|
|
مشروع اللغة العربية
د. محمد مصطفى مسعد
صرنا نرى اللغة الإنجليزية تحتل جميع إعلانات الطرق والكبارى والمتاجر العامة وحتى بالتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى، وتأتى دعوات البعض لإحلال اللغات الأجنبية محل اللغة العربية فى تقنيات التواصل المعاصرة، والتدريس الجامعي، واعتماد تعليم اللغات الأجنبية منذ الصفوف الأولى فى مدارسنا على حساب اللغة العربية، تحت ذريعة الدعاوى المضادة الزائفة بأنها لغة صعبة، ومعقدة وغير سهلة التعلم، وبالتالى فإنها لا تتماشى مع مقتضيات العصر، مما يصرف الناس عن تعلمها، والتحدث بها، والخضوع إلى استخدام لغة بديلة، ولا بد من الإشارة إلى أن دعوة البعض للتوسع فى استخدام اللهجة العامية فى التداول، وخاصة فى الخطاب الإعلامي، ونشرات الأخبار، هو عامل ذاتى آخر يضاف إلى عوامل مسخ اللغة العربية.
إنها بالقطع حالة كارثية لما وصل إليه واقع حال تعاملنا مع لغتنا العربية، إلى أن أصبح كل واحد ينطق كلمة “عربية” و”اثنتين إنجليزيتين”، ويعكس ذلك خطورة تحديات العامل الذاتى من عوامل طمس اللغة العربية، والتى منها أيضا، ترك تربية الأطفال للمربيات الأجنبيات، الأمر الذى يعمق حجم التأثير السلبى لطمس اللغة وفرنجتها، (فصرنا نتحدث الإنجليزية بفضل الخادمات الآسيويات اللاتى تحويهن منازلنا)، حتى بتنا نسمع البعض (يتباهى بأنهم تركوا حفيدهم للخادمة، لا يتحدث إلا معها لكى يأخذ منها اللغة، ونسوا أن تعليم الطفل اللغة العربية فى بداية التكوين من أهم مقومات جهاز النطق وبلورة الذاكرة).
على أن شيوع ظاهرة استعمال الأحرف اللاتينية بدل الأحرف العربية فى الكتابة، يشكل تحديا ذاتيا خطيرا فى مجال مسخ اللغة العربية،حيث يلاحظ أن هذه اللغة المصطنعة انتشرت بسرعة هائلة، وعلى نطاق واسع، بين الشباب العربي، حيث باتوا يستخدمونها للدردشة فى مواقع التواصل الاجتماعى على الشبكة العنكبوتية، والرسائل القصيرة عبر الهواتف النقالة، دون التفات إلى مخاطرها فى تشويه فصاحة العربية، وتداعيات إقصائها عن الاستخدام شيئا فشيئا.
لقد رسخ الإسلام خصوصية اللغة العربية، باعتبارها وعاء التنزيل، ولغة الوحي، فى قوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، فامتلكت بذلك نوعا من الرمزية العالية، تحصنها من المسخ، وتحميها من التشويه، مادامت قد وجدت من أبنائها حرصا صادقا، على رعايتها، والاعتزاز بها، وفى ضوء هذه التحديات، فان الامر يتطلب الانتباه إلى مخاطر تداعيات تنحية اللغة العربية عن الاستخدام فى تلك المجالات، وما تعكسه هذه الحال من ضرر فادح على مستقبله، ولا بد من التحرك على عجل، ضمن خطة عربية مركزية مدروسة، لبلورة مشروع قومى للنهوض باللغة العربية وأساسياتها .
الأهرام
|
|
|
|
|