للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لماذ يصعب علينا (الإندونيسيين) إجادة اللغة العربية؟

د. نصر الدين إدريس جوهر·

ساد الانطباع في مجتمعنا الإندونيسي أن اللغة العربية لغة صعبة ومعقدة  وأن إجادتها في غاية الصعوبة. ويتولد من ذلك إيحاء أن تعلم اللغة العربية عملية لا يمر بها طالب إلا بشق الأنفس وأنها تنتهي في أغلب الأحيان بنتيجة غير مرضية بحيث أجدنا اللغة العربية إجادة متدنية المستوى رغم أننا أمضينا لتعلمها مدة زمنية تكفي لإجادة اللغات الأجنبية الأخرى مثل الإنجليزية.  وذاك الإيحاء قد اتخذه من لا اهتمام لهم بهذه اللغة مبررا ليبقوا مبتعدين عنها ومستغنيين عن تعلمها وتعليمها، كما اتخذه المهتمون بها بل المتخصصون فيها مبررا لفشلهم أو لعدم سيطرتهم عليها بصورة مرضية.

والسؤال المطروح هنا ما الذي يقف وراء هذا الانطباع وذاك الإيحاء حقيقة؟ هل اللغة العربية بطبيعتها معقدة وبالتالي صعبة؟ أم ثمة عوامل معينة تجعلها تبدو صعبة أمامنا؟ يسعي هذا المقال المبسط إلى الإجابة عن هذه الأسئلة مستعرضا الأسباب النفسية واللغوية والتربوية والسياسية.  

    ·     أولا: أسباب نفسية

إن عملية تعلم اللغة العربية –شأن أي عملية تعلمية- هي في الحقيقة عملية نفسية إذ ترتبط ارتباطا وثيقا بالجوانب النفسية لدى كل من المعلم والمتعلم. ولعل أهم هذه الجوانب وأكثرها تأثيرا على نجاح عملية إجادة اللغة هي الدافعية. والدافعية –على حد ما اعتقده علماء علم النفس التربوي- تؤثر بشكل مباشر على عملية التعلم، فكلما كانت قوية ترتفع نسبة نجاح التعلم والعكس صحيح. ومن الملاحظ –والذي يصعب إنكاره- أن متعلمي اللغة العربية من الإندونيسيين كانوا في الأغلب على حالة انعدام الدافعية. مما يعني أنهم عندما يتعلمون اللغة العربية لا تحركهم أي دافعية فانعدمت في نفوسهم روح التعلم وقوة التحمل. فلا يدعو للاستغراب إذا تدنت نسبة نجاحهم في إجادة اللغة العربية.

وانعدام الدافعية أو ضعفها لدى متعلمي اللغة العربية من الإندونيسيين أمر لا يأتي من فراغ إنما هو نابع من عدة عوامل لعل أهمها كون اللغة العربية -بوصفها مادة أو تخصص- التي لا ترتبط إلا بمئآرب دينية. فلما أصبحت التربية المعاصرة في نظر المجتمع استثمارا مقابل الأعمال أصبحت اللغة العربية التي لا علاقة لها بشكل مباشر بعالم الأعمال استثمارا لن يعد وتجارة لن تربح.

وقد تكون لدى متعلمي اللغة العربية دافعية تحركهم، إلا أنها لا تربو على دافعة نفعية أو دافعة آلية (instrumental motivation)  وهي دافعية لتعلم اللغة العربية لأهداف قصيرة المدى. كأن يتعلم الطالب اللغة العربية لكي يمر بمادة معينة، أو شرطا للتخرج، أو تمهيدا للدراسة، أو مادة علاجية، أو غيرها من الدافعيات النفعية. القصيرة المدى   

        وجانب آخر من الجوانب النفسية التي تؤثر على عملية تعليم اللغة العربية لدى الإندونيسيين هو الاتجاهات. ومن الملاحظ أن معظم الإندونيسيين ينظرون إلى اللغة العربية بأنها لغة لا يحتاجون إليها للفوز على الحياة في عصر العولمة. هم يزعمون أن مفتاح باب العولمة هي الإنجليزية وليست العربية فيفضلونها رغم تمام معرفتهم أنها لغة دينهم.

        ومن ضروب هذه الاتجاهات السلبية نحو اللغة العربية الانطباع السائد القائل إن اللغة العربية لغة صعبة ومعقدة، إذ إن هذه اللغة تتمتع بما لا تتمتع بها غيرها من الخصائص، فهي -على سبيل المثال لا الحصر- لغة الاشتقاق، ولغة غنية بالأصوات، لغة التصريف، ولغة الإعراب... إلى آخر هذه الخصائص. وهذه الخصائص من أهم ما تختلف بها اللغة العربية عن اللغة الإندونيسية وتشكل من الجوانب التي يصعب على الإندونيسيين تعلمها لأن الخصائص في اللغة الأجنبية –على حد ما أكدته النظرية التقابلية- يؤدي دوما إلى الصعوبة في تعلمها.   

        هذه الاتجاهات السلبية مما يجعل إجادة اللغة العربية بعيدة المنال إذ إنها يشكل لدى الإندونيسيين ما يمكن الإطلاق عليه "رهاب العربية".   

    ·        ثانيا: أسباب لغوية

        المعاملة مع الشيئ يحدده النظر إليه. وتعلم اللغة العربية لا يستثنى من هذه القاعدة. إن صعوبة إجادة اللغة العربية لدى الإندونيسيين ناتج بشكل مباشر أو آخر من النظر الخاطئ نحو اللغة العربية. ومنه النظر بأن اللغة العربية هي قواعدها الذي بسببه تمركز الاهتمام في جميع جوانب تعليم العربية وتعلمها بالقواعد بشكل بالغ وذلك على حساب جوانب أخرى من طبيعة اللغة. الاهتمام بالقواعد في تعلم اللغة ليس عيبا ولا نظرا عليه غبار، لأن اللغة نظام والقواعد نظام بدون أدنى شك. إنما المشكلة هي التركيز على القواعد واتخاذها هدفا نهائيا من تعلم اللغة العربية. القواعد لا يربو على فرع من فروع اللغة الذي يحتاج إليه المتعلم في بناء كفايته اللغوية وهو في ذلك يحتاج إلى غيرها مثل الأصوات والكلمات. والواقع لدى متعلمي اللغة العربية يؤكد أن الإلمام بقواعد اللغة العربية لا يضمن إجادتها.

        ومن الموقف الذي يمكن وصفه غير سليم نحو اللغة العربية هو إهمال الجوانب الصوتية من هذه اللغة. الصوت أصل اللغة وفي ذلك لا يختلف اثنان. ولكن تعليم العربية في إندونيسيا يسير على نهج  يطرح جانبا جانبها الصوتي. وأهم ما يترتب على ذلك توقف مستوى إجادة اللغة العربية على المستوى السلبي ألا وهو ضعف المتعلم في إنتاج اللغة العربية بشكل شفهي.

        والوجه التالي من هذه النظرة اللغوية غير السليمة نحو اللغة العربية –والذي أدى إلى تدني نسبة إجادتها- هو الإيمان بأن العربية معرفة وليست أداءً. وأهم ما يترتب على هذا الاتجاه انحصار لا يقال في تعلم اللغة العربية على "        كيف أعرف اللغة " بدلا من "كيف استخدم اللغة". وهذا التركيز على المعرفة اللغوية دون الكفاية اللغوية يؤدي بدوره إلى ابتعاد المتعلم عن الاتصال اللغوي وهذا بدوره يعنى إهمال الوظيفة الأساسية للغة وهي الاتصال. ولا تتوقف هذه المشكلة عند هذا الحد لأن غياب الكفاءة الاتصالية يؤدي بدوره إلى إهمال اجتماعية اللغة. كل هذه المئسات اللغوية ظاهرة يمكن إدراكها بعين مجردة ويستحيل إنكارها في مجال تعليم اللغة العربية وتعلمها في إندونيسيا.

    ·        ثالثا: أسباب تربوية

ثمة ما يشبه الاتفاق بين خبراء تعليم اللغة العربية أن أهم ما يقف وراء صعوبة تعليم اللغة العربية وتعلمها لدي الناطقين بغيرها هو مشكلة منهجية. لقد أثبتت الدراسات أن تعليم وتعلم اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية في كثير من بلاد جنوب شرق آسيا مازال يفتقر إلى مناهج تضمن للمهتمين به نتائج مرضية، وإندونيسيا تشكل خير مثال لتعرض مجال تعليم وتعلم اللغة العربية لمثل هذه المشكلة، وأغلب الظن أن الانطباع المتقدم ذكره الذي ساد في المجتمع الإندونيسي مما يبرر تعرض هذا المجال لمثل هذه المشكلة.

والمشكلات المنهجية التي تجابه تعليم اللغة العربية وتعلمها في إندونيسيا هي على ما يبدو مشكلة متعددة الأبعاد ويمكن ذكر بعض أهم عناصرها كما يلي:

    1.  التقيد البالغ بالأهداف الدينية

أشارت الدراسات إلى أن هدفنا الرئيسي من تعليم العربية وتعلمها في إندونيسيا هو الهدف الديني وهو تعلم اللغة العربية وإجادتها من أجل فهم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والاطلاع على الكتب الدينية. وفي ضوء هذا الهدف ينحصر اهتمامنا على الإلمام بالقواعد النحوية والترجمة. أو بعبارة أدق أن تعليم العربية وتعلمها يركز على اكتساب معلومات اللغة نظريًا دون فقير اهتمام باستخدامها اتصاليًا. ونتيجة مثل هذا الاتجاه التعليمي التعلمي واضح، وهو إلمامنا العالي بقواعد العربية والترجمة وضعفنا الواضح في استخدامها اتصاليًا.

إن تعلم اللغة العربية من أجل فهم القرآن أو غيره من مصادر العلوم الإسلامية ليس عيبا بكل التأكيد إلا أن التركيز البالغ عليه يحرمنا من إجادة اللغة العربية بصورة كاملة وشاملة وذلك لانحصار اهتمامنا على النحو والترجمة واستهانتنا بمهارات استخدام اللغة مثل مهارة الكلام والكتابة بوصفهما وظيفتين من وظائف أساسية للغة العربية. إلى جانب ذلك إن تعليم اللغة العربية وتعلمها على مثل هذا الاتجاه لا يتماشى مع وظائف مستجدة للغة العربية بوصفها لغة أجنبية التي لا تتقيد استخدامها في المجال الديني فقط وإنما أيضا تتسرب إلى جميع مجالات الحياة مثل المجالات الأكاديمية، والسياسية، والثقافية، والدبلوماسية، والسياحية، والصحافية، وغيرها من المجالات.

    2.    الافتقار إلى المواد التعليمية الجيدة

بما أن الهدف الرئيسي من تعلمنا اللغة العربية هو الهدف الديني المركز على إجادة القواعد والترجمة فمن شأنه أن يتركز محتوى المواد التعليمية على مواد النحو والقواعد. وتستمد هذه المواد من كتب قواعد النحو العربية مثل الألفية وجامع دروس اللغة العربية والنحو الواضح وغيرها من كتب القواعد التي لا يهدف إعدادها وتأليفها أصلا لتكون كتب التعليم. لقد أشار أحمد شلبي المؤرخ -المصري وخبير تعليم اللغة العربية- بعد أن مسح مراكز تعليم اللغة العربية بإندونيسيا في السبعينات إلى هذه المشكلة مؤكدا أن من أهم ما يفتقر إليه تعليم اللغة العربية هو انعدام كتب التعليم وأن التعليم يسير على نهج خاطئ إذ إنه يعتمد على الكتب النحوية وليس على الكتب التعليمية. وما زالت هذه المشكلة تجابهنا حتى الآن وخير ما يؤشر إلى ذلك تعليم اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية الذي تستمد مواده من الكتب النحوية والدينية بدلا من الكتب المصممة تعليميا.    

    3.    طريقة التدريس التقليدية

        إن أكثر طرائق التدريس استخداما في مجال تعليم اللغة العربية في إندونيسيا هي طريقة النحو والترجمة. وهي أن نعلم اللغة العربية ونتعلمها من خلال ترجمة النصوص العربية إلى الإندونيسية وشرح ما فيها من الكلمات والجمل والقواعد النحوية. وفي بعض مراكز تعليم العربية التقليدية مثل في العديد من المدن في جزيرة جاوا تستهدف ترجمة النصوص العربية إلى اللغات المحلية فضلا عن اللغة الإندونيسية. وتعد هذه الطريقة أقدم ما يعرف من  طرائق تدريس اللغات الأجنبية والتي قد أثبتت الدراسات فشلها في تعليم اللغة العربية في معظم الدول الأجنبية. وفي ضوء هذه الطريقة يتم تعليم العربية وتعلمها عن طريق إجبار الطلاب على حفظ القواعد النحوية والمفردات والتراكيب دون تشجيعهم على استخدامها في الاتصال اللغوي.

        ومثل هذه الطريقة لن تؤدي إلى درجة الإجادة المرضية لأنها تبعدنا من حقيقة اللغة ووظيفتها وتقودنا إلى تعلم اللغة كمجموعة من القواعد وليس بوصفها أداة للاتصال.

4. الافتقار إلى التكنولوجية التعليمية

        مما يحرمنا من إجادة اللغة العربية أننا لم نحسن استغلال الوسائل التكنولوجية في تعلمها. فمما يصعب إنكاره أنه في الوقت الذي نرى تعليم اللغات الأجنبية الأخرى يوظف  الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الكمبيوتر، واالمختبر اللغوي، والفيديو، والأقمار الصناعية، والإنترنت، نجد تعليم اللغة العربية عند أغلب الأحيان لا يزال يتقيد بالوسائل التقليدية مثل السبورة. ولما أثبتت الدراسات أن استخدام الوسائل التكنولوجية يزيد عملية تعليم اللغة وتعلمها فعالية ويتعرض الطلاب عند غيابها للملل فافتقارنا إلى هذه الوسائل في تعليم اللغة العربية وتعلمها يعني فقدان ما نحتاج إليه في إجادتها.  .

    ·     رابعا: أسباب سياسية

        ثمة أسباب أخرى يمكن ذكرها من ضمن العوامل المؤدية إلى صعوبة إجادة اللغة العربية وهي سياسة نشر اللغة العربية على المستوى الدولي. ومن المعروف أن دول العالم   تبذل جهودا كبيرة في نشر لغتها للأجانب خارج حدودها، فنرى بريطانية على سبيل المثال لا الحصر تمارس سياسة مستمرة في نشر اللغة الإنجليزية في دول العالم منها من خلال مؤسسة تعرف بـ British Council التي تسعي من ضمن مهامها إلى  توفير ما يحتاجه الأجانب في إجادة اللغة الإنجليزية من المنهج، والوسائل التكنولوجية، والمواد التعليمية التعلمية، والمنحة الدراسية، وغيرها من التسهيلات. وهذا بكل أسف لم تتمتع به اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية ولم تتبادر إليه الدول العربية في توفيره. ورغم أننا نشاهد عددا من المعاهد العربية منتشرة في بعض المدن الإندونيسية ونشاهد أنواعا من الكتب التعليمية منشورة ومستخدمة في المؤسسات التربوية الإندونيسية إلا أن نشر اللغة العربية على ما يبدو لا يزال يستند إلى كونها لغة دينية أكثر منه لغة أجنبية.

        وعلى المستوى الوطني تتمثل سوء السياسة نحو اللغة العربية في موقف غير عادل لوزارة التربية الإندونيسية من اللغة العربية. ولعل خير ما يشير إلى ذلك أنه في الوقت الذي يشهد مجال تعليم اللغة الإنجليزية حسن إدارة تخصصاتها حتى أعلى مستويات التعليم (مستوى الدكتوراة) يشكل البكلاريوس أعلى مستويات تخصص اللغة العربية. أما إذا شهد مجال تعليم اللغة العربية الآن إدارة التخصص على مستوى الدكتوراة فذلك حديث العهد حيث تبادرت إليه عدد قليل من الجامعات الإسلامية في العقد الأخير.

خاتمة

        كل ما سبق عرضه يسلط الضوء على أن هناك مشاكل شائكة نتعرض لها ونحن نعلم اللغة العربية ونتعلمها – الأمر الذي يجعل عملية إجادة اللغة العربية صعبة علينا. نسأل الله أن يساعدنا على تذليل هذه المشاكل لنرى اللغة العربية يوما من الأيام لغة يسود انتشارها واستخدامها لدى أبناء هذا البلد.

لسان عربي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية