للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية تستفيد من الرَّقْمَنة

أ. أبو بكر خالد سعد الله

 

كان المتتبعون للطباعة والنشر قد توقعوا أن عام 2018 سيعرف منعرجًا حاسمًا في موضوع بيع الكتب وقراءتها حيث سيصبح عدد مبيعات الكتب الإلكترونية أكبر بشكل لافت من مثيله الورقي عبر العالم، وأن هذا الاتجاه سيتغلب شيئا فشيئا، مستخلصين أن أيام الكتاب الورقي صارت معدودة! وقد حدث هذا التحوّل ميدانيا منذ سنوات في مجال المجلات الأكاديمية العالمية.


 
وفي خضم تحاليل الأوضاع التي تؤكد كلها هذا الاتجاه في الصراع بين عالم الكتب الورقية والإلكترونية تسعى العديد من الجهات عبر العالم منذ نحو عقدين إلى رقمنة ما هو موجود من الكتب، قديمها وحديثها. وبطبيعة الحال فما هو حديث لا زالت حقوق الملكية تحميه وتقع العملية على عاتق صاحب الملكية ودار النشر التي لا زالت تستغلها لصالحها. ولذا فما نقصده هنا هو تلك الكتب التي صارت "ملكا عموميا".

قدرت شركة "ڤوڤل" عام 2010 عدد الكتب المطبوعة منذ أن عُرفت المطبعة خلال القرن الخامس عشر بنحو 130 مليون كتاب، منها حوالي 1,3 مليون كتاب باللغة العربية. وقد عبرت هذه الشركة عن نيّتها آنذاك في رقمنة كل تلك الكتب. أما الآن فيقدر البعض هذا الكم من الكتب بأنه ليس بعيدا عن 150 مليون كتاب، مع الملاحظة أن هذه الأرقام تقريبية جدا.

ومن شأن رقمنة هذا التراث هو حمايته من التلف ووضعه في متناول أكبر عدد ممكن من القراء بصفة مجانية. ويساير هذا المسعى انتشار وسائل القراءة عبر الأجهزة المحمولة (حواسيب ولوحات إلكترونية وهواتف).

ومن بين المشاريع الرائدة في هذا المجال "مشروع المليون كتاب" (أو "مشروع المكتبة الكونية") الذي كانت أطلقته جامعة كارنيجي Carnegie الأمريكية بإشراف أربعة أساتذة والتعاون مع مجموعة من المؤسسات في الهند والصين، ثم انضمت لهما مصر. وقد بلغ عدد الكتب المرقمنة في هذا المشروع قبل 10 سنوات مليون ونصف مليون كتاب متجاوزا بذلك الهدف المسطر في البداية. ومن هذه الكتب المرقمنة نجد 40 ألف كتاب باللغة العربية و 360 ألف كتاب باللغة الأنكليزية، وأخذت اللغة الصينية حصة الأسد. أما عدد اللغات الإجمالي الذي يمسه هذا المشروع فيزيد عن عشرين لغة.

تمت رقمنة جل هذه الكتب في الهند والصين. ومن أجل ذلك نُقلت آلاف الكتب بحرًا من الولايات المتحدة إلى هذين البلدين بحاويات مخصصة تحمل كل منها أزيد من 20 ألف كتاب توضع في علب صغيرة مصانة لتجنب تلف المؤلفات، سيما أن كثيرا منها بالٍ. وتقدر تكلفة النقل بحوالي 7500 دولار للحاوية الواحدة. ولا تقل تكلفة نقل 4 كتب (ذهابا وإيابا) عن 3 دولارات!

أما تمويل المشروع فهو متنوع حيث أمدته مؤسسة العلم القومية (NSF) الأمريكية بـ 3,5 ملايين دولار. وقد خصصت كل من الدول الثلاث 10 ملايين دولار للمشروع. أضف إلى ذلك الكثير من التبرعات أتت من بلدان العالم وارتفعت بعضها إلى مليوني دولار. وقام بإنجاز المشروع أكثر من ألف عامل عبر العالم، علما أن أغلب عمليات الرقمنة تمت في مراكز صينية (رقمنت حوالي مليون كتاب) وهندية (360 ألف كتاب). غير أن ما يحيّرنا في هذا المشروع هو أنه يبدو متوقفا الآن لأن كل الإحصائيات المتوفرة، حتى في الموقع ذاته، ترجع إلى قبل 10 سنوات!

الرقمنة في العالم العربي

تشير الإحصائيات إلى أن عدد الكتب المرقمنة عبر العالم قد قدّر عام 2015 بـ 25 مليون كتاب. وبفضل الثروات البترولية وظهور فئة جديدة من الأثرياء والمحسنين تبنّت بعض الشخصيات والهيئات في العالم العربي فكرة الرقمنة وتمويلها لإحياء التراث العربي سواء تعلق الأمر برقمنة المخطوطات التراثية، أو الكتب المحققة وغير المحققة، أو الوثائق ذات الطابع الإداري، أو المجلات العربية القديمة. ففي موضوع المجلات نجد مثلا مؤسسة "صخر" قد قامت برقمنة حوالي 200 مجلة عربية لحد الساعة تضم أزيد من مليون ونصف مليون صفحة وضعتها مجانا للقراء. كما نجد  موسوعات في الشعر والنثر في كثير من البلاد العربية سيما الخليجية منها.

ومن جهة أخرى، تبنت العديد من المكتبات الوطنية العربية رقمنة المؤلفات والمخطوطات مثل مكتبة قطر الرقمية التي رقمنت ما يقارب مليون وثيقة علما أن العملية لا زالت متواصلة. وهناك أيضا دار الكتب التونسية التي شرعت عام 2006 في رقمنة النادر من الكتب الموجودة لديها، إضافة إلى وثائق ومخطوطات أخرى. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى "المكتبة الرقمية العالمية" التي أنشأتها اليونسكو عام 2009 بالتعاون مع مكتبة الكونغرس الأمريكية، لكنها لا تختص في الكتب دون سواها.

ولا شك في أن أفضل موقع في التراث العربي الرقمي هو موقع الورّاق (الإماراتي) والذي يضع بالمجان بين أيدي القراء أكثر من ألف كتاب عربي مرقمن في شتى العلوم، مع الملاحظة أن هذه الرقمنة مزودة بأدوات تفاعلية تسهّل البحث في تلك المؤلفات. والموقع يزخر بالمعلومات حول التراث العربي ولم يكتفِ بالكتب التراثية وحدها.

وإلى جانب هذا الموقع ظهر مؤخرا موقع جديد باسم "المجموعة العربية على الإنترنت" تبنته عدة جامعات أمريكية وعلى رأسها جامعة نيويورك وجامعة برينستون Princeton الشهيرة، وهذا بالتعاون مع مؤسسات إماراتية وجامعات لبنانية ومصرية. يعمل هذا المشروع على رقمنة الكتب المؤلَّفة باللغة العربية المختلفة التخصصات. بلغ اليوم عدد المؤلفات المرقمنة فيه نحو 8000 كتاب من الكتب القيّمة. والمشروع ماض في إنجازاته لتنفيذ رقمنة 25 ألف كتاب.

وجاء في تقديم المشروع أنه يهدف "إلى رقمنة وحفظ وتوفير الولوج المفتوح لمجموعة واسعة من الكتب العربية في مواضيع الأدب والفلسفة والقانون والدين وغيرها". ويلاحظ : "حاليًا، العديد من المحتويات المهمّة باللغة العربية ليست متوفِّرة على نطاق واسع على الإنترنت". ولذا جاء المشروع ليضمن "الولوج العالمي لمكتبة رقميّة غنيّة بمجموعتها العربية". ويضيف أن "العديد من الكتب العربية القديمة النافذة من الطباعة، وسهلة التفتت، أصبحت نادرة ومُعرّضة لخطر الضياع". وعليه فمن شأن المشروع "حِفظ هذه الكتب رقميًا لأجيال المستقبل". وما يبيّن جدية المشروع أنه يسهر عليه مجلس استشاري من 9 شخصيات وتدير المشروع جامعتَا نيويورك في نيورك وفي أبوظبي.

لذلك كله فإن هذه المبادرات الثقافية والعلمية جديرة بالثناء والدعم المعنوي والمادي لِما ستوفّره للأجيال القادمة من رصيد فكري، ولِما تقدمه اليوم من خدمات للغة العربية لتقاوم الكائدين لها من عُرْب ومن عَجم.
 

الشروق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية