البرلمان المصري واللسان الأعجمي

د. سحر عيسي

 

عندما كنت أستمع إلى خطابات وكلمات الدكتور علي عبد العال رئيس البرلمان المصري وبخاصة في خطابه المحبط أمام الملك سلمان، بل أمام العالم كله ، كنت أصاب بحالة ذهول ودهشة شديدة لم أستطع تفسيرها حتى الآن، هذه الدهشة انطلقت عبر تساؤلات عدة يختبئ فيها الحزن والألم الدفين، كيف لرئيس البرلمان المصري العريق أن ينطق الخطابات بهذه اللغة الركيكة، ويقع في أخطاء لا يقع فيها تلميذ ابتدائي؟ كيف لرئيس البرلمان المصري العريق ألا يفرق بين الضمة والكسرة والفتحة ؟ كيف لرئيس البرلمان المصري العريق أن يخلط بين الفاعل والمفعول ؟ بل السؤال الأهم كيف لأستاذ قانون كبير له مؤلفاته وأبحاثه ، أن يكسر قواعد اللغة العربية ويمحو جمالها ورونقها نحوا وصرفا وبلاغة.

كانت هذه التساؤلات تروح وتغدو في نفسي بكل حزن وألم، ليس لأني لم أجد إجابة عليها حتى الآن، ولكن لأنها تعكس واقعا مريرا تعيشه مصر الآن، وهو تخلي أصحاب المناصب الكبيرة عن أهم أدوات الخطاب الصحيح والرسالة القيمة ،بما يعطي رسالة سلبية للآخر- داخليا وخارجيا- بأن من يتولون القيادة في مصر لا يمتلكون أهم وأبسط مهارات العمل وهي اللسان العربي الصحيح .

لم نطالب رئيس البرلمان المصري أن يكون في فصاحة وبلاغة المتنبي والبحتري وشوقي ولم نطالبه بأن يرتدي ثوب سيبويه والجاحظ وابن قتيبيه ، ولم نلزمه بصياغة المعاجم ولا أمهات كتب التراث،- على الرغم من أني أرى أنه لابد لأصحاب المناصب الرفيعة أن يكونوا في قامة هؤلاء أو في طريقهم – بل انحصر أملنا وحلمنا في أن ينطق رئيس البرلمان المصري الجملة بشكل صحيح لا لحن ولا خطأ فيها ، فهل أجرمنا في حلمنا حفاظا على مصر الكبيرة التي علمت العالم العربي كل فنون وآداب العربية، وعلمتهم العلوم الشرعية والعلمية وأسست لهم جامعاتهم !

هل يليق بمصر العظيمة التي قدمت للبشرية علماء أجلاء لا نحصيهم عددا أن يخطئ رئيس برلمانها في قاعدة الفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر ؟

حاولت التماس عذر واحد لأستاذنا الفاضل، ولكن صدقوني لم أجد!

ليس عيبا أن نتعلم وأن نبحث وأن نتدرب فأستاذ الجامعة مهما بلغت منزلته ومكانته، يظل طالب علم إلى أن تخرج أنفاسه إلى رحاب الله سبحانه وتعالى، وما دمت قد ارتضيت لنفسك مكانة رفيعة فعليك أن تجيد مهاراتها أو تتركها لغيرك فمصر ليست عقيمة ، فلماذا – على أقل تقدير-لم يتدرب الدكتور عبد العال ، كما يفعل رؤساء وملوك العالم- على خطاباته وكلماته بدلا من حالة الخجل التي أصابت معظمنا في داخل مصر وفي خارجها عندما استمعنا- مثلا- إلى خطابه أمام الملك سلمان ، بقلب حزين واجف، وعقل غير مصدق أن تكون هذه هي لغة رئيس البرلمان المصري الذي أخطأ في آية من القرآن الكريم!

هل أصبح الأمر لدينا في مصر مجرد تقلد للمناصب فحسب بدون شرط أو قيد؟ ، تعلمنا في فنون المقابلة للوظيفة أن هناك شروطا لتفضيل هذا أو ذاك فما بالك حينما يكون الشرط من أساسيات العمل نفسه، وهو إجادة اللغة العربية تحدثا وكتابة.

صدقوني مصر لا تستحق أن تتهاون في أمر قد يراه بعضهم بسيطا أو لا يستحق , فمصر علمت الحرف لشقيقاتها ولقنتهم أصول العلم بكل فروعه ، فكيف بها الآن أن تتحول إلى لسان أعجمي!
 

الصاعد