كارم يحيى
من بين 263 عالما، فاز التونسى الدكتور «حمادى صمود» بجائزة العويس الثقافية العربية فى الدراسات والنقد هذا العام. وجاء فى حيثيات فوز هذا اللغوى البارز (70 عاما) أنه استحقها: «لما قدمه من معالجات جديدة فى التراث البلاغى العربي».
وفى حوارنا معه، أشار إلى جيله من دارسى اللغة والأدب، وعن آفاق ومشكلات الثقافة العربية،تحدث مستندا إلى خبراته، فى تدريس البلاغة وعلوم الخطاب ونظريات
الأدب بالجامعة التونسية وجامعات فرنسا لعقود.
فى كتابك الأخير «الطريق إلى الحرية»، الأشبه بسيرة ذاتية، توقفت أمام مصر كمحطة مهمة كثيرا، ومشاركتك فى الاحتفال بمرور خمسين عاما على وفاة «حافظ وشوقي» عام 1982. فكيف تقيم دور القاهرة فى العلاقة بين مشرق العالم العربى ومغربه الآن، خاصة فى النقد ودراسات الأدب واللغة ؟
مصر من الأقطاب الأساسية فى تاريخ الثقافة والتحديث بالعالم العربى وكذا النشر. وهى واعية بدورها كمركز مشع على عالمها العربي، وبالريع السياسى لهذا الدور. وهذه الجهود التى امتدت لأكثر من قرنين لا يمكن أن تتلاشي. ربما زاحم دورها أدوارا أخري. والنقد الأدبى فى كل العالم بما فيه أوروبا فى مرحلة مراجعة. وتحديدا فرنسا وألمانيا. نحن فى مرحلة توقف ومراجعة لزخم فكرى تم إنتاجه طيلة أربعة أو خمسة عقود بعد الحرب العالمية الثانية.
ثمة اعتقاد بأن المغرب العربى أخذ مع جيلكم بناصية دراسات النقد الأدبى واللغة بفضل حركة ترجمة لأعمال أعلامها من الفرنسيين، والتفاعل مع المؤسسات العلمية والأكاديمية بباريس.. مارأيكم؟
لا تنس أن «محمد مندور» درس فى فرنسا على يد عالم من أعلام اللغة «أنطوان ماي» وترجم كتابا له. وكذا «طه حسين» الذى درس اللغات القديمة بفرنسا. تماما كما كان لدينا فى الجامعة التونسية رواد درسنا عليهم. أما جيلى فقد انتهينا ونحن ندرس انطلاقا من الستينيات أن التجديد فى جامعاتنا يعود إلى أفكار ونظريات بدايات القرن العشرين، وأعلامه كانوا فى زمانهم بلاشك فطاحل إلى الثلاثينيات، وموجة جديدة جاءت. وكان مركزها الأقوى فرنسا. ونظرنا فى المغرب العربى فى إمكانية الاستفادة منها وتطويعها لإعادة النظر فى تراثنا القديم. وثمة أعلام مثل «رولان بارت» و«تودروف»، وانتبهنا إلى الثورة العظيمة التى أحدثتها اللسانيات، على يد «فرديناند دى سوسير». وظهر بيننا أساتذة فى المغرب وتونس، سبق لهم الاطلاع عليها، وكان لهم دور فى فهم وإدراك خفاياها، وفى طرح الأسئلة الكبري. وكأن مندور أصبح جديدا قديما أو جديدا يحتاج إلى مزيد من التجديد. ولأسباب تتعلق بهذه المرحلة كان لتونس والمغرب وشمال أفريقيا بصفة عامة شيء من السبق بتأثير العلاقات المباشرة مع فرنسا واللغة الفرنسية. وأدرك الأشقاء فى المشرق العربى هذه الثورة، فجاءت بأعلام كبار. وما جاء به مندور وطه حسين جديد بلاشك، لكن جيلى حاول تجديد التجديد والبحث عن مسالك أخرى لقراءة وتقييم النصوص. فتغيرت منظومة التقييم.
وتحدثت فى كتابك «طريقى إلى الحرية» عن زيارة الروائى والناقد المجدد «ألان روب جرييه» مدينة «نابل» الصغيرة التى تتبعها قريتك «قليبية»، وكذا محاضرات «ميشيل فوكو» بالجامعة التونسية وأنت شاب، فلأى مدى أفدت معرفيا وفكريا من كليهما؟
قصدت فى كتابى التحدث عن الظروف المتاحة للدارس التونسي، سواء كانت له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالكُتَّاب. أما بالنسبة لـ «روب جرييه» فزيارته لنابل كانت وأنا طالب فى الثانوي. وعندما ترى الشخص مباشرة خارج مايكتب، وتلقى عليه أسئلة يعنى أنك تستطيع قراءته والتوغل فى رواياته. وقصدت أن أبين ما كنا عليه من انفتاح الى درجة أن يأتى رجل بهذه القامة عام 1969 إلى مدينة محدودة السكان وليست العاصمة. أما تجربة فوكو فتختلف لأنه كان مدرساً فى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالعاصمة تونس (الآن تسمى 9 إبريل)، وكنا نحضر بعض دروسه. ووقتها كانت الأعداد قليلة والدروس مفتوحة على كل التخصصات. ووجود فوكو بالجامعة التونسية ودراستى فى دار المعلمين العليا أسهما فى توسيع دائرة أفقى وتكسير الحواجز عندى بين التخصصات.
مارأيكم بتطبيق مناهج النقد الحديثة على أدبنا العربي؟
ليست العبرة فى النقد بنتائجه العملية، بقدر ضرورة المساهمة فى مخاض فكرى عجيب عايشه العالم، وكان يجب أن نسهم فيه بطرق مختلفة. ولابد لنا أن ندرك ما الذى تغير فى الدرس اللغوي؟. والقضية فى فهم اللغة وميكانيزماتها. ثانيا بعض جيلنا استحضر التراث العربى القديم وأعاد قراءته على ضوء كثير من المكتسبات النظرية الحديثة، مع وعى كامل بأن الأمور ليست مجرد نقل. بل وعى بمحددات النظرية العربية القديمة فى النحو أو اللغة. ثم النظر فى محددات النظرية الحديثة، وبحث إمكانية تلاقى الحديث والتراثي، وهذا مكننا فى مصر وتونس والمغرب وغيرها من إعادة قراءة النحو العربى قراءة خصبة، فخرجنا مثلا عن مفهوم الإعراب الذى يعالج أواخر الكلمات (حركات أواخر الكلمات). واتضح أننا أمام قضية تتعلق بالتصورات النحوية والتركيبية عامة.
هل ترى أننا بحاجة لتطوير النحو العربي، والتخفف من جوانب من ميراث «سيبويه» على ضوء التغيرات المجتمعية والثقافية؟
ربما نحتاج الآن إعادة وصف اللغة العربية، ومعرفة ما طرأ على معجمها. فقد انبنى النحو العربى فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى على مدونة بها الشعر الجاهلي، والقرآن، وكلام العرب الفصحاء. لكن إلى الآن لا نعرف ما طرأ على اللغة العربية منذ سيبويه. بالرغم من التوسع العجيب فى استعمالها، فى مئات الإذاعات والتلفزات والصحف وخطابات الإدارة وغيرها. وملايين التلاميذ والقراء. والسؤال:هل هناك اتجاه جديد فى التركيب والصرف يتشكل؟، ونحن غافلون عنه؟ ونمارس عليه رقابة غير مجدية. وربما يحملنا هذا الوصف على قبول بعض ما نعتبره خطأ قياسا على نحو القرن الثانى الهجري؟. ما أخشاه أن نقف حجر عثرة فى وجه تطور لغتنا لأن استعمالها توسع بشكل غير مسبوق. وهذا التوسع له نتائج لايمكن تجاهلها.
الأهرام