وجبة لغوية: العربية من أجل الإنجليزية

د. محمد مبارك

 

يقول الباحثون في علوم تدريس اللغات إنه كلما أتقن الإنسان لغته الأولى، أو ما يعرف باللغة الأم، كان أكثر قدرة على إتقان لغة أخرى حينما يبدأ بتعلمها بشكل صحيح. ويرى الباحثون أيضاً أنه من أجل تعلم لغة ثانية، فإن إتقان اللغة الأم هو طريق جيد إلى ذلك. وحتى نبسط المسألة أكثر، فإن من يتمكن من إتقان اللغة العربية بجميع مهاراتها، يكون على الأرجح أكثر قدرة على إتقان اللغة الثانية، ولنقل هنا اللغة الإنجليزية مثلاً.

وإذا ما سلمنا بأن إتقان اللغة يكون عن طريقين لا ثالث لهما؛ الأول هو الاكتساب، أي تعلم اللغة منذ الصغر عن طريق الأبوين أو من خلال الاحتكاك المباشر مع من يتكلمون اللغة، وهو ما يؤدي إلى الإتقان من دون معرفة القواعد والقوانين النحوية والصرفية بشكل مفصل، والطريق الثاني هو التعلم، من خلال دراسة المفردات والتركيبات والقواعد في مرحلة تأتي بعد اكتساب اللغة الأولى، إذا ما سلمنا بذلك، فإنه يمكننا القول إنه من المهم جداًّ أن يقضي الفرد وقتاً أكثر في قراءة الكتب والقصص والمقالات بلغته الأولى، وأن يتعلم من قراءته تلك أساليب التفكير والاستنتاج والسرد واستخدام علامات الترقيم وغير ذلك، فكل تلك مهارات يمكن نقلها إلى اللغة الثانية بدرجة كبيرة.

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان الاعتقاد السائد هو أن تأثير اللغة الأولى على اللغة الثانية غالباً ما يكون تأثيراً سلبياًّ، وهو ما عُرف بتأثير اللغة الأم الذي يؤدي إلى الترجمة المباشرة. بمعنى آخر، كان الاعتقاد هو أن تأثير اللغة العربية على تعلم اللغة الإنجليزية -مثلاً- هو أن المتعلم سوف يستخدم التركيبات في كتابة أو نطق اللغة العربية في اللغة الإنجليزية، مما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء مضحكة وفادحة في اللغة الثانية. ومع صحة هذا الأمر إلى حد كبير، إلا أنه يمكن كما قلنا أن يكون للغة الأولى تأثير إيجابي وبالغ في تعلم اللغة الثانية، من خلال نقل المهارات الذهنية التي ذكرتها، كالتفكير الناقد والاستنتاج والتحليل وحتى ربط الأحداث وتسلسلها في حال الكتابة باللغة الثانية أو التحدث.
 

أخبار الخليج