للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الزمخشري .. العربية أساس العلوم

محمد إسماعيل زاهر

 يعدد الزمخشري خصائص كتابه اللافت «أساس البلاغة» بالقول:«ومن خصائص هذا الكتاب تخير ما وقع في عبارات المبدعين، وانطوى تحت استعمالات المفلقين، أو ما جاز وقوعه فيها، وانطواؤه تحتها من التراكيب التي تملح وتحسن، ولا تنقبض عنها الألسن»، ثم يشير إلى مؤلفه الذي يسعى من خلاله إلى تأسيس قوانين الخطاب في العربية: «ومنها تأسيس قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح، بإفراد المجاز عن الحقيقة والكناية عن التصريح، فمن حصّل هذه الخصائص وكان له حظ من الإعراب الذي هو ميزان العربية ومقياسها، ومعيار حكمة الواضع وقسطاسها، وأصاب ذروا، طرفا، من علم المعاني وحظي برش، شيء قليل، من علم البيان، وكانت له قبل ذلك قريحة صحيحة، وسليقة سليمة، فحُل نثره، وجزُل شعره، ولم يطل عليه أن يناهز المقدّمين». هذه كلمات أحد أشهر علماء اللغة العربية الذي كتب في البلاغة والنحو والأمثال والأدب، وقال عن نفسه شعراً «وما للغات العرب مثلي مقوّم»، وبرغم ما يخبرنا به المعنى من إحساس صاحبه بالعظمة إلا أن إنجازات الزمخشري الثقافية والمعرفية تؤكد ما ذهب إليه في وصف نفسه. في كتاب آخر له بعنوان «المفصل في علم العربية»، يجعل لغة الضاد المفتاح الأساس لفهم كل علوم عصره، بل هو ينتقد النزعة الشعوبية تلك التي فتشت عن مفاتيح أخرى للولوج إلى العلوم بخلاف العربية، فعجزت، ومن هنا ناهضت العرب وثقافتهم، يقول: «وذلك أنهم، يقصد الشعوبيين، لا يجدون علماً من العلوم الإسلامية فقهها وكلامها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بيّن لا يدفع، ومكشوف لا يتقنع»، «وبهذا اللسان مناقلتهم في العلم ومحاورتهم وتدريسهم ومناصرتهم. وبه تقطر القراطيس أقلامهم. وبه تسطر الصكوك والسجلات حكامهم. فهم ملتبسون بالعربية أية سلكوا غير منفكين منها أينما وجهوا»، ولكنه يستدرك بالقول واصفاً هؤلاء «ثم إنهم في تضاعيف ذلك يجحدون فضلها ويدفعون خصلها. ويذهبون عن توقيرها وتعظيمها. وينهون عن تعلمها وتعليمها. ويمزقون أديمها ويمضغون لحمها».مع الزمخشري يجد القارئ متعة أدبية مصحوبة بمتعة فكرية، فالرجل يُنّظر للغة و يوثق قواعدها ويخوض معاركها، وصفه القفطي في «إنباه الرواة» بأعلم أهل زمانه بالعربية. ولد محمود بن عمر بن محمد في قرية زمخشر في خوارزم في عام 467 ه، وإلى تلك القرية يعود لقبه، وكُني بأبي القاسم وأقام لسنوات طويلة في مكة المكرمة ومن هنا اكتسب لقبه الآخر، جار الله، رحل وهو في العاشرة من عمره إلى بخارى طلباً للعلم، وتجول بين خراسان وهمدان وأصفهان ومصر…الخ، قطعت إحدى رجليه وهو يافع، وقيل في أسباب ذلك الكثير من الأقوال، وركب رجلاً خشبية كان إذا مشى ألقى عليها ثيابه الطويلة فيظن من يراه أنه أعرج، وفي كل مكان يذهب إليه يشكل حلقات من العلم والدراسة ويكون الكثير من التلاميذ والمريدين، ولم يتزوج، وله قصيدة يعتبر فيها كتبه العديدة بمثابة الأبناء: «أيا بنين استووا شبابا/ واستوفوا العقل والكياسه. أبناء صدق لهم نفوس/ وصفن بالفضل والنفاسه»، كتب في تفسير القرآن الكريم «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل»، وفي الحديث والمواعظ والفقه والنحو والبلاغة والأدب والأمثال، ومرض مرضاً شديداً فكتب «المقامات» في الزهد التي احتار الكثيرون في تجنيسها إبداعياً، توفي في عام 538 ه، وترك عشرات الكتب المطبوعة، ويقدر بعض الباحثين مخطوطاته الموجودة و المفقودة ب 40 مخطوطة في مختلف العلوم.


مواقف أدبية وفكرية

يختلف معجم «أساس البلاغة» عن المعاجم الأخرى بتركيزه على المعاني المجازية لمفردات العربية، ويبدو أن الزمخشري كان مهموماً بتقديم نموذج حي للبلاغة من خلال معجم ألفبائي، فجعل الفصاحة مدخلا ًلشرح الكلمات المختلفة، وهو يتتبع بدأب سحر الكلمة العربية بشواهد من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، أو الأمثال، أو الشعر العربي، حيث وصلت استشهاداته من الشعر إلى 5 آلاف بيت، والمعجم مقسم إلى 28 باباً بعدد حروف الهجاء.

وعندما تفتح المعجم ستجده يبدأ بشرح معنى الكلمة من خلال استشهادات مطولة، ثم يعرج على معانيها المجازية، يكتب تحت مادة «ضغن»: «في صدره ضغن، وضغينة، وأضغان، وضغائن، وضغن علي فلان واضطغن، وهو ضغن علي ومضطغن، ومضاغن إليّ، وأبعد الله كل مضاغن لأخيه مشاحن لمواليه. وما زلت به حتى سللت بقية ضغنه. وأخليت صدره عما كان في ضمنه». ويتابع قائلاً: ومن المجاز: ناقة ذات ضغن: تنزع إلى وطنها. وامرأة ذات ضغن: تحب غير زوجها. وقناة ذات ضغن: فيها عوج والتواء»، ويستخدم الشعر للتدليل على معناه:«إن قناتي من صليبات القنا/ ما زادها التثقيف إلا ضغنا».

تعثر على موقفه الفكري في كتاب «المفصل في علم العربية»، حيث الغضب للعرب والعصبية ضد الشعوبية، وفي ذلك يقول شعراً: «وقل للشعوبيين إن حديثكم/ أضاليل من شيطانكم ووساوس. لكم مذهب فسل يُغر بمثله/ أشايب حمقى، لا الرجال الأكايس»، والكتاب، الذي يُنظّر فيه للنحو، يعبر كذلك عن ثقافته الموسوعية، حيث الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار المتناثرة هنا وهناك، بل يضاف إلى ذلك كله معرفة واسعة باختلاف أهل كل منطقة في توظيفهم للنحو خلال حديثهم وكتابتهم الفصحى، يقول تحت عنوان«خبر لا التي لنفي الجنس»: «ويحذفه الحجازيون كثيراً فيقولون: لا أهل ولا مال ولا بأس ولا فتى إلا عليّ ولا سيف إلا ذو الفقار»، ويحدثك عن المفعول المطلق بالقول: «هو المصدر سمي بذلك لأن الفعل يصدر عنه، ويسميه سيبويه الحدث والحدثان، وينقسم إلى مبهم نحو: ضربت ضرباً، وإلى مؤقت نحو: ضربت ضربة وضربتين».وتظهر مهارة الجغرافي اللغوي عند الزمخشري في كتاب «الجبال والأمكنة والمياه»، والكتاب موسوعة على حروف المعجم يوثق فيها للأماكن الجغرافية، يقول تحت عنوان «ما أوله التاء»: تَقْتَد: ماء، قال: «وذكرت تقتد برد مائها».تَبَعة: جبل بنجد لبني نصر، زعموا أن ثمة قبور قوم عاد. التُرَف: جبل التِنان: جبلان بني فقعس وبينهما وادٍ يقال له: خَو.مُتالِع: جبل بني عُمَيلة، قال صدقة بن نافع العميلي:وهل ترجعن أيامنا بمتالع… وشُرْب بأوشال لهن ظلالتُربة: واد للضباب طوله ثلاثة ليال فيه النخال والزرع.ويتضمن كتاب «المستقصي في أمثال العرب» حوالي 3461 من الحكم والكلمات التي تعبر عن تجارب العرب الحياتية وتفاعلهم مع واقعهم، وهو يورد المثل ويشرحه، ويتضمن سرده التفسير اللغوي والتاريخي للمثل: «يَكْفِيك نصيبك شح الْقَوْم»، أي حظك الذي قدره الله تَعَالَى لَك من الرزق أَن اسْتَغْنَيْت بِهِ عَن الْمَسْأَلَة كَفاك وحقن مَاء وَجهك عَن إراقته عِنْد الأشحاء ويروى كدحك أي كسبك يضْرب في ذمّ السُّؤَال». ويفسر مثل «يشوب ويروب» بالقول: «أي يخلط المَاء بِاللَّبنِ ويخثره فَلَا يخلطه بِالْمَاءِ وَكَانَ الأَصْل يريب أَو يروب فجيء بِهِ كَذَلِك للازدواج وَقد روى عَن ابْن الأعرابي راب إِذا أصلح يروب فإن صَحَّ فَالْمَعْنى أَنه يفْسد اللَّبن يخلطه بِالْمَاءِ ويصلحه بتخثيره وَقيل هُوَ من التشويب وَهُوَ النَّضْح عَن الرجل والترويب الكسل والإمساك عَن الْأَمر أي ينصح تَارَة ويمسك أُخْرَى، يضْرب فِيمَن يُصِيب ويخطئ». أما «يركب الصعب من لَا ذَلُول لَهُ» فيضْرب في القناعة بِيَسِير الْحَاجة إِذا فَاتَ جليلها.ويمتعنا بشرحه لمثل «اسْأَل من فلحس»: «هُوَ الَّذِي يتحين طَعَام النَّاس كالطفيلي يُقَال جَاءَنَا يتفلحس والفلحس الْحَرِيص وَبِه سمي الْكَلْب وَقيل كَانَ رجل من شَيبَان عَزِيزًا يسْأَل الْغُزَاة سَهْماً لنَفسِهِ ولامرأته ولناقته فَيعْطى وَهُوَ فِي بَيته لعزه وَابْنه زَاهِر اعْترض لغزى فَسَأَلَهُمْ فَأَجَابُوهُ إِلَى سهمي نَفسه وَامْرَأَته وأبوا عَلَيْهِ سهم نَاقَته فَقَالَ فإني جَار لكل من طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس فَلم يُمكنهُم الْغَزْو فِي عَامهمْ ذَلِك فَقيل فِيهِ الْعَصَا من العصي».

آفاق بلا حدود

ونقرأ ثقافته الموسوعية في كتاب «ربيع الأبرار ونصوص الأخيار»، وهو مرتب على ثمان وتسعين باباً، في موضوعات مختلفة كان الزمخشري يجمع ما يتصل بكل موضوع من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم ما ورد عنه في أقوال الصحابة ويتبعه بأقوال التابعين والعباد والزهاد والنساك، والحكماء، والشعراء، وأقوال الأنبياء، وكان يسرد قصصاً مسلّية وأخباراً متّصلة بتاريخ العرب وملوكهم وخلفائهم وأمرائهم وقوادهم ومغنّيهم، وخصص الباب الأول مثلاً للأوقات وذكر الدنيا والآخرة، والثاني للسماء والكواكب وذكر العرش والكرسي، وهكذا يتجول بين موضوعات المعرفة كلها، فيخصص الباب الرابع عشر للبخت وذكر الإقبال والإدبار والسعد والنحس واليمن والشؤم والنكد والخيبة والفلج والرزق والحرمان، و الباب الخامس عشر لتبدل الأحوال واختلافها وتبدل الدول وانقلابها ووقوع الفتن والنوائب وعزل الولاة وسوء عواقبهم، والباب السادس والسبعين للهو، واللعب، واللذات، والقصف وذكر التبذير وما يتصل به، واتباع الشهوات، والباب السابع والسبعين الأمراض، والعلل، والعاهات والطب، والدواء، والعيادة..الخ.وللزمخشري كتاب «المقامات» والتي تختلف جذرياً عن المقامات بمعناها المعروف في التراث العربي، حيث تدور حول الزهد والقناعة والتسليم بقضاء الله وقدره، كتبها في مرضه، وتتكون من 50 مقامة ويبدأها دائماً بتوجيه الخطاب إلى نفسه، يقول في «مقامة الزهد»:يا أبا القاسم ما لكَ لا ترفضُ هذهِ الفانيةَ رفضاً. ولا تنفضُ يديكَ عن طلبِها نفضاً. ألمْ ترَ كيفَ أبغضَها الله وأبغضَها أنبياؤهُ. ومقتَها ومقتها أولياؤهُ. ولوْلا استيجابُها أن تكونَ مرفوضة لوزَنَت عندَ الله جناحَ بعوضةْ. إن راقَكَ رُواؤها الجميلُ فما وراءهُ مشوَّهْ. ما هَيَ إلا اسمٌّ ذُعافٌ بالعسل مموَّه. منغّصةُ المسارّ لمْ تخلُ من أذى. مطروقةُ المشارب لم تصفُ من قَذَى معَ كلِّ استقامةٍ فيها اعوجاجْ. وفي كلِّ دَعةٍ منَ المشقّة مِزاجْ. شهدُها مشفوعٌ بإبرِ النّحلِ. رُطبها مصحوبٌ بسلاّء النّخلِ. أمامَ الظفرِ بغنيمتها الاصطلاءُ بنارِ الحرْب. ويقول في مقامة التسليم:«جديدانِ يَبْلى بتناسُخِهما كلُّ جديد. ويكلُّ على تعاقبِهما كلُّ حديدْ. وطلوعُ شمسٍ وغروبُ شمسْ. يطّرحانِ كلَّ إنسي تحتَ الرَّمْس. وما الدَّهرُ إلا أمسٌ ويومٌ وغدْ. وما العيشُ إلا ضَنْكٌ ورغَدْ».

المصدر 24

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية