
لغتنا ... المهدورة
أ. ماجدة الجندى
كان المشهد للست ليلي، والباشا «سليمان نجيب، يوبخ ابنته لرسوبها فى امتحان اللغة العربية... ازاى بنت الباشا ترسب فى امتحان اللغة العربية آخر العام وتجيب ملحق؟ ثم تتالت العذوبة مع فيلم غزل البنات...مع ليلى والزغاليل وهى تغنى أبجد هوز للاستاذ حمام ، بينما كان يمر شريط الاخبار الاحمر اسفل الشاشة منوها عن ان اليوم 18 ديسمبر هو يوم اللغة العربية او اليوم الذى خصصته الامم المتحدة للاحتفال باليوم العالمى للغة العربية... مناسبة عندنا، ربما لا تستلفت النظر بالنسبة للاغلبية ولا يتجاوز التوقف عندها اكثر من عبارة، فى برنامج هنا او تعليق هناك او احتفال روتينى كما فى جامعة الازهر (بالمناسبة اسرائيل احتفلت باللغة العربية، منوهة ان نصف سكانها قادمون من جذور عربية، وان مليونين إلا ربع مليون من هؤلاء يتكلمون العربية وان العربية واحدة من اللغتين الرسميتين بها). رغما عني، استحضرت حال لغتنا المهدورة الآن.. رحت أقارن بين موقع اللغة العربية الآن، ودلالات شعور الباشا بالعار لان ابنته فشلت فى احد امتحاناتها حتى لوكان الإطار فنيا ساخرا، وبين السؤال عن موقع وحال اللغة العربية فى مصر الآن وبالذات عند الفئات الاجتماعية التى تملك فرص اختيار افضل تعليم، دوليا كان او غيره .. سليمان نجيب باشا عصره لم يكن آتيا من فراغ، والسؤال عن موضع اللغة العربية، الآن وهنا يقلب الكثير من المواجع او يأخذنا الى قدر من « الدلالات...تروى لنا السرديات التاريخية، عن علاقة وثيقة كانت تربط ما بين اللغة العربية وسائر الفئات الاجتماعية المصرية من الكفور الى القصور، الفلاحين فى كتاتيب القرى والارستقراطية وان انحدرت من سلالات غير مصرية، كانت اللغة العربية حاضرة لديهم بما يليق بها من احترام للغة الام .لم يفلح المحتل الانجليزى الذى فرض هيمنته السياسية وهو فوق ارضنا لسبعين عاما، فى ان يهز علاقة المصريين بلغتهم التى كانت بعضا من هويتهم.. كنا نتفاخر باننا لم نستبدل لغتنا وانما دفعناه هو لان يتكلم هو لغتنا.. كانت العلاقة بلغة غير العربية تأخذ حيزها السوي، باعتبارها نافذة، أداة، إضافة.. حتى فى المدارس الاجنبية التى تعلم فيها جيلى وما سبقه، كان للغة العربية مكانتها، ودرجات من العناية انا شخصيا مدينة لها.. من البداهة الربط ما بين انهيار العملية التعليمية ككل. فى العقود الاخيرة وما احدثته فى المكون المصرى إجمالا، ومن بينه اللغة الوطنية لغتنا الأم.. تحملت عموم الشرائح غير القادرة اقتصاديا تبعات تراكم انهيار التعليم، اضطرارا، لكن ما يستلفت النظر، الكلام عن الوضعية او المكانة التى تحتلها اللغة العربية، الآن، بالذات عند الشرائح القادرة والتى تملك فرص المفاضلة بين انواع جيدة من التعليم، وهذا سوف يأخذنا لزاوية اجتماعية اقتصادية قادت اليها التطورات او النقلات الاقتصادية العشوائية، التى اعادت صياغة المجتمع وافرزت نوعيات من المستحوذين او الذين مكنهم اقتصاد السمسرة والريع من صدارة المجتمع، حاملين قيما ومعايير، ازدرت قيما ومعايير.. وكان على الرأس مما ازدروه عن جهل وعمى بعض مكونات الهوية، وعلى رأسها اللغة العربية، التى صارت فى أعرافهم اشارة الى ماهو ادني.. فصرنا أمام نوع من الغربة للغة العربية فى بلدنا.. بل نوع من الازدراء للغة العربية..و لعل اى مراقب لن يخطئ الرصد فى كون اللغة العربية جرى عليها ما جرى على كثير مما نظنه ثابتا ومستقرا.. راقب تجمعات أمهات من يصنفون انفسهم علية القوم فى النوادي, المطاعم, الملاعب، داخل اسوار الكومباوندز، او المنتجعات الراقية، تسعون بالمائة من تخاطبهن.. معاملاتهن مع الابناء ، تتم بأى لغة غير العربية .. صارت اللغة العربية مقترنة لدى هذه الفئات، بنوع من »الدونية ».. هذا وضع شاذ لن تجده فى اى بلد محترم .. فلن تجد ألمانيا يتكلم الانجليزية مع ابنائه ولافرنسيا.. حتى المهاجرين من المكسيك الى امريكا، فرضوا لغتهم الوطنية » الإسبانية« على امريكا.. الايطاليون, كل الفئات المهاجرة الى العالم الجديد، حملوا لغاتهم معهم لان اللغة وطن كما قال إلبير كامي..فى البيت يعود المهاجر الى وطنه.. يمارس نفسه بلغته.. غرابة وضعية اللغة العربية فى مصر من الزاوية التى أعنيها، مسألة متشابكة، لها ابعاد لا يستهان بها..لغتنا مهدورة.. ولن تكون وحدها هى المهدورة.
الأهرام
|
|
|