للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

سمير درويش يقرأ واقع اللغة العربية في المنتدى العربي الصيني

سمية أحمد

 

تحت عنوان "قراءة محايدة لواقع اللغة العربية وتراثها وأثرهما في الإبداع الأدبي والثقافي"، جاءت كلمة الكاتب الكبير سمير درويش في المنتدى الأدبي العربي الصيني، وجاء فيها:

ما معنى "التراث" العربي؟
بالرغم من أن كلمة "التراث" تشير بشكل عام إلى الكتب والمعارف التي انتقلت إلينا من الحضارات القديمة، وما تركته من معارف وثقافات، وما صبغت به الحياة الحاضرة من مدارك وأفعال، إلا أنها تظل مراوغة غير محددة المعالم، وغير ممكن الإمساك بها وتعريفها تعريفًا علميًّا دقيقًا، لأن ما يعتبره البعض تراثًا قد لا يجده آخرون كذلك، وما يعتقد أناس في تأثيره الممتد ليس كذلك عند غيرهم، والأهم أن ما تعتقد جماعة من الناس أنه حسن قد تراه جماعات أخرى سيئًا، كما أنه حين نتحدث عن "التراث" العربي، يقفز إلى مخيلتنا التراث الديني بشكل أساسي، الذي هو مجموع ما وصلنا من كتب التفسير والأحاديث والسير الدينية: سيرة النبي وسير الصحابة وتابعيهم، وكتب المغازي والتاريخ.. إلخ، تلك التي همَّشت ما دونها من الحضارات القديمة في البلدان التي امتد إليها الإسلام من الجزيرة العربية مثل مصر وبلاد المغرب العربي والعراق والشام.
وعلى الرغم من أن تلك الحضارات القديمة، التي سبقت المد الإسلامي، لا تزال ماثلة في الحيوات اليومية لشعوب البلدان التي أشرتُ إليها، وغيرها، وتظهر في طقوس الفرح والحزن والموت والدفن والطعام والشراب والملبس، وحتى في ممارسة الطقوس الدينية ذاتها، وذلك باعتراف المشتغلين بالشأن الديني أنفسهم، فإن هناك غلبة –شكلانية على الأقل- لكل ما هو عربي وديني، ذلك أنه في الإسلام يتم إدانة الذين يجهرون بنقده، وهذا يجعل الناقدين -وأدبيات النقد نفسها- يسيرون في مسارات خفية لا تصل إلى الجمهور العام. هذا التأثير الظاهر للتراث واللغة العربيين آخذ في الانحسار في السنوات الأخيرة في أكثر من موضع، بفعل مجموعة من العوامل سأذكرها لاحقًا، لكن ما يهمني تأكيده هنا هو أن الخطاب الديني الشارح للنصوص الأساسية، والذي وصلنا طرف منه في الكتب التي ذكرتها، تسبب في الخلط بين تفاصيل ممارسة الحياة اليومية والطقوس الدينية نفسها، بحيث يمارس المسلم عبادته وهو يعمل ويأكل ويلهو، ويفعل كل تلك الأشياء وهو يؤدي فروضه الدينية، وهو ما ساهم في تضييق مفهوم "التراث" كثيرًا.
هذا الخلط الكبير الذي تسبب فيه الفقهاء والمشتغلون بالدين، بين ما هو يومي معاش واستهلاكي، وما هو ديني روحاني، بين العبادات والمعاملات، كان موجودًا –ربما بشكل أكبر وأعمق- في أوروبا قبل خمسمائة عام، حيث كانت الكنيسة تتدخل في حياة الناس وفي أدق تفاصيل حياتهم، لدرجة أنها كانت تبيع لهم "صكوك الغفران"، باعتبار أنها تمتلك الدين وتتحدث باسم الله وتتصرف نيابة عنه، كما يفعل شيوخ السلفية الإسلاميين الآن الذين يحرِّمون ويحلِّلون وفقًا لمفهومهم للدين لا وفقًا للنصوص ذاتها، لكن أوروبا استطاعت أن تتخلص من هيمنة الكنيسة وفق نقاط مارتن لوثر التي أطلقها عام 1517، وهو ما ساهم في خروجها من ظلام الأفكار الدينية المتشددة التي ترى الناس مجرد كائنات دينية، وانطلقت حضارتها بخطوات واسعة وكبيرة، والتي ساهمت في تغيير شكل الحياة على الأرض عدة مرات، حتى وصلنا إلى هذا التسابق الكبير نحو التقدم والتكنولوجيا والرفاهية والاختراعات الكبرى، التي ضيَّقت العالم وجعلته قرية كونية صغيرة، يتأثر أي جزء منها بما يحدث على الجانب الآخر، وتنتقل فيه المعلومة من أقصى الأرض إلى أقصاها في جزء من الثانية، بل وامتدت يد الإنسان الحديث إلى خارج الكون، يختبر إمكانية العيش على الكواكب الأخرى.
كلمة "التراث" –إذن- في المفهوم العربي تحمل أكثر من معنى، وتشير إلى أكثر من مفهوم، فهناك التراث الديني العربي، أو –بمعنى أدق- ما وصلنا منه، حيث اندثرت الكثير من الآثار القديمة، سواء بفعل الزمن وتأخر الطباعة، أو بفعل فاعل، فالمعروف أن العرب كانوا يعدمون ما لا يعجب فئة ما حاكمة في زمن ما، حتى أننا لا نعرف كتابًا عربيًّا قبل القرآن الكريم، كما لم يصلنا مصحف قبل عبد الملك بن مروان، إضافة إلى تجريم وإعدام وحرق كتب بعض الكُتَّاب والمفسرين والمفكرين والمتصوفة العرب في أزمان مختلفة، إضافة إلى أنهم لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة وقت نزول الرسالة، وهو الوقت الأهم في التاريخ الإسلامي كله، فانتقل التراث لنا عبر وسطاء وبعد انقضاء قرنين كاملين. وهناك التراث الذي يخص الحضارات القديمة الذي أُهْمِل معظمه ولم يعد معروفًا لأصحاب هذه الحضارات أنفسهم، مثل الفرعونية والبابلية والفينيقية والآشورية والكنعانية وحضارة سبأ، وغيرها، لدرجة أن من عرَّف المصريين والعالم على اللغة الهيروغليفية القديمة، وعلى الكتابات المنحوتة على جدران المعابد الفرعونية، هم الفرنسيون، وقبل حوالي قرن وربع القرن فقط، وهو ما فتح آفاقًا كبرى كانت مغلقة، وهو ما أكد لنا أن كثيرًا من الألفاظ التي نستخدمها في مصر اليوم، باعتبارها تحويرًا لأصل عربي، أو –حتى- باعتبار أنها بلا معنى، اتضح أنها كلمات فرعونية قديمة تتخلل لغتنا دون أن نعرف!
هناك –أيضًا- تراث بيئي، مرتبط بالخصوصية المصرية كأقدم تجمع سكاني معروف في التاريخ المعلوم، حيث تشكلت حياة حول مجرى النيل لآلاف السنوات، وهي حياة تختلف تمامًا عما نردده من أشعار عربية قديمة لشعراء بدو، عاشوا في خيام متنقلة حول عيون الأمطار، وقامت أمامهم حروب صغيرة وكبيرة حول الكلأ الذي ترعى فيه الأغنام والماشية، وهنا يفعل التراث فعله في ازدواجية التكوين الثقافي لدى "عرب مصر" على سبيل المثال، ففي حين أنهم أبناء حضارة قديمة راسخة حول مجرى النيل، فإنهم يحبُّون على طريقة الشاعر العربي القديم الذي كان يذهب ليطوف حول خيمةٍ فيها حبيبته، فلا يجد الخيمة ولا حبيبته، فيبكي على الأطلال.
 

البوابة نيوز

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية