للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

قراءة في نظرية الفن المتجدد

أ.د. محمد عبد الله سليمان

 

رحل في الأيام القليلة الماضية، بتاريخ 21أكتوبر 2018 م، البروفيسور عز الدين الأمين، الناقد والأكاديمي المتميز عن عمر ناهز 98 عاما، وقد ولد في قرية كترانج - بمحافظة شرق النيل،بتاريخ 10/5/ 1920م، تلقى تعليمه الأولي والأوسط في مدني، ثم الأبيض، حيث كان والده مدرسا يتجول في أقاليم السودان المختلفة،ثم درس في كلية غردون، كما نال الليسانس والماجستير من جامعة القاهرة، وعاد إلى السودان ليعمل في مدرسة وادي سيدنا، ثم حنتوب الثانوية، ثم أنتدب للعمل بجامعة الخرطوم، وظل بها بقية حياته بعد أن حصل على الأستاذ الممتاز.

أما كتابه " نظرية الفن المتجدد وتطبيقها على الشعر"، فقد جاء في إطار التفاعل مع القصيدة العربية الجديدة التي ظهرت في نهاية الأربعينيات، فاحتدم الجدال والنقاش حولها بين أنصار القديم والتعصب له، وأنصار الجديد للقصيدة العربية، فولد هذا الكتاب والصراع في أوجِهِ في بداية الستينيات فكانت طبعته الأولى 1964م.
يعد هذا الكتاب من المؤلفات التنظيرية القيمة التي يحاور فيها غيرة من النقاد الآخرين في آرائهم وأفكارهم حول التجربة الشعرية الجديدة، والتنظير لها آنذاك.
ولعل أبرز ما طرحه عزالدين الأمين في نظريته القول بتجديد الفن الشعري دون الخروج على أصوله الفنية، يقول في كتابه" وأما الأساس الثاني للفن فهو التجديد المطرد، فإننا نقول إنه لابد منه على أن يكون ذلك داخل إطار أصول الفن الرئيسية، وتطوير الفن وتقدمه أمر لا نعتقد أنه يخالفنا فيه الحريصون على حياة أي فن من الفنون، وأنه لا يخالفنا فيه الحريصون على أن تؤدي الفنون رسالتها في الحياة ثم إن سنة التطور لتفرض علينا التجديد فرضا" نظرية الفن، ص40.
وقد استخدم عز الدين الأمين في نظريته بعض المصطلحات النقدية الدقيقة، منذ عتبة العنوان حيث استخدم مصطلح "متجدد" بدلا من " حديث" فهو الأفضل في تقديرنا من مصطلح الحديث؛ لأن الحديث مصطلح هلامي لايمكن الإمساك به، وفيه كثير من الضبابية، فما يكون اليوم حديثا يصبح بعد سنوات قديما، وقد تناولت ذلك في كتابي " مشكل مصطلحي الحديث والمعاصر في الأدب العربي" بصورة مفصلة.
كما أن الناقد عز الدين الأمين هو أول من صك مصطلح "شعر التفعيلة" في كتابه نظرية الفن المتجدد بدلا من التسميات الأخرى "الشعر الحر"أو" الشعر المرسل"... وأعتقد أن هذا المصطلح من أدق المصطلحات التي يمكن أن تطلق على هذا النوع من  الشعر الذي أصبح بعد مرور أكثر من سبعين عاما تجربة راسخة كتبها كبار الشعراء، وأثبتت وجودها لدى متلقي الشعر العربي المعاصر، فتفاعل معها الجمهور والنقاد معا، يقول " إن كان لابد لنا أن نشارك في اقتراح اسم ملائم ، فإننا نقترح أن يسمى هذا الشعر "شعر التفعيلة" وبذا نتخذ له تعريفا يستقل به، ولايلتبس مع غيره أو يناقضه، كما أنه يحقق في نفس الوقت، مذهب أصحابه؛ ذلك لأن هذه التسمية أخذناها من أبرز خاصية له، بل هي الخاصية التي انبنت عليها التفرقة الأساسية بين هذا النوع من الشعر، وبين الشعر العمودي في كل أطواره إلى يومنا هذا" نظرية الفن المتجدد، ص 83.
تقول الدكتورة نازك الملائكة وهي المنظرة الأولى لهذه التجربة الشعرية الجديدة " الشعر الحر ظاهرة عروضية قبل كل شيء ذلك أنه يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة ويتعلق بعدد التفعيلات في الشطر، ويعنى بترتيب الأسطر والقوافي، وأسلوب استعمال التدوير والزحاف والوتد وغير ذلك ممن هو قضايا عروضية بحتة " قضايا الشعر المعاصر، ص69.
وهذا النص لنازك الملائكة يؤكد على دقة مصطلح "شعر التفعيلة" الذي يعد أكثر دقة من مصطلح "الشعر الحر" بحسب واقع التجربة الشعرية الجديدة، بكل سماتها وخصائصها الفنية.
كما تحدث الناقد عزالدين الأمين في كتابه عن "الالتزام الحر" حيث يقول، " ينبغي أن نرفض تحديد التجديد، وأن نرفض الالتزام في الأدب، وأن نرفض قيام الأدب على المذاهب الأدبية إلا إذا قام الأديب بشيء من ذلك بمحض إرادته، وبدافع من نفسه، وبإيمان منه برسالة خاصة في الحياة، وهذا ما أسميناه بـ "الالتزام الحر"، نظرية الفن ص 76.
فهو يدافع عن حرية الأديب، ولا يلزمه بمذهب معين،أو طريقة محددة، بل يدعه يكتب بمطلق الحرية ما تمليه عليه نفسه، فللشاعر أن يجدد كما يشاء ولكن دون الخروج الذي يخل بأصول الفن الشعري.
نلحظ في نظرية عزالدين الأمين في الفن المتجدد موقفه المتوازن بين النازعين نحو القديم والتعصب له ورفض كل تجربة شعرية جديدة، والمتعصبين للجديد ومحاربة القديم، وهذا الموقف عند عزالدين الأمين ليس موقفا اعتباطيا،أو لإرضاء جميع الأطراف، وإنما هو مبني على موقف علمي صارم وأصيل، مؤيد بالحجج والأدلة والبراهين العلمية الدقيقة، والنظرات الثاقبة، والإدراك التام لأبعاد ما يدعو إليه.
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية