اللغة العربية في حياتنا اليومية

د. رضا العطار

 

كلنا نكتب عن اللغة وكلنا نشعر بخطورة هذا الموضوع. بعد ان انتهينا من معرفة اللغات الاوربية. الا ان تأخرنا في اللغة نحن العرب هو احد الاسباب لتأخرنا الاجتماعي.

وقد كان الثقاب الذي اشعل هذا الموضوع هو المقال الذي نشره الاديب احمد امين في مجلة الثقافة في بداية العشرينيات. اوضح فيه ان معاني الكلمات العربية تتغير حين يتغير الزمان والمكان. اي حين يتغير المجتمع الذي نستعمل فيه الكلمات. ويمكن القارئ ان يعد هذا المقال، شرحا وتعليقا لهذا الموضوع الحيوي.

واللغة المثلى هي التي لا تلتبس كلماتها. ولا تنساح معانيها ولا تتشابه عن بعد او قرب. بل هي التي تؤدي المعاني في فروق واضحة كالفروق بين رقمي 5 و6 ثم هي اللغة الثرية الخصبة التي يحتاج اليها المتمدنون. بل هي التي تتسع ايضا لآختراع الكلمات الجديدة التي تتطلبها الحاجات النامية المتزايدة لهؤلاء المتمدنين.
وفي مصر طبقة من الكتاب يحاولون استخدام اللغة العربية وسيلة لأسترداد الامس. بل ان عندنا من اللغويين من يتحدث عن اللغة العربية كما يتحدث المستشرقون الاوربيون عن اللغة السنسكريتية. ولكن مع فارق واحد، ان هؤلاء لا يحاولون احياء الميت من الكلمات السنسكريتية ولكن اولئك يحاولون هذا الاحياء للكلمات العربية. حين كان يجب عليهم لو كانوا على وجدان بالعصر الحديث ان يدفنوها. ومعظم افراد هذه الطبقة يتألف من معلمي اللغة العربية في مدارسنا.

وليس في هذه الدنيا شئ هو أغلى من اللغة الحسنة. لاننا نفكر وننبعث بالكلمات في سلوكنا، في البيت والشارع والحقل والمصنع وفي الاعمال الادارية، فهو قبل كل شئ سلوك لغوي، لان كلمات اللغة تقرر لنا الافكار والانفعالات. وتعين لنا السلوك ومستوى الرقي الثقافي، كما لو كانت اوامر، بل نستطيع ان نقول ان سيادة البريطانيين على الهنود في السابق هي الى حد ما سيادة لغوية. اي مجموعة الفاظ خصبة وافية من كلمات المعارف والاخلاق تحدث براعة في الفن. وتوجيها في السلوك، يؤديان الى السيادة واحيانا الى العدوان.

وحين تحرم لغتنا العربية من كلمات الثقافة العصرية، تحرم ايضا الامة المعيشة العصرية. فنحن ما زلنا نعيش بكلمات الزراعة ولما نعرف كلمات الصناعة. ولذلك فان عقليتنا عقلية قديمة جامدة تنظر الى الماضي، حتى اننا نغفل عن ذكر حياة هنري فورد مثلا صاحب المعجزة الصناعية في اختراع السيارة، ونذكر بدلا عنه سياسة معاوية، استبداده وظلمه او حياة البذخ والمجون لهارون الرشيد.

والدعوة الى لغة عصرية هي في صميمها دعوة الى المعيشة العصرية. لان الكاتب حين يستبيح اعتناق الكلمات العصرية كما هي بلا ترجمة، انما هو في الواقع يستبيح حضارة العلم والمنطق والرقي الصناعي بدلا من حضارة العقائد والاداب.
واني اعتقد ان معظم كتابنا سلفيون — وهذه السلفية تتجه الى حرمان الامة من الرقي الصناعي وقصرها على الزراعة. وعرقلة كل تقدم حضاري عصري، لان المجتمع الصناعي جدير ان يحدث مجتمعا مستقبليا، يكتب مؤلفوه بلغة الشعب. وتنتقل اهتماماتهم الذهنية من التأليف عن قدماء العرب الى التأليف عن مشكلاتنا العصرية في الاخلاق والتعليم والاقتصاد ومكافحة الفاقة. واني بالطبع لا اغفل هنا ارتباط اللغة بالتقاليد والعقائد. وان هذا الارتباط من اسباب الكراهة للتطور اللغوي. اعني ان العقلية الكلاسيكية في اللغة، عقلية التقاليد التليدة قد احدثت لنا مزاجا ادبيا اجتماعيا هو النظر الى الماضي ومحاولة استرداد الامس في الوقت الذي نكون باشد الحاجة ان نشق طريقنا نحو المستقبل.

اني اردت ان اصل بالقارئ الى تصور جديد للغتنا العربية من حيث نشأتها وتكونها الى نضجها وما تحمله من رواسب تاريخية قد تعود علينا بالضرر. لانها كانت تخدم مجتمعا ربما كانت فضائله معدودة. وفي مجال التفكير العلمي الدقيق لم انس ان انبه القارئ الى ان بلاغتنا التقليدية هي بلاغة الانفعال والعاطفة في الوقت الذي نحتاج فيه الى تاكيد المنطق والعقل. لذا يجب ان نتعاون على تجديد اللغة وحسبنا من هذا التعاون تشخيص الداء والاشارة الى الدواء وتنبيه الغافلين ونصح المعاكسين. واعظم المعاكسين هؤلاء المتخصصين في درس اللغة العربية. فان تخصصهم هذا قد حال بينهم وبين دراسات بشرية عديدة، فضاقت آفاقهم وصاروا ينظرون الى لغتنا كما لو كانت احدى اللغات المتحجرة في المعابد. املي ان يجد هؤلاء افقا جديدا يتجه اليه تفكيرهم.

* مقتبس من كتاب البلاغة العصرية واللغة العربية لسلامه موسى.
 

صوت العراق