للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الشعر بين المبدع والمتلقي

د. محمد سعيد حسب النبي

منذ زمن بعيد وأنا مشغول أو مهموم بتعليم الأدب، وكتبت في هذا الموضوع كتاباً تناول تدريس الأدب ولاسيما في مرحلة الطفولة مع التركيز على الشعر، إيماناً بأن الطفولة هي الفترة المناسبة تماماً للتربية الوجدانية للطفل، والتي إذا غابت وأُهملت ولم تأخذ حقها من الرعاية والاهتمام.. تمر الأيام وإذا بالوجدان قد جف، وصار الإنسان نهماً للاضطرابات النفسية، حيث إن الارتباط وثيق بين الصحة الوجدانية والسلوك السوي للفرد.

تربية الوجدان
ولتربية الوجدان أيضاً وسائل وأدوات، منها ما يتعلق بتعريض الطفل للجميل من الشعر والنثر، أوقل الجميل من الأدب، وأذكر في هذا السياق وصية عتبة بن أبي سفيان لمربي ولده حيث قال: "ليكن أولَ ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاحُ نفسك؛ فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيلموه، ولا تتركهم فيهجروه، وروهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، وروهم سير الحكماء". إنها التربية الوجدانية وقد صيغت بلسان عربي فصيح، ولا يمكن أن تتم هذه التربية إلا من خلال سياق اليوم الدراسي للطفل مع تخفيف عمليات التعلم الزائد التي تحشو عقل الطفل بمعلومات رقمية، ولغوية، وعلمية قد لا يكون عقله محتاجاً إليها أوقادراً على استيعابها في هذه المرحلة العمرية أوتلك، ومن ثم تعمل على تجفيف منابع خياله، أوتجميدها بدرجة كبيرة.

أشعة الشعر
ولقد اخترت الشعر كأداة أحسبها قوية في تربية الوجدان الإنساني، ولعلكم تتفقون معي في أن الشعر من أرقى ما أبدع البشر، والشاعر أصدق الناس إحساساً وعاطفة، وإني أتفق تماماً مع ما قيل عن الشاعر: "ما سُمي الشاعر شاعراً .. إلا لأنه يشعر بما لا يشعر به الآخرون"

أذكر بعد زيارة الشاعر حبيب الصايغ لجامعة الحصن، وهو شاعر لامع من شعراء الإمارات، حيث عرض عدداً من أعماله الشعرية؛ أثيرت نقاشات موسعة حول مهمة الشعر والشاعر، هل هو تصوير للحياة، أم تعبير عن تجربة شعرية أوشعورية كما اعتدنا أن نقول، وأذكر أني قلت يومها: إن الشعر تصوير للحياة، بل انعكاس الحياة على نفس الشاعر؛ فالشاعر مثل القمر يعكس ضوء الشمس علينا، وهكذا الشاعر يعكس رؤيته للحياة، حيث يتلقى أشعتها ويصفيها خلال نفسه ليعرضها علينا ضوءاً نقياً مشعاً يريح النفس، ويثير الفكر، ويؤنس الوجدان.

والسؤال الآن: ما دور المبدع أو الشاعر حيال هذه القضية، وأعني بها قضية تربية الوجدان؟ هل على المبدع أن يكون واعياً بهذه العملية النفسية والتربوية؟ هل على الشاعر أن يقصد في أعماله تربية وجدان قُرائه ومحبيه؟ هل على الشاعر أن يعي دوره في الارتقاء بالوجدان والمشاعر والأحاسيس، وتهذيبها؟ أظن أن الشاعر يمارس هذه الأدوار جميعها.. شاء أم أبى.

خطر زوال الشعر
ولكن هل ما زال الشعرُ موجوداً بيننا هذه الأيام؟ أم انحسر وجودُه حتى أضحى حبيس الندوات ومجالس الأدباء والشعراء؟ هل ما زال الشعرُ يمارس دورَه في تربية وجداننا وتهذيب نفوسنا، والتعبير عن مشاعرنا. أظن أن الشعر ما زال موجوداً.. ما دام بيننا شعراء، وما دام بيننا قراء، وما دام بيننا من يعشقون هذا الفن الإنساني الأسمى، وما دام القمر يدثر الليالي بأشعته الفضية الدافئة.

ولكن ليس هناك شك في أن صوت الشعر قد خفت، ولعل ذلك يعود إلى ضعف الثقافة والقراءة، وبالتالي ضعف المتذوقين للشعر والأدب، وبما أن الشعر خلاصة الثقافة وعصارة الذوق؛ فحمايته مهمة مقدسة واجبة على مثقفي الأمة، وأنا على يقين من أن الشعر لو زال؛ فلن يزول الشاعر.

تعليم الشعر
ولكي يُؤتي الشعرُ ثمارَه، لابد أن نتعاطى معه بشكل يليق به، وخصوصاً عبر مراحل التعليم المختلفة، وهنا يظهر المعلمُ.. فارسُ الميدان، ومعلم اللغة العربية على وجه الخصوص، فلابد أن يَعْلم كيف يُعّلم هذا الفن الأدبي، ويحاول مع طلابه أن يقترب من عالم الجمال في الشعر، كي يرتقي بالتذوق الأدبي، عليه أن يعْلم كيف يصل معهم للحركة النفسية المسيطرة على الشاعر حال إبداعه. عليه أن يُجيب عن تساؤلات متعلقة بالأسلوب والتذوق وغيرها من المصطلحات، وبالمناسبة إني أدعوكم معي للوقوف على بعض المفاهيم المتعلقة بالشعر والتي منها الأسلوب، والتذوق الأدبي.

فالأسلوب كما يرى البعض هو نمط في الكتابة يستقر عليه الكاتب، يلتزمه في كل أعماله حتى يُعرف به.

وقد يعني الأسلوب أن الكاتب استطاع أن يسلب ذهن القارئ لما يكتب، حتى لا يستطيع أن يتوقف حتى ينتهي به العمل.

أو أن الأسلوب هو أن يسلب الكاتب جزءاً من نفسه .. يهديه للقارئ.

والتذوق، بالمعنى المعروف هو حاسة من حواس الإنسان الخمس، يدرك من خلالها المطعومات، والتي لا تكون إلا من خلال تفاعل مباشر مع الطعام، وبهذا تختلف عن باقي حواس الإنسان التي لا تقتضي التفاعل المباشر مع الأشياء المحسوسة. ولو طبقنا هذا المفهوم على التذوق الأدبي لوجدنا الأمر نفسه، حيث ينبغي على المتذوق أن يتفاعل مع القصيد، حتى يدرك الجمال فيما يقرأ، أو عكس ذلك مما لا يطيب له من مطعومات شعرية.

وعليه يجب على المعلم أن يكون واعياً لهذه الأمور؛ لتستقر في ذهنه، وتنعكس على أدائه في تفاعله مع القصيد ومع طلابه.

وختاماً أذكر أنني اختلفت مع أستاذ للغة العربية في لقاء جمعني مع بعض المعلمين، وذلك في معنى بيت من أبيات الشعر لامرئ القيس وهو: أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل، حيث أصر بأن معنى البيت أن الفتاة تأمر قلب الشاعر وهو ينفذ دون جدال، فقلت له: ولماذا لا يكون قلب الفتاة؟ فقال في عجب: كيف ذلك؟! فقلت: في الشطر الأول من البيت نجد الشاعر يقول: إن قلبه قد مات، فكيف تأمر الفتاة قلباً قد مات، ثم إن الفتاة لديها قوة في التحكم في قلبها فتأمره أن يحب هذا ويكره ذاك، فرفض المعلم هذا المعنى تماماً، وكانت حجته أنه لم يدرسه بهذا المعنى. وبغض النظر عن صحة رأيي أو رأيه فالمعنى الحقيقي في قلب الشاعر كما هو معلوم لنا.

أظن أن مثل هذه الأداءات تحتاج إلى تصحيح؛ لنتيح المجال للتفاعل مع القصيدة، ونشجع طلابنا ليس فقط على دراسة الشعر، وإنما لإبداع الشعر، إنها التربية الإبداعية، والتربية الإبداعية تربية من أجل مستقبل أفضل.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية