للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

محنة اللغة العربية

د. أحمد يوسف أحمد

 

كان المفترض أن تُنشر هذه المقالة فى العاشر من يناير الماضى عقب المقالة التى كتبتها بعنوان منارة التنوير عن مؤتمر المثقفين السنوى الذى عقدته مكتبة الاسكندرية فى 25ــ 26 ديسمبر الماضى غير أن تداعى أحداث سياسية عديدة فرض موضوعات أخرى لشهرٍ كامل، وكان المؤتمر قد عقد جلسة عامة فى يومه الأول ثم تفرع إلى ثلاث لجان فى يومه الثانى تناولت واحدة منها محنة اللغة العربية، وقد فضلت المشاركة فى هذه اللجنة ليس باعتبارى متخصصاً فى اللغة بطبيعة الحال وإنما كإنسان نشأ فى بيئة أُسَرية تحترم اللغة العربية وتجلها ثم قُدر له أن يعمل فى مجال التعليم الجامعى فتابع عبر العقود تدهور مستوى الطلاب فى لغتهم الأم حديثاً وكتابة إلى حد لم يعد ممكناً السكوت عليه وإلا كان معنى هذا التفريط فى واحد من أهم إن لم يكن أهم ما يربطنا مصريين وعرباً فضلاً عن أن مواكبة اللغة العربية لمقتضيات الحضارة الحديثة متطلب مهم للتقدم طالما أنه مهما انتشرت اللغات الأجنبية بيننا فإن وسيلة اكتساب العلوم والمعارف والعبور إلى التقدم بالنسبة للأغلبية هى اللغة العربية، وقد حضر أعمال اللجنة نفر من أساتذة اللغة والأدب الأجلاء والمهتمين بها مثلى ودارت نقاشات جد مفيدة.

وقد طرحت وجهة نظرى فى المحنة وبدأت بما أتصور أنه أسبابها فبدأت, دون أن يعنى هذا ترتيباً للأهمية النسبية لعوامل تدهور اللغة العربية, هجمة اللهجات العامية، وقد تفضل الأستاذ الجليل صلاح فضل ومعه الدكتور حسين حمودة بوضع هذه المسألة فى سياقها الصحيح بتوضيح أن الفصحى كانت دائماً لغة الثقافة والدين وليست لغة الحياة اليومية التى كانت على الدوام اللغة العامية، غير أنى أضفت أن سيادة اللهجات العامية يعوق التواصل بالتأكيد بين أبناء الوطن العربى وأحياناً داخل القطر العربى نفسه، ثم تحدثت بعد ذلك عن الميراث الاستعمارى كسبب أصيل فى محنة اللغة العربية عندما تنتشر لغة المستعمر السابق لا فى أوساط النخبة كما هو الحال فى مصر أو لبنان وإنما فى صفوف المواطنين العاديين والدوائر المسئولة كما هو الحال فى بعض بلدان المغرب العربى، وبعد ذلك تأتى مسئولية التعليم عن محنة اللغة العربية سواء لضعف مستوى تدريسها أو لانتشار التعليم باللغات الأجنبية على نحو غير مسبوق، وهنا لابد من تأكيد أن تَعَلم اللغات الأجنبية ضرورة معرفية عكس حلولها محل اللغة الأم بحجة أنها غير قادرة على مواكبة متطلبات العصر، وهو حكم غير صحيح فى ضوء التجارب الناجحة لتدريس العلوم باللغة العربية كما هو الحال فى التجربة السورية على سبيل المثال، كذلك فإن انتشار العمالة الأجنبية فى البلدان العربية وبالذات فى الخليج العربى كانت له نتائجه السلبية دون شك على اللغة العربية وبالذات من منظور اضطلاع الأجنبيات بدور واضح فى تربية الأطفال وقيام الأجانب بدور مهم فى الحركة التجارية وغيرها، وأخيراً وليس آخراً لعبت لغة التكنولوجيا الحديثة دوراً فى إحلال كلمات هجينة محل كلمات عربية كما فى كلمة يُدَلت بمعنى يحذف من كلمة delete الإنجليزية وهكذا.

وقد استعرضت بعد ذلك مظاهر التردى فى لغتنا الجميلة بادئاً بطلاب الجامعات الذين لم تعد أخطاؤهم تقتصر على ما كان شائعاً مثل كتابة لكن بالألف (لاكن) ومثلها كلمة هذا (هاذا) وإنما امتدت إلى ما هو أخطر وهو أن الأخطاء باتت تدل على أن معارف بعض الطلاب أصبحت سمعية بمعنى أنهم لا يقرأون فعندما يكتب طالب فى ورقة الامتحان كلمة الضغط هكذا: الطخت يكون التفسير الوحيد لهذا الخطأ أنه لم ير الكلمة فى حياته وإنما سمعها، والمعنى نفسه يتبادر إلى الذهن عندما يضيف آخر ألفاً إلى أوسلو كما فى الأفعال الماضية للجماعة (أوسلوا)، والمشكلة أن الظاهرة عامة، ويسهل على أى متابع أن يجد نماذج صارخة فى وسائل الإعلام وبالذات المكتوبة والمرئية، وقد سجلت عدداً لا يُحصى من الأخطاء الفاضحة فى صحف كبرى مثل الحديث عن طبيب كرث حياته لمرضاه أو ممثلة تقوم بدور درة فى مسلسل أو أن موجات الأسير خطفت نجماً سينمائياً أو أن مسئولاً يتابع عن كَسَب حادثاً مهماً أو أن عملية عسكرية أسفرت عن أثر جنديين وهكذا، وليت الأمر اقتصر على وسائل الإعلام ولكنه امتد إلى فئات يُفترض أنها حامية للغة كرجال دين أو قانون، وهناك فوضى الإعلانات واللافتات التى تستخدم اللغات الأجنبية بكثافة فإن استخدمت العربية وقعت أحياناً فى أخطاء فادحة كما فى عنوان الفيلم الشهير «جائنا» البيان التالى الذى ظل فى الشوارع ووسائل الإعلام أسابيع دون أن ينتبه أحد إلى الخطأ المُخزى فيه.

ويرى أساتذة أجلاء أن اللغة العربية محفوظة بالقرآن وهذا صحيح وأنها متطورة وتُعد أكثر اللغات مرونة واكتمالاً، كما يرى البعض أنه طالما لا تؤدى الأخطاء اللغوية إلى سوء فى الفهم فلا مشكلة، فمن يضمن هذا؟ لكن هذا كله لا يحجب وجود المحنة فما العمل؟ قيل إن اللغة مرآة لحال من يتكلمون بها ولذلك فسوف تتقدم عندما يتقدمون، وقد يكون هذا صحيحاً جزئياً ولكن ماذا لو أن التقدم قد حدث بلغة غير اللغة العربية؟ ولا شك أن نهضة التعليم سوف تُحدث فارقاً ولكن شريطة الاعتزاز باللغة كدالة فى الهوية، ولا شك أيضاً أن الحرص على تدقيق اللغة فى وسائل الإعلام مهم وكذلك اشتراط إجادة اللغة العربية فى العاملين بها،، كما أن الثقافة والفن لهما دون شك دور بالغ التأثير على أطفالنا لو أُحسِن توظيفهما، وقد لاحظت أن ابنتى وابنى ومن بعدهما أحفادى قد أجادوا الفصحى من خلال أفلام الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال الجاذبة المدبلجة بالفصحى، والله أعلم.
 

 

الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية