، وتحولت الحروف الأفقية إلى حروف عرضية وسميكة، والرأسية أصبحت رفيعة وقصيرة، أما الفاء والقاف فأصبحتا بلا رقبة، أما الباء المتصلة، فهي مشكلة، وهذه الأنواع من الخط يطلق عليها النسخ المطور، أو خط بيروت.
ويرى الصكار أنه إذا كانت برمجة الحروف العربية ضرورية لاختصار الوقت والجهد، فإن إهدار جمالياتها مسألة خطيرة، تتعلق بالهوية وبالتراث العربي، حيث أصبحت تلك الخطوط غير المتناسقة، هي السائدة في الصحف والمجلات العربية اليوم، كما أصبحت النموذج العام المعروض للخط العربي.
الصحافة العربية وتشويه الحرف العربي:
يذهب الفنان محيى الدين اللباد إلى تأكيد نفس الرأي السابق، عندما يشير إلى أن خطنا العربي رشيق وجميل ومنغم ومتنوع الإيقاع، أما عناوين صحفنا أومجلاتنا فهي عناوين غريبة وغليظة، وصحفنا ومجلاتنا العربية، أصبح لها اليوم نفس الشكل، ولم تعد تتميز عن منافساتها في هيئتها، وهذه الحروف الغليظة صممها من لا علاقة له بالخط العربي، ولعله كان يقصد أن يجعل الكتابة العربية تغلب الكتابة الإفرنجية في هندستها وامتدادها الأفقي، في شكل شرائط منتظمة، ولم يكن هذا المصمم يعلم أن الإيقاع الخاص للكتابة العربية، وأن موسيقاها المميزة، يكمنان في عكس ما قصد إليه في بنية الخط وتركيباته، وفي توازنه العام وليس المباشر.
بينما يرى مسعد خضير البورسعيدي أن الخطر الحقيقي يكمن في اندثار عدد كبير من الخطوط العربية، والسبب هو اندثار الخطاطين أنفسهم، فالخط ليس مادة أساسية في المدارس، ومعاهد تحسين الخطوط قليلة جداً، وأصبح الحاسوب بديلاً عن الخطاطين في الصحف والمجلات والتلفاز وحتى في إعلانات الطرق واللافتات.
ويذهب حامد العوضي إلى أن السماح لشركات الإنتاج الغربية بتصميم وتحديد شكل أنماط الحروف العربية، هو نوع من التفريط في السيادة، ويرى أن الأنماط الجديدة من الحروف التي يزودنا بها الغرب، تأتي مجافية لروح الخط العربي. وقد جرت محاولات لابتداع تقاليع من الحروف العربية تُقلِّد اللاتينية، في إطار حملة تزعم أن اتصال الحروف العربية هو سبب تخلفنا عن الحضارة الحديثة، وقد رفض مجمع اللغة العربية تلك الطريقة في الكتابة، لأسباب متعددة منها أنها تفصلنا عن تاريخنا، وأن طريقة الكتابة جُزءٌ من هويتنا.
ويؤكد العوضي أن الخط العربي لا يعتمد على الأفقي أو الهندسي، وكذلك لا يجعل الحروف الرأسية عمودية، بل يجعلها مائلة، وكل هذا جزء من طبيعة العين الشرقية في الرؤية، كذلك فإن الفراغ داخل حروف مثل: (م، ص، ق، لا) على سبيل المثال، هو جزء من شخصية الحرف العربي، وقد وُضِع وَفق ميزان فني دقيق، وبدونه تُطمس شخصية الحرف العربي.
يرى د. محمود شاهين في كتابه (الحروفيّة العربية.. الهواجس والإشكالات) أنه لا بد من ميكنة الحرف العربي، بهدف اختصار الوقت والجهد، وهو أمر مُلح وضروري، يرتبط بتشعبات استخدام الحاسوب في حياتنا المعاصرة، لكن إهدار جماليات الحروف العربية، والتضحية بقوانينها ونظمها، فهي مسألة خطيرة لارتباطها الوثيق بالهوية والتراث العربي والإسلامي، وما لم تُحل إشكالية ميكنة الحرف العربي، فإنها تتكرس وتزداد تعقيداً مع ازدياد وتوسع وانتشار استخدامات الحاسوب في حياتنا المعاصرة، حيث صارت تعتمد عليه غالبية وسائل الاتصال البصرية كالإعلام المقروء، والمشاهد، والملصقات، والإعلانات، وأغلفة الكتب، واللافتات، حيث أصبحت هي النموذج العام المعروض والمعمول به للخط العربي، والخطورة الكبيرة تأتي من عملية تعميمها وانتشارها والتعود عليها، رغم ما فيها من أخطاء، وبشاعة، وعدم تناسق.
ضع لبنة.. مؤسسات تخدم الحرف العربي:
رغم صعوبة واقع الحرف العربي وما يكتنف مسيرته من صعاب وعقبات، فلا زالت هناك مؤسسات تسعى في سبيل بقاء الحرف العربي شامخا كألفِه، منها:
المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو):
أولت المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو) اهتماماً خاصاً بمشروع الحرف العربي، وأفردت له موقعاً ثابتاً ضمن خطط عملها المتعاقبة على مدى الثلاثين سنة الماضية، ووضعت له أهدافاً ثابتة وأخرى استراتيجية، تتمثل في تنميط الحرف العربي وتكييفه صوتياً وتقنياً لكتابة لغات الشعوب المسلمة المتعددة، والمحافظة على تراثها الحضاري، وتنمية لغاتها وثقافاتها وتمكينها من مسايرة الثورة العلمية والتقانية، ومحاربة الأمية وفق المنظور الثقافي المتسق مع عناصر الهوية وبالحفاظ على التنوّع الثقافي.
تستند إيسيسكو في اهتمامها بمشروع الحرف العربي كما يقول د. عبد العزيز بن عثمان التويجري إلى تراث ضخم وممتد عبر التاريخ لثمانين (80) لغة من لغات الشعوب المسلمة التي استعملت الحرف القرآني، وجعلت منه رمزاً لتنوع الأمة الإسلامية في إطار الوحدة، قبل أن يقوم المستعمر في منتصف القرن العشرين، بإحلال الحرف اللاتيني محله وإبعاده بالتدريج وحصره في مجالات التعليم الديني.
وذكر التويجري أن من ثمار الجهود المتصلة التي قامت بها الإيسيسكو بالتعاون مع شركائها، وضع الأبجدية العربية الأفريقية التي أثبتت صلاحيتها، عبر الدورات التدريبية، لكتابة نحو ثلاثين (30) لغة إفريقية وآسيوية، قابلة للزيادة. وشهد البرنامج تطوراً ملموساً تمثل في حوسبة هذه الأبجدية واستحداث البرامج الطباعية الحاسوبية وبرامج تحويل النصوص من الأبجدية اللاتينية إلى الأبجدية العربية الإفريقية، واتسع المشروع ليتم في إطاره استحداث دبلومين علميين، وسيط وعال، يؤهلان الدارسين للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه، إلى جانب استحداث كراسي علمية للحرف القرآني في عدد من الجامعات الإفريقية والآسيوية.
المجلس الدولي للغة العربية:
المجلس الدولي للغة العربية منظمة عربية عالمية تأسست في 2008م، وتتخذ من بيروت مقرا لها، ونشأ هذا المجلس بمبادرة تنادى إلى تأييدها ودعمها عدد كبير من الوزراء وأمناء المنظمات والهيئات والاتحادات العربية والعالمية الحكومية والأهلية المعنية باللغة العربية وثقافتها، ويهدف المجلس إلى الإسهام في النهوض باللغة العربية وثقافتها ونشرها وربطها باللغات المختلفة في العالم من خلال تقديم البرامج التعليمية والتدريبية والدراسات والأبحاث التقنية والعلمية وعقد وتنظيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمعارض وغيرها.
من أولويات عمل المجلس التعريف بالجهود والإمكانات الفردية والجماعية والمؤسسية في مجال اللغة العربية، وتعمل مؤسسات المجلس ممثلة في الاتحاد الدولي للغة العربية والجمعية الدولية لمدارس اللغة العربية على تحقيق أهداف المجلس وبرامجه التي يتم تحديثها وتطويرها باستمرار حسب المستجدات والاحتياجات التي تظهر مع تطور عمل المجلس ومؤسساته وبرامجه ومشاريعه المختلفة، ومن ذلك عمل المجلس على تقديم البرامج التي تسهم في الاهتمام بالخط والحرف العربي في جميع الدول التي لها علاقة بالحرف العربي.
جائزة محمد بن راشد للغة العربية:
جائزة محمد بن راشد للغةِ العربية، هي إحدى مبادرات الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، للنّهوض باللّغة العربيّة ونشرها واستخدامها في الحياة العامة، وتسهيل تعلّمها وتعليمها ، إضافة إلى تعزيز مكانة اللّغة العربيّة وتشجيع العاملين على نهضتها.
وتهدف الجائزة للارتقاء باللّغة العربيّة وتشجيع المبادرات التي تسهم في تطويرها تعلّمًا وتعليمًا وتخطيطًا وفكرًا واستخدامًا، وإبراز المبادرات النّاجحة وتكريمها في فئات الجائزة المختلفة لتمكين العاملين في ميدان اللّغة العربيّة من الاستفادة منها، ونشر الوعي بأهميّة المبادرات الشّخصيّة والمؤسّسية السّاعية إلى تطوير اللّغة العربيّة، وتشجيع الشّباب وتحفيزهم للإبداع في تطوير استخدامات اللّغة العربيّة المختلفة، والتوسّع في تعريب الأعمال من ميادين المعرفة المختلفة للاستفادة من تجارب الثّقافات العالميّة، واستنهاض الوعي بكون اللغة العربية لغة المستقبل، والعمل على بلورة هذا الدور والهدف على أرض الواقع .
وفي الدورة الثالثة لجائزة محمد بن راشد للغة العربية، حصدت الجوائز مجموعة من الأعمال والمبادرات مثل: أفضل مبادرة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأفضل مشروع لتدريس اللّغة العربية باستخدام الوسيط الذكي (الآيباد)، وأفضل مبادرة لتعليم اللغة العربية وتعلمها في التعليم الأولي والمُبكر، وأفضل مبادرة في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي، وأفضل مبادرة لتطوير المحتوى الرقمي العربي ونشره أو معالجات اللغة العربية.
مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية:
أُنشيء مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية عام 1429هـ تحقيقاً لعدد من الأهداف للمحافظة على اللغة العربية، ودعمها ونشرها، وتكريم علمائها، حيث يسعى لمعالجة قضايا اللغة العربية من زوايا علمية متعددة، والخروج بمشروعات علمية متعددة في خدمة اللغة العربية للأفراد والمؤسسات، كما يقيم الفعاليات والأبحاث العلمية التي تعزز قيمة الحرف العربي الذي تكتب به أكثر من مئة لغة في أنحاء العالم لا زال عدد مقدر حيا إلى اليوم، ويرجو المركز أن يسهم في إحياء بعضها أو في الحفاظ على تراثها، وأهمية تعزيز محل العربية في المنظمات الدولية، ومن خلالها، وأهمية سن الأنظمة والتشريعات الهادفة إلى الحفاظ عليها، ومتابعة العمل على تطبيق تلك الأنظمة والتشريعات وعدم الإخلال بها.
مكتبة الاسكندرية:
تُولِي مكتبة الاسكندرية موضوع الحرف العربى اهتماما متزايدا من خلال مركز دراسات الكتابات والخطوط مع مركز المخطوطات التابعين للقطاع الأكاديمي بمكتبة الإسكندرية، وقد نظمت المكتبة عدداً من الندوات والمحاضرات المهمة مثل محاضرة " الحرف العربي في كتابات ومخطوطات اللغات الإفريقية"، قدمها الأستاذ د. حلمي شعراوي؛ نائب رئيس مركز البحوث العربية والإفريقية بالقاهرة، وألقى فيها الضوء على أهمية المخطوط الإفريقي وكتاباته التي بقيت تراثا ملموساً بين يدى الأجيال المتعاقبة، حيث سُجل لهذه الأجيال تراثها بالحرف المكتوب، سواء كان الحرف من إنتاجها المباشر أم بالاستعارة خلال الاختلاط بثقافات أخرى ومن أهمها الحرف العربي. 
وأكد شعراوي في محاضرته ما ظل ينكره الغرب من قيمة المخطوطات الإفريقية المدونة بالحرف العربي، والتي تعبر عن اختلاط اجتماعي وثقافي مع مركب الثقافة الإفريقية العربية في ممالك وإمبراطوريات القارة الإفريقية الواسعة. وتشهد أكثر من عشرين لغة إفريقية بهذا التراث المشترك الناتج من معارف مشتركة، إفريقية عربية، وهو ما أطلق عليه بعض الباحثين الأفارقة والعرب قديًما "تراث الحرف العربي".
المعهد الثقافي الإفريقي العربي في باماكو:
المعهد الثقافي الإفريقي العربي في العاصمة المالية باماكو من المؤسسات التي تضطلع بدور كبير لإبراز قيمة اللغات الإفريقية المكتوبة بالحرف العربي، وقد أصدر هذا المعهد عددا من الدراسات منها كتاب " تراث مخطوطات اللغات الإفريقية بالحرف العربي" الذي صدر الجزء الأول منه في عام 2005، والمعهد بصدد طباعة الجزء الثاني، ليقدما معًا مخطوطات ست عشرة لغة إفريقية كتبت منذ قرون بالحرف العربي ومنها السواحيلية، والهوسا والأمازيغية وغيرها. 
معهد الخرطوم الدولي للغة العربية: 
معهد الخرطوم الدولي للغة العربية هو أحد أذرع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (ألكسو)، أنشىء في عام 1974م، وهو معهد عالٍ، يمنح درجات الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية للناطقين بغيرها، وقد نوقشت في هذا المعهد أكثر من 30 رسالة ماجستير في موضوعات متعلقة بالحرف العربي، وعقدت في معهد الخرطوم الدولي للغة العربية عدد كبير من الندوات المتخصصة في الحرف العربي، مثل ندوة كتابة لغات شرق إفريقيا بالحرف العربي في عام 1989م.
وأدخل المعهد ضمن مقرراته في مواد ماجستير اللغة العربية للناطقين بغيرها مادة (كتابة اللغات بالحرف العربي)، كما شارك معهد الخرطوم الدولي للغة العربية – بوصفه الجهة الفنية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) – في اجتماعات اللجنة الفنية التي تشكلت من إيسيسكو والبنك الإسلامي للتنمية ومعهد الدراسات والأبحاث للتعريب في بداية عملها في الثمانينيات للنظر في مقترحات الحرف العربي الذي تكتب به اللغات الإفريقية.
مركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي بجامعة إفريقيا العالمية.
أنشأت جامعة إفريقيا العالمية بالسودان عام 2002م وحدة متخصصة في مجال الحرف العربي، تطورت عام 2011م إلى مركز متكامل هو)مركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي(، ويعمل المركز على  إعادة المكانة التي فقدها الحرف العربي في كتابة لغات الشعوب الإسلامية مضيفاً إليها لغات أخرى،  ويتعاون المركز في ذلك مع المؤسسات المعنية بالحرف العربي، ونشره، وتطويره تقنياً وتربوياً، وربطه بتعلم اللغة العربية وقراءة القرآن، وإظهار جمالياته، وحوسبة المخطوطات التراثية، وترجمة كتب الثقافة الإسلامية إلى لغات المسلمين المختلفة مكتوبة بالحرف العربي.
يمارس المركز اليوم مهامه في مجالين؛ الأول: التدريب على استخدام الحاسوب في كتابة لغات الشعوب الإسلامية بالحرف العربي، وإعداد المواد التعليمية، وذلك على مستوى الدورات القصيرة، والدراسات العليا (الدبلوم العالي والماجستير). أمّا المجال الثاني: فيعنى بترجمة كتب الثقافة الإسلامية إلى لغات المسلمين، وكتابتها بالحرف العربي، ويعنى كذلك بجمع المخطوطات، وتحقيقها، وطباعتها ونشرها.
أبرز أهداف المركز هو الارتقاء بمشروع كتابة لغات الشعوب الإسلامية بالحرف العربي، والترويج لإشاعة ونشر الحرف العربي، ومساعدة الجماعات التي ترغب في كتابة لغاتها بالحرف العربي، بجانب إكساب الدارسين، والباحثين مهارات كتابة، وحوسبة لغات الشعوب الاسلامية بالحرف العربي، واختيار الرموز الكتابية لكتابة الأصوات غير العربية، وحوسبة كتابة اللغات بالحرف العربي، وإعادة كتابة تراث الشعوب الإسلامية المخطوط، وحوسبته، وحفظه تقنياً، وتحقيقه.
كما يدرس المركز أصوات لغات المسلمين التي لم تدخل في المشروع لاختيار الرموز المناسبة لكتابتها بالحرف العربي بطريقة علمية صوتية، كما يقوم بإعداد المواد التعليمية للغات الشعوب الإسلامية المختلفة بالحرف العربي، وترجمة كتب الثقافة الإسلامية إلى لغات الشعوب الإسلامية وكتابتها بالحرف العربي المحوسب، وعمل قاعدة بيانات لنشاطات الحرف العربي بجانب إجراء البحوث، والدراسات الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية حول لغات الشعوب الإسلامية.
تم بعد ذلك تنفيذ مشروعات عديدة في المركز منها: التدريب على كتابة اللغات الإفريقية بالآلة الكاتبة : تسلمت الجامعة مجموعة من (المراقن) التي أعدت لكتابة اللغات الإفريقية، وعقدت دورة تدريبية بالتعاون مع إيسيسكو في عام 1996م شارك فيها ثلاثون طالباً من طلاب جامعة إفريقيا العالمية، يمثلون خمس عشرة دولة وتدربوا على كتابة 16 لغة من اللغات الإفريقية هي: الولوف، الماندنقا، البامكلي، الهوسا، الفولاني، الكانوري، اليوربا، الصومالية، السواحيلية، الدينكا، اللوغندة، الأرومو، القمرية، التقري، لوساغا، جولا، وفي هذه الدورة اتضح أن هذه المراقن التي أعدت لتكتب بها 14 لغة أمكن أن يكتب بها 21 لغة إفريقية.
والحرف العربي المُنمط هو الركيزة الأساسية في كتابة اللغات بالحرف العربي في مركز يوسف الخليفة، وهو مجموعة من الحروف العربية الثمانية والعشرين والحركات، مضاف إليها إبجدية آيسيسكو المُنمطة، وقد كتب المركز بهذه التقنية للحرف العربي المنمط عشرات الكتب، بعضها مترجم، وبعضها مؤلف، ومن اللغات التي صدرت بها هذه الكتب: اللغة السواحيلية، الهوسا، والفلفلدي، والصومالية، واليوربا، والقمرية، والبجا، والبني عامر، والنوبية. 
إفريقيا .. عشق قديم متجدد للحرف العربي:
ظل الحرف العربي لقرون طويلة الحرف الأول الذي ينقل الثقافة والفكر في ربوع القارة السمراء شمالاً وغرباً وشرقاً ووسطاً، ولكن تراجع الحرف العربي عن دوره في نقل التراث الإنساني عبر القرون تحت وطأة محاولات المستعمر المستمرة لإحلال الحرف اللاتيني مكانه قبل وأثناء القرن العشرين، غير أن الحرف العربي أضحى اليوم أكثر انتشاراً من ذي قبل، وذلك بفضل جهود عدد من الحادبين على نشر الحرف العربي الذين دافعوا عنه في أروقة الأمم المتحدة مثل مدير اليونسكو الأسبق د. أحمد مختار أمبو السنغالي الجنسية، ود. كريم تورى السيراليوني الجنسية، وكان للدكتور كريم الفضل في الترويج للحرف العربي في جامعات بريطانيا.
وقد بدأت الجهود تتوجه نحو إعادة استخدام الحرف العربي في كتابة اللغات الإفريقية حينما انتبه المثقفون الأفارقة في إطار سعيهم لفهم أعمق لمشكلة محو الأمية إلى أن تعريف الأمي نفسه ضمن مشاريع محو الأمية كان قاصراً، وذلك لأن الأمي في ممارسات اليونسكو كان هو من لا يعرف كتابة لغته بالحرف اللاتيني، وعليه لم تكن الإحصاءات الرسمية تضع في حسبانها من يقرأ ويكتب لغته الوطنية بالحرف  العربي.
وقد أشارت الإحصاءات إلى أن ثلثي الأطفال في هذه الدول يتلقون تعليمهم الأساسي بالحرف العربي، ويستخدمه الكبار في المكاتبات اليومية إلى جانب أن هناك تراثاً أدبياً ضخماً لهذه الشعوب كُتب بهذا الحرف لم يصل إلينا منه سوى جزء يسير كتب بالحرف العربي.
وقد بادر د. أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية بتبني فكرة إعادة نشر استخدام الحرف العربي لكتابة اللغات الإفريقية فطرح المبادرة على الأستاذ أحمد مختار أمبو عندما كان مديراً لليونسكو والذي رحب بالمبادرة ورَوّج لها، وبعد ذلك توسعت الفكرة فانضمت عدة مؤسسات تلبية لدعوة رئيس البنك الإسلامي.
في مارس عام 1984م وقعت اليونسكو مع منظمات شريكة على المشروع الإقليمي لليونسكو (بريدا) الخاص باستعمال الحرف العربي في مكافحة الأمية في إفريقيا، وقد تضمن المشروع عدداً من البرامج منها: إجراء دراسة لواقع استعمال الحرف العربي في مالي والسنغال والنيجر ونيجيريا، وعقد ندوات حول وضع حروف لكتابة لغات البولار/ فلفدى، الصنغي/ زرما، الولوف، الكانوري والهوسا، وإنشاء فصول نموذجية لاستخدام الحرف العربي في تعليم اللغات المحلية بالمدارس القرآنية في مالي والسنغال والنيجر، بجانب وضع رموز موحدة للأصوات (حروف) بدلاً عن كتابة كل لغة برموز مختلفة مما يجعل نفس الصوت يأخذ أكثر من رمز.
وقد أثمر هذا التعاون في عام 1989م عن توحيد حروف ست لغات من شرق إفريقيا هي القمرية والسواحيلية والأرومو والدينكا واللكبارة واللوكندة إلى جانب البولار/ فلفدى والصنغي/ زرما من غرب أفريقيا، وتوسع المشروع ليضم من لغات غرب إفريقيا: والكانوري والتماشق والمالينكي/ بمبرا والصوصو ولوننكي/ سراكولي.
وفي عام1991م تم الاتفاق على رموز كتابة مجموعة اللغات التي سبق دراستها مستنبطة من الحروف العربية بعد دراسة الجوانب الصوتية ومراعاة العوامل العملية والتاريخية والبيداغوجية والجمالية، ثم انتقل المشروع إلى مرحلة جديدة عندما تم تمويل صناعة 600 آلة كاتبة يدوية عربية إفريقية استخدمت فيها مجموعة الأحرف المنمطة الصالحة لكتابة نصوص 16 لغة إفريقية تمهيداً لاستخدامها في المشروعات التربوية وخاصة محو الأمية.
وهناك جهود د. خليل محمود عساكر (مصري الجنسية) ود. يوسف الخليفة أبوبكر (سوداني الجنسية) ودورهما في دراسة أصوات لغات جنوب السودان في منتصف القرن العشرين، وتحديد رموز كتابية لها، ثم تأليف أربعة كتب تعليمية بأربع لغات من لغات جنوب السودان باستخدام الحرف العربي المنمط، وهي لغات الدينكا والنوير والشلك والباريا.
من مكاسب الحرف العربي واللغة العربية في إفريقيا أن العربية أصبحت لغةً من اللغات الوطنية المعترف بها دستورياً في بعض الدول مثل تشاد والنيجر، وظهرت صحافة عربية لأول مرة في عدد من دول المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وإن كان ظهورها في السنغال أسبق، فقد صدرت بعد الاستقلال مجلة حكومية سنغالية بالعربية تحمل اسم (المسيرة)، ثم مجلة (الأفكار) الناطقة باسم الاتحاد الوطني للكتاب والصحافيين الناطقين بالعربية، وتوالت بعدهما صحف ومجلات أخرى، وفي النيجر ظهرت منذ عام 1995م إلى اليوم صحيفتان ومجلة ناطقة كلها بالعربية، وهي صحيفة (الوطن) التي ظهرت سنة 1995م، ومجلة (الواحة) التي صدرت منها بضعة أعداد ثم توقفت، وأخيراً صحيفة التواصل، وفي مالي تصدر حالياً صحيفتان على الأقل باللغة العربية، هما (الصحافة) و(المستقبل). 
يقول د. يوسف الخليفة أبو بكر: فإذا أردنا أن نختار لغة من اللغات الإفريقية الكثيرة لكي نرشحها لتكون لغة إفريقيا الرسمية لوجدنا العربية على رأس اللغات الثلاث الكبرى التي يمكن أن تحظى بهذا الشرف، ويقصد باللغات الثلاث الكبرى: العربية والسواحيلية ولغة الهوسا. وسواء أصبحت العربية في يوم من الأيام لغة رسمية للقارة الإفريقية أم لم تصبح، فهي الآن تحتل بلا مُنازع المرتبة الأولى بين اللغات الإفريقية، ليس فقط لكونها اللغة التي يتكلمها نحو ثلث سكان القارة، أو يتبناها نصفُ سكانها باعتبارها لغة قرآنهم، ولكن أيضاً لكونها أعرق هذه اللغات كتابة وتراثاً وأغزرها عطاء، ولكونها اللغة الوحيدة التي دُوِّن بها تاريخ إفريقيا القديم والوسيط، ولولاها لكانت إفريقيا بدون تاريخ وبلا حضارة.
الحرف العربي في لغات أوروبا وآسيا غير العربية :
يرى غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): أن اللغة العربية صارت لغة عامة في جميع البلاد التي استولى عليها العرب المسلمون، وحلت محل ما كان فيها من اللغات، كالسريانية واليونانية والقبطية والبربرية … إلخ، حتى في بلاد فارس على الرغم من يقظة الفرس، ظلت اللغة العربية في بلادهم لغة أهل الأدب والعلم، وظل الفرس يكتبون لغتهم بالحروف العربية، كما أن اللغة العربية ذات أثر عميق في اللغات اللاتينية، وقد ألف بعضهم معجماً في الكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية، وتركت لغة العرب أثراً مهماً في فرنسا نفسها، ولفت لوبون لمقولة "سيديُّو": "أن اللهجات السائدة لولاية أوفِرن وولاية ليموزان الفرنسيتين محشوة بالكلمات العربية، وأن أسماء الأعلام فيهما ذات مسحة عربية".
وكتابة اللغات بالحرف العربي لم تكن قاصرة على إفريقيا، بل هناك عدد مقدر من اللغات الأوربية والآسيوية كانت تكتب بالحرف العربي، وقد كتبت هذه اللغات بالحروف العربية منذ قرون، وصارت جزءا من التراث المخطوط بأيدي المسلمين وفي المتاحف والجامعات في القارتين.
يقول د. يوسف الخليفة أبوبكر أن عدد اللغات التي كتبت بالحرف العربي في أوروبا وروسيا تصل إلى ثلاثين لغة، منها: 18 لغة روسية، هي لغات الجمهوريات السوفيتية السابقة، مثل الشيشانية والبلاروسية والقرمية، و12 لغة أوروبية، منها الإسبانية والبرتغالية والألبانية واللغة البلغارية القديمة، والبوسنية، والبولندية واللاتينية واليونانية والكرواتية، لافتا إلى محاولات لكتابة اللغة الإنجليزية والفرنسية بالحرف العربي، وقال:" هناك محاولات تجرى حالياً بمركز يوسف الخليفة لكتابة اللغة الإنجليزية بالحرف العربي في رسائل ماجستير".
في كتابه (عالمية الأبجدية العربية.. وتعريف باللغات التي كتبت بها)، تناول الأستاذ عبد الرزاق القوسي  146 لغة في آسيا وإفريقيا وأوروبا استخدمت الحروف العربية، وتناول تاريخ استخدامها مع عرض نصوص مكتوبة بها بالحروف العربية، والأبجدية العربية لكل لغة، وكيف طُورت الحروف العربية لتتناسب مع كتابة تلك اللغات.
ووضح القوسي أن أبرز اللغات الآسيوية التي كتبت بالحرف العربي، هي: اللغة الفارسية والتركية والجغتائية (اللغة الرسمية للإمبراطورية المغولية)، والقازاخية والقرغيزية والأوزبكية والأيغورية والأيتو والتركمانية والدونكانية والسريكولية والشنغنانية والطاجكية والقاراقالباقية والقازاقية والمنغولية والواخية واليغنوبية وغيرها، وبيّن القوسي في كتابه كيف طُورِت الحروف العربية لتتسع لكل القواعد اللغوية والصرفية والإملائية لكل لغة، وقال:" جميع لغات تركستان الشرقية لا تزال تكتب بالحروف العربية، وتراث لغات الشعوب التركية لا سيما المعاصرة بدأ بالحروف العربية". 
يدعو القوسي لعمل برامج حاسوبية وبرامج على الجوال تقوم بعملية تحويل كتابة لغات آسيا الوسطى من الحروف الكريلية أو اللاتينية إلى الحروف العربية، علما بأن هناك مواقع على الإنترنت تقوم بهذه المهمة للغتين الإيغورية والقرغيزية، وقال:" يجب عمل معارض دولية تظهر التراث الضخم المكتوب بالحرف العربي للغات آسيا الوسطى".
شبكات التواصل الاجتماعي مهدد جديد للحرف العربي:
برزت مهددات جديدة للحرف العربي مع تطور تكنولوجيا الاتصال، وسيطرة وسائط الاتصال الجدية وشبكات التواصل الاجتماعي على دنيا الشباب العربي؛ فظهرت كتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، مما يمثل انهياراً جديداً للغة الضاد، وهو أمر قد خلّف وراءه ألف بائية عجيبة تنتشر في أوساط الشباب سواء في رسائلهم المتبادلة عبر الهاتف المحمول، أم في أغلب كتاباتهم عبر المواقع الاجتماعية، ومنها إلى الشريط المتحرك أسفل شاشات الفضائيات العربية. والسبب وراء تلك الظاهرة التي بدأت نكتة؛ وما لبثت أن تحولت إلى كابوس مزعج، حسبما ردد بعض الشباب هو السرعة والسهولة والمرونة في كتابة الحروف اللاتينية مقارنة بالعربية.
وكتابة العربية بحروف لاتينية طريقة انتشرت بين الشباب منذ بروز نجم المحمول وشبكة الإنترنت، هذه الكتابة التي يسميها البعض "الأرابش" أو "العربيزي" وتعني أن يكتب الشباب الكلمات العربية باللغة اللاتينية مثلاً جملة: إيه الأحوال تكتب "eh elahwal"، إن شاء الله "isa"، الحمد لله "halel"، لا حول ولا قوة إلا بالله "lahwlkeb"، كله بأمر الله "kba". وساعدت أجهزة المحمول القديمة التي لم تكن بها حروف عربية ولا تدعم الكتابة بها على انتشار الظاهرة، حيث حاجة المستخدمين إلى كتابة الرسائل بالعربية ما أدى لاستخدامهم الحروف الإنجليزية للتعبير عن الكلمات العربية، وقد استغرق تزويد الهواتف المحمولة بالحروف العربية وقتاً ليس بالقليل كما نعلم.
ديباجة أخيرة:
وبعد..؛ فإن الحرف العربي تراث قومي وقيمة حضارية، والحفاظ عليه عمل من أعمال السيادة الوطنية، ونشره والافتخار به، والاهتمام باللغات التي كانت تكتب بالحرف العربي يخدم غرضاً استراتيجياً قومياً بحماية هذه اللغات، وتطويرها لنشر الحرف العربي في العالم على أوسع نطاق، وهذا العمل سيؤدي يوماً ما، وحتماً.. إلى أن تكتب كل الدنيا بالحرف العربي.
يجب أن نسعى جميعا للتمسك بالحرف العربي، والعمل على تطويره في الجانب الفني التطبيقي الوظيفي له بما يخدم المجتمع واحتياجاته بشكل مباشر بصورة أكبر؛ فيكون التطوير التشكيلي الفني المبتكر والمتجدد ليناسب أنظمة العلامات العصرية للحروفية واللغة ؛ مثل الخطوط التي تستعمل للشاشات، والخطوط على شاشات الحاسوب، وأجهزة التلفون المحمول، ومثل اللوحات الإلكترونية التي يكتب عليها بالعربية في المرافق العامة كالبنوك والمطارات. 
وحفاظا على الحرف العربي، وللحيلولة دون خروجه عن الأصول والنظم والقواعد التي وضعها له الأجداد، عبر عصور تاريخية مختلفة، يبدو من المهم أيضاً القيام بعملية مراجعة متأنية لما تُقدِمه الحواسيب من طُرز وأنواع الخطوط، وإعادة تصميمها من قبل اختصاصيين، يلمون بقواعدها ونظمها، وبالتالي إزالة التشويه الذي لحق بها، قبل أن يصبح ذلك في حكم المستحيل، وهذه المهمة الملحة والضرورية، لا يمكن لخطاط أو جمهرة من الخطاطين القيام بها، إنما تحتاج إلى جهود مؤسسات رسمية وخاصة كبيرة، في الدول العربية والإسلامية، وحتى في الدول المنتجة والمصدرة للحواسيب.!!
 

 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية