للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

حماية اللغة العربية

د. أحمد عبدالملك

 

وردَ في الصحف القطرية، الأسبوع الماضي، أن مجلس الشورى الموقر قد ناقشَ تقريرَ لجنةِ الشؤون الثقافية والإعلام، حول مشروع قانونٍ بشأن حمايةِ اللغة العربية، وقرَّرَ إحالةَ توصياتهِ بشأنها إلى الحكومة الموقرة. وضمن حيثياتِ التقرير، إلزامُ جميع الجهاتِ الحكومية وغير الحكوميةِ بحماية ودعمِ اللغة العربية في جميع الأنشطة والفعاليات التي تقوم بها.

إن موضوع حماية اللغة العربية أمرٌ واجب، ويستحقُ الدراسة، لأن القضية أصبحت ظاهرة ثقافية، وليست تعليمية أو إعلامية!  وتساهمُ الأسرةُ بدور كبير في تردّي اللغة العربية، عبرَ " الانبهار" بتعليم أبنائِها في مدارسَ أجنبية، ظنًّا منها بان اللغة الإنجليزية تضمن الوظيفة للشاب.  وأعتقد أن هذا توجّهٌ غير سليم، إذ أن إتقان الإنسان للغتهِ الأم أمر واجب، خصوصًا في ظل التعاليم الإسلامية والآيات الكريمة التي تدعو إلى العلم، وتعلّم لغة القرآن.
وبرأينا ، أنه مهما عُقدت ندوات أو اجتماعات، كما حصل خلال الأربعين عامًا الماضية، فإن ظاهرةَ عدمِ استخدام اللغة العربية، وتدّني استيعابِها لدى الناشئة، ما زالت في تفاقُم، ووصل الأمرُ إلى أن طلبة وطالبات المرحلة الجامعية، لا يستطيعون كتابة ثلاثةِ سطور دون أخطاءٍ نحويةٍ أو إملائية، بل إن بعضَهم لا يُدرك معاني بعض الألفاظ العربية، وتلك التي تردُ في القرآن الكريم! فكيف لهذا الإنسان، أن يقرأ القرآن الكريم؟
ولكون قضيةِ إهمال اللغة العربية قضيةٌ ثقافية، كما سبق، فإن هنالك من العوامل التي تُساعد على هذا الإهمال، مما يعني تفاقُمَ المشكلةِ، وصعوبةَ الوصولِ إلى حلول ناجعةٍ لها. وليس بغريب عن أهل الشأن، مدى استيعابِ طلبة الستينيات والسبعينيات للغةِ العربية وآدابِها ونَحوِها وصرفِها!؟ بل ومدى ما يُساهم اتقانُ اللغةِ العربية في ظهور علماء ومتحدثين، وسفراء، وشعراء، وكُتّاب، ومذيعين، وصحافيين..إلخ.  كما لا يغيب عن بال هؤلاء الأسبابُ الحقيقية وراء هذا التدّني في إتقان اللغة العربية، ومنها:
1-    الشعورُ الخادعُ - لدى الأسرة - أن إتقانَ اللغة الإنجليزية  مع عدمِ إتقانِ اللغة العربية - من وسائل نجاحِ الشاب، وقدرتهِ على خدمةِ مجتمعه عبر اللغة الإنجليزية! ولقد أطّرَ هذا الشعور، عمليةُ التقليد والمباهاة، بأنَّ الطالب قد تخرّج من كلية أو مدرسة ثانوية إنجليزية!؟ لأنَّ الأساسَ في الإنسان أن يُقتن لُغتَه الأم، ومن ثمَّ يتعلم اللغات الأخرى.
2-    ضعفُ منهجِ اللغة العربية - في العديد من المدارس الخاصة وتلك المستقلة - وكان الناتجُ متواضعًا، ونلمَسهُ يوميًا في المرحلة الجامعية، ناهيك عن تواضعِ تأهيلِ المُدرِّس لايصال مفاهيمِ اللغة إلى الطالب. بل إن كثيرين من الأساتذة  " نفّروا" الطلبةَ من اللغة العربية، عبر الوعيد والتهديد، وعدمِ اللجوء إلى التبسيط، أو الإتيان بالأمثلة القابلة للاستيعاب من قِبل الطلبة.  فنحن عندما تخرَّجنا من الثانوية، كنا نعرف إعرابَ ( كانَ وأخواتها، وإن وأخواتها، والممنوع من الصرف، والمجزوم بـ (لم)، والحال، وجمع المذكر السالم ، وجمع المؤنث السالم، والمثنى والمؤنث.. إلخ – وبعضنا نتاجُ جامعاتٍ أمريكية وبريطانية في الدراسات العليا، لكننا لم نتعلق ذاك التعلق باللغة الإنجليزية رغم إتقاننا لها) ، ولكن نتاج الثانوية - في هذا العصر – بعيد جدًا عن هذه المعرفة.

3- شدّةُ تعلقِ الجيل الحالي بوسائل التواصل الاجتماعي، بكل ما فيها من تهميشٍ وتبسيطٍ وتجاوزٍ لأهمِ قواعدِ اللغة العربية.   بل إن القاموس - عبر الإنترنت - ليس دقيقًا، ولعلنا نلاحظ ذلك في إعلانات إرشادات الشوارع الصفراء ! ومن أطرف ما قرأته : ( لا كَتف ) حيث تُرجِمت من الكمبيوتر  كلمة               (No Shoulder) التي تعني عدم الوقوف على اليمين في الطريق السريع، ترجمة حرفية! ولكُم تصوّر كمِّ الكلمات التي تدخل عقلَ الطالب من ترجمة الإنترنت.  كما أن هذه الوسائل تُحجّمُ قدرةَ الشاب على التخيّل وتَحدُّ من رحابةِ ومدى استخدامه للخيال، ما يُمكن أن يساهمَ في الابتكار والقدرةِ على الإتيان بالجديد في التخصصات المختلفة. وإذا ما علمنا أن 90 % من المواد المُخزّنة في شبكة الإنترنت هي باللغة الإنجليزية، وحظّ العربية من ذلك ضئيل جدًا، فإن هذه النسبة تزيدُ في " اغتراب" الإنسان العربي، كونه لا يجد تاريخه، ثقافته، فنونه، تراثه في هذه الوسائل.
4 -    إن المواد الإعلامية : الأفلام، البرامج، الألعاب، الألغاز، مواد الترفيه،75 % منها باللغة الإنجليزية، ولم تقم مؤسسةٌ عربيةٌ بوضع برامجَ تُنافسُ هذه المواد. إضافة إلى ذلك، فإن تواضعَ الإنتاج التلفزيوني والسينمائي العربي وتقليديتَه، حتى في القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال أو الشباب، يجعل المشاهدين المُستَهدفين ينفرون من هذه القنوات، إلى تلك الأجنبية – التي يستوعبون ما تبثه لهم – وهو ما يُشكل هدرًا ماليًا ضخمًا للدول التي تصرفُ على تلك الفضائيات.  ولقد قمتُ بتجربةٍ عمليةٍ (على حفيدي) حيث نقلتُ البثَ الذي كان يُشاهدهُ على محطةٍ أجنبية، إلى محطةٍ عربية، وخلال أقلِ من نصف دقيقة، نهض من أمام التلفزيون وانشغلَ بشيء آخر، بل عندما غادرتُ المكان، عاد إلى المحطة الأجنبية! وهنا نضع المسؤولية أمام القائمين على الفضائيات العربية الخاصة بالأطفال، حيث لابد وأن يكون هنالك تقييمٌ موضوعي لاستمرار مثل هذه الفضائيات بالشكل الحالي! وأيضًا لا نُبرّئُ ساحةَ الأسرة من تفاقُم هذه المشكلة، إضافة إلى مشكلة تعلّق الطفل بـ (الآيباد)، ونوعيةِ البرامج التي يشاهدُها عبر هذه الوسيلة! لا توجد أغنيةٌ وطنية أو إنسانيةٌ عربية، أو مشهدٌ للتراحم أو العون، ولا مسلسلٌ عن الأمة العربية والإسلامية!. 
5 -    نحن نعلم أن مجلس الوزراء الموقر قد صادقَ على مشروع حماية اللغة العربية عام 2016، وذلك لأهمية الحفاظ على اللغة العربية وضرورة نمّوها وعدم تشهويهِها ، في ظل المُتغيرات الثقافية والتاريخية والجغرافية. وشدَّد مشروعُ القانون على " إلزام الوزارات والمؤسسات الرسمية، والمؤسسات التعليمية الرسمية في جميع مراحل التعليم والبلديات، باستخدام اللغة العربية في جميع ما يصدر عنها من أنظمة وتعليمات ووثائق وعقود ومعاملات ومراسلات وتسميات وبرامج ومنشورات وإعلانات، كما تلتزم الجامعات القطرية ومؤسسات التعليم العالي التي تشرف عليه الحكومة بالتدريس باللغة العربية في جميع العلوم والمعارف".   وكان مجلس أمناء المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية قد أعدّ مشروع (حماية اللغة العربية في دولة قطر، واستراتيجية المنظمة للسنوات الخمس – 2015 - 2019) .
إننا نعتقد أن إيجاد الوسائل العملية لتفعيل المشاريع والقوانين هي البداية الأصوب نحو تحقيقِ أهدافِ أي مشروع في هذا الاتجاه! وقد نختلف مع بعض الباحثين العرب الذين يرون أن تنظيمَ المؤتمرات والندوات التي تبحث أزمة اللغة العربية، هي الأسلوب الأمثل لإنجاح مثل تلك المشاريع، بل - نرى - أن تعاونَ جميع أجهزة الدولة في التطبيق الحرفي لأي قانون يَحمي اللغة العربية هو الأسلوب الأمثل لإنجاح مثل هذه المشاريع. ونظرًا لواقع الحالِ في المرحلة الجامعية - هذه الأيام – فإننا نقترح زيادة جُرعةِ مادة اللغة العربية في كلِّ التخصصات، وبأسلوب شيّق ومثير وغير تقليدي، كأن يتضمن المساق: الأغنية العربية ، المسلسل العربي، تطبيقات عملية من الإنترنت، مناظرات صفيّة.. إلخ.
كما أن التعلّق بـ (الحنين) لحُبِّ اللغة العربية ، وإدخالَ العاطفة في مدى قوة هذه اللغة، وأن "لديها من عوامل الصمود والتحدي، ما يجعلها قادرة على فرضِ نفسها بين لغات العالم"، فإن ذلك لا يخرجُ عن دائرة "الحلم" ، ما لم يتم اتخاذ اجراءات عملية وصارمة، ومن جميع البلدان العربية، من أجل فرض اللغة العربية الفصحى في التعليم والتربية والإعلام. حيث إننا نعلم أن كلَّ البلدان العربية تتحدثُ لهجات محلية، وأن هنالك أكثرَ من سبعةِ بلدان عربية لا يتحدث أهلُها اللغة العربية، بل الفرنسية أو الإنجليزية! أضف لذلك، لغة الحكومة ولغة التعليم ولغة الإعلام!  كما أن الدولَ الباقية - التي تتم المراسلاتُ فيها باللغة العربية – لا يتحدث أهلها إلا لهجاتٍ محلية، وأضف إلى ذلك، لغة التعليم والإعلام (خصوصًا برامج الإذاعة والتلفزيون والمسلسلات الدرامية والمسرحيات) والتي بدأت " تنحدر" نحو اللهجات المتعددة! فأين الطريق، نحو تطبيق عمليِّ لكل توصيات الندوات والمنظمات التي تُعنى بحماية اللغة العربية!؟
إن القضية تتعلق بالعقلية العربية، خصوصًا داخل الأسرة، حول تأكيدِ استخدام اللغة العربية، كما أن " تَحبيبَ" الطالبِ في اللغة العربية - في المرحلة الإعدادية والثانوية - قد لا يُحقق المُراد، ما لم يتعلم الطالبُ لغته العربية داخلَ المنزل، وأن يتم تَقليلُ الاعتماد على (المُربية)، وكذلك تحصينَ الطفل ضدَ المواد الإعلامية الأجنبية.  ثم نأتي إلى الإعلام، وهو مؤثر وخطير، خصوصًا في ظل منافسةِ الإنترنت، التي لا تُلقي بالًا للغةِ العربية، حيثُ ان موادَ هذا الإعلام وبرامجَه يجب أن تدعمَ المشاريع والقراراتِ الخاصة بالنهوض باللغة العربية ! لا أن تتحولَ بعضُ نشرات الأخبار - في بعض البلدان العربية - إلى نشراتٍ باللهجة المحلية، والخاصة بفئة من فئات المجتمع لا كل المجتمع! وهو أمرٌ مؤسف، ولا ينمّ عن تطوّر أو تطوير في برامج التلفزيون. وما يُلفت النظر، أن بعضَ المؤسسات الإعلامية قد قامت بتحويل بثِ البرامج من اللغة العربية الفصحى إلى العامية، لأن مذيعي هذه المؤسسات لا يتقنون اللغةَ العربية الفصحى، وهذا مؤشر خطير، ويتعارضُ مع أية خطة أو مشروع أو قرار للنهوض باللغة العربية.
نقول إن موضوعَ اللغة العربية موضوعٌ شائك، ولن تحّلهُ تلك الندوات أو المؤتمرات، مهما تعدّدت،  لكن تحلّه القوانينُ المُلزمة، وأن تكون هنالك جهةٌ يُناط بها متابعةُ تطبيق الخطط أو المشاريع الهادفة إلى حماية اللغة العربية. وأن تتخطى هذه الجهة المجاملة أو التستر،  وتُعلن رأيَها بكلِّ شفافية لأصحاب القرار، وتقدّم المخالفينَ لتلك الخطط والمشاريع إلى المساءَلةِ القانونية.
 

الشرق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية