للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الكتابة النقدية وسلطة التفاهة واليأس

أ. نبيل عبدالفتاح

 هل هناك جدوى للكتابة الآن؟ السؤال يبدو وكأنه محمول على روح محبطة أو نزعة لليأس، أو رغبة فى إشاعته، لكن السؤال مستمر عبر مراحل وعقود زمنية عديدة، طرح فى الانتقال من الصحافة المكتوبة إلى الإذاعة ثم ظهور الراديو الترانزستور الذى جعل عالمنا قرية عالمية فى نهاية عقد الخمسينيات، وفق وصف مارشال ماكوهان، واشتهر من خلال عديد الباحثين والسياسيين، ومنهم ليستر بيرسون.

طرح السؤال فى ظل التلفاز، وانعكاساته الاتصالية والتواصلية والاجتماعية، وهل ستؤدى ثورة التلفاز إلى الحد من القراءة، ومن ثم التأثير النوعى على الكتابة والسرديات من حيث الأبنية والتراكيب اللغوية، والتخييلات والمجازات، ومن ثم الأساليب الكتابية فى الشعر والقصة والرواية، والكتابة السياسية والسوسيولوجية، بل وحجم الكتابة من حيث طولها أو قصرها.... إلخ! وفى ظل الثورة الرقمية، وبروز خطاب التغريدات الموجز إيجازاً شديداً، والتناص داخله بين اللغة الرقمية واللغة العربية والعامية ومفرداتها طرح سؤال الكتابة ومعه جدواها فى ظل بروز فجوات بين الكتابة الرقمية وعالمها الافتراضى وتفاعلاته واختصاراته الوجيزة، وإنتاج الدلالة داخله-، وبين الكتابة الورقية وتراجع مستمر فى قراء الصحف والمجلات، وتحولهم من الورقى إلى الرقمى لاسيما بين الأجيال الجديدة الشابة وما دونها. سؤال الكتابة وجدواها قديم رغماً عن طرحه المتجدد والمستمر ويعود طرحه لعديد من الأسباب فى اللحظة الراهنة، يمكن طرح بعضها فيما يلي: 

جمود اللغة العربية كأنساق وبُنيَ ودلالة عن مسايرة التطورات اللغوية على صعيد الكتل اللغوية الكبرى فى عالمنا - الإنجليزية والإسبانية والفرنسية - ودخول مئات المفردات والاصطلاحات فى العلوم الاجتماعية - الفلسفة والاجتماع والقانون... إلخ - والعلوم الطبيعية، وفى الرقميات، إلى هذه اللغات بمفرداتها عن الإنجليزية وتدمج فى بنية اللغات المنقول إليها المفردات الإنجليزية الجديدة. بينما عمليات الدمج إلى اللغة العربية تتسم بالبطء، والنزعة للتعريب رغماً عن أنها مصطلحات جديدة تماماً. لا شك أن ذلك يؤثر على بنية التفكير وآلياته والتعبير اللغوى عن الظواهر والمشكلات ووصفها وتحليلها وتفسيرها. 

ضعف متنام للطلب السياسى للسلطات الحاكمة على الكتابة وما تحمله من رؤي، ولغة وأساليب خطابية، على نحو يجعلها بعيدة عن عملية صنع القرار السياسي، وكذلك عن بعض مواقع المعارضة السياسية فى البلاد. 

الضعف اللغوى والتكوين الثقافى للقراء والمتعلمين على نحو يؤدى إلى الإقبال على الكتابة الرديئة أسلوبياً ومضمونياً، واستبعاد الكتابة الأكثر عمقاً وتركيباً للقلة البارزة من الكتاب، على نحو يشيع لدى بعضهم الإحساس بلا جدوى الكتابة العميقة ورفيعة الأسلوب، وفى تأثيرها على اتجاهات القراء أو النخبة الحاكمة والمعارضة التى لا يقرأ غالبها هذا النمط من الكتابة السياسية والثقافية والنقدية. 

صعود دور الناشط السياسى وخطابه الشعبوى والدينى المهجن، وعفويته وميله إلى لغة الشارع على دور المثقف / الكاتب / المفكر، على نحو أدى إلى إزاحة الأخير قليلاً عن مواقع التأثير الجماهيري، وفى السلطة، وخاصة فى ظل سعى الإعلام المرئى وبرامجه السجالية والإثارية إلى خطاب الناشط والحزبى وعراكهما اللغوى الشعبوى لخلق الحالة الإثارية التى تنتج تزايد الطلب على المشاهدة. 

ضعف المستوى الثقافى لغالب القراء بما فيهم أقسام مما يطلق عليهم مجازاً مثقفون وكتاب، أدى إلى بروز ظاهرة عدم القدرة على التمييز والفرز بين الكتابة الجيدة والعميقة ورفيعة المستوى بين الكتابة الرديئة والسطحية والتافهة المسيطرة على الكتابة الصحفية، والكتابة عموماً، حيث يجتاح سوق الكتابة طوفان من الكلام الأجوف، والإنشائية فى أردأ مستوياتها.

تراجع أعداد الكُتاب ذوى الأساليب اللغوية الخاصة، وسطوة الكتابة المتشابهة التى لا تستطيع التمييز بين كتابها سواء على مستوى الأسلوب، أو القدرات الوصفية، والتحليلية والتفسيرية، على نحو أدى إلى شيوع نمط كتابى متشابه يدفع إلى الصد عن القراءة والتلقي.

لا شك أن وضعية الكتابة وأنماطها السائدة ورداءة غالبها، يجعل الكتابة الجميلة والعميقة والمتفردة تبدو محاصرة ومستبعدة وضعف الطلب عليها، على نحو يشيع روح اليأس واللاجدوي، وانعزال الكتاب الباحثين عن الحقائق النسبية، والذين يحاولون هتك الكذب، ومطاردة الفساد، والجهل وعدم الكفاءة، والذين يوظفون المنهج النقدى سعياً وراء الكشف عن الأعطاب والاختلالات فى النظامين السياسى والاجتماعي. لاتزال للكتابة بعض أدوارها النقدية الصارمة، ولأنها لاتزال واحدة من أقوى أدوات الاحتجاج ضد الظلم والقهر والطغيان. الكتابة النقدية تكشف أقنعة السلطة الدينية ومصالحها واختراقاتها المختلفة. هى كتابة تواجه بالعقل النقدى المبدع، العقل النقلى الكسول الذى يريد تجميد الفكر وتجفيف الوجدان الجمعى للمؤمنين، وتنميط أفكارهم سلوكهم وحياتهم، وإعادة إنتاج عوالم قديمة انقضت. مازالت الكتابة أداة تغيير للإنسان والمجتمع، وكل الظواهر الجديدة للتفاهة وتجلياتها خطيرة، وهى أداة لمقاومة طغيان التفاهة وصانعيها ومصالحها وسلطتها الغشوم. 
 

الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية