أ. صالح عوض
في مرحلة ما ظن الجميع أن الجزائر فقدت لسانها المبين وأصبحت العجمة والاعوجاج سمتها الواضحة وذهب المؤرخون والمحللون والزوار من كبار العلماء والمفكرين إلى القول أن الجزائر خرجت من ثوبها.. خلال عشر سنوات ورغم تصدي الاستعمار البغيض العنصري المقيت تسللت شلالات الحياة بماء طهور تسقي النجوع والنفوس فتحيي ما ظنه الكثيرون قد أصبح مواتا.. عشر سنوات كافية لتخرج الجزائر بأمر ربها كوكبة من أساطين الأدب واللغة لم يجتمع مثلهم في أحسن الأحوال لأي من شعوب العرب والإسلام.
لم تتعرض لغة لمؤامرات من قبل أعدائها ونكران من قبل أبنائها كما تعرضت اللغة العربية ورغم ذلك كله ظلت باسقة الأغصان أصلها ثابت وفرعها في السماء.. لغة تغذي الروح وتشرح الصدر و تنعش القلب وتطامن النفس.. لغة فوق الحسابات المادية ولا تخضع لمعايير اللغات في القوة والضعف.
يقول علماء اللغة ان تقدم الامة وقوتها سبب رئيس في ازدهار اللغة ونمائها.. فلا حضور للغة يعيش قومها الدعة والضعف.. ولكن هنا الامر يختلف تماما.. هنا الغة هي مركبنا للتقدم والقوة.. هنا كانت اللغة في قريش مجال التنافس وكانت استار الكعبة تزدان باجمل القصائد واقواهاليعبر العرب بذلك عن قيمة اللغة في حسهم انها تصل الى موقع القداسة.
واللغة المعجزة هذه تتميز بانها تحمل في ذاتها منظومة قيم هي الارقى على الصعيد الانساني وهي تكثف اثارتها للمثل العليا كما لم تفعل لغة قط.. في هذه اللغة بحث عن انبل المشاعر واسمى المعاني فترتفع باهلها الى القمة من الإنسانية المؤهلة لحمل رسالة.. وهذه اللغة المعجزة بمفرداتها التي يزيد عددها عن مجموع مفردات اللغات المعروفة جميعها تمكنت من التقدم للوصف والتعبير كما لا تستطيع لغة فكانت بذلك كله أهلا لحمل ايات الله الخالدات وأن تكون حاملة رسالة رب العالمين.
اللغة المعجزة تحمل الأدب والفن، ففيها موسيقى الحروف وفي شعرها بيت وصدر وعجز وبحر وكأن القصيدة وهي اشارة لما هو مراد من الكلام فكان الشعر ديوان العرب.. اللغة المعجزة هذه حملت الفلسفة والفقه والعرفان والحساب والعلوم جميعا فكانت خير حامل لم تخن المعنى ولم تحرف المقصود فكانت بحق لغة الانسان الامينة القادرة.
ولهذا جميعه نعرف لماذا عمد المستعمرون على تكسير اللغة واتجه عملاؤهم لتفتيت مبانيها وتكسير ناظمها واستبدال سياقها واتساقها بالهجين من الفظ والشاذ من القول والتافه من التصوير..
لا نهضة بلا لغة.. نحن امة متميزة بعميق وجدانها الذي لا يمكن التعبير عنه الا بلغتنا العربية المعجزة ومهما حاولنا الاستبدال والتغيير فإننا سنضطر الى العودة من جديد والتماس السماح من لغة القران.
وفي هذه الهمسة تحية لحماة العربية في الجزائر ولجنودها الافذاذ.. والتحية لروح الإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس رائد النهضة ورافع لوائها.. تولانا الله برحمته.
الشروق