أ. ربا الحاج
قراءنا الأعزاء، قد تستغربون من صورة اليد وما علاقتها بموضوعنا اليوم، لقد استخدمت ما يسمى بـ "الإيموجي" للترحيب بكم، و"الإيموجي" (لمن لا يعرفها حتى اللحظة) هي رسوم تعبيرية ذات دلالات ومعان خاصة، تستخدم اليوم وبشكل واسع جداً كوسيلة لإرسال رسائل معينة بدلاً من الكتابة، ولقد عنيت أن أبدأ بها موضوعي اليوم لأستثير انتباهكم لأهمية ما هو قادم، وما بتنا نحن ولغتنا العربية مقبلين عليه داخل الإنترنت.
ولنبدأ موضوعنا يجب أن نؤكد على أن الإنترنت بكل صورة وأشكاله من مواقع ووسائل للتواصل الاجتماعي وبرمجيات وغيرها بات شغل العالم الشاغل، حيث أصبحت سهولة الوصول للإنترنت وتوفرها إحدى معايير قياس تقدم الدول، وأصبح الاعتماد على الإنترنت جزءاً أساسياً لتسيير عجلة الاقتصاد والتعليم والتنمية المجتمعية، لكن -وكما هي حال كل الأشياء – تظهر بعض السلبيات التي تنتج من سوء الاستخدام ومن قلة الوعي والإدراك لأهمية منافع وميزات الإنترنت، ومن هنا سأركز طرحي اليوم حول ظاهرة باتت تؤرق كثيراً من المعنيين باللغة وعلومها، ألا وهو الأسلوب المستحدث للتخاطب بين مستخدمي الإنترنت، والذي انتشر بكثرة داخل مواقع التواصل الاجتماعي، و مدى تأثيره على لغتنا العربية وهويتنا وقيمنا التي نحملها، ثم سأستعرض معكم الهوة التي باتت تتسع كل يوم بين الأجيال والتي كانت إحدى عواملها هذه الأساليب المستحدثة للتخاطب والمستخدمة على الإنترنت.
لا بد أن الكثير منكم لاحظ ظهور هذا الأسلوب الجديد في التخاطب، والذي يؤسفني أن أطلق عليه "بالعربيزي" كما يحلو للبعض تسميته، وهو أسلوب يمزج بين الكلمات العربية والإنجليزية في الكتابة دون ضرورة لغوية لذلك، أو حتى يستخدم الحروف الإنجليزية لكتابة الكلمات العربية، أو الحروف العربية لكتابة الكلمات الإنجليزية، وهذا الأسلوب جمله مختصرة جداً، وفي كثير من الأحيان حتى الكلمات يستعاض عنها باختصارات – أو صور تعبيرية- لا نعلم أصلاً لها ولم تدون في قواميس اللغة، هذا الأسلوب لا يراعي قواعد إملائية ولا نحوية، وهو أيضاً يستعيض عن الكلمات برموز مثل "الإيموجي"، وقد يكون الرد على رسالة طويلة في بعض الأحيان صورة تعبيرية من "الإيموجي" فقط، وهذه الصورة –من منظور مرسلها-تغني عن الكثير من الكلام غير الضروري.
ويعتبر هذا الأسلوب في التعبير مفهوم نسبياً لمستخدميه، لكنه مبهم وغريب جداً لمن يعيش خارج الإنترنت، وتكمن المشكلة هنا في اتساع رقعة استخدام هذا الأسلوب المستحدث في الكتابة، مما جعله أحد أسباب ضعف قدرة من يستخدمها على التعبير الكتابي بطريقة صحيحة، وبتنا نرى طلاباً من مختلف المراحل الدراسية لا يستطيعون استخدام اللغة في التعبير، ويضيق صدرهم من كتابة موضوع تعبيري حول موضوع معين ويكتفون ببضع أسطر أو كلمات مستخدمين نفس الأسلوب الكتابي الذي تعودوا عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ضعف قدرتهم على فهم النصوص العادية لضعف حصيلتهم اللغوية واختلاط المفردات ومعانيها عليهم، ولا يطيقون صبراً على قراءة مقال أو خبر من مجموعة من السطور لتعودهم على السرعة والاختصار، ناهيك عن ضعف قدرتهم على تذوق الأدب والاستمتاع بروعة اللغة وفهم الصور البيانية، نحن هنا لا نزعم أن أسلوب "العربيزي" هو السبب الوحيد في ضعف الطلاب في اللغة، لكن سهولة استخدامه وقصر تعبيراته وعدم وجود قواعد لغوية له كانت عاملاً مهماً في عزوف الطلاب عن اللغة وبيانها وبلاغتها.
وقد كان تأثير هذا الأسلوب المستحدث في التخاطب واضحاً من حيث تأثيره على هوية من يستخدمه، فاللغة هي مفتاح التعبير عن الهوية، وحين تضعف أو يحدث فيها التباس فإن هوية صاحبها تضعف يقيناً، وهنا أطرح هذا التساؤل: أي هوية يحمل من يستخدم هذا الأسلوب في التخاطب، هل هي هوية عربية أصيلة يعتز بها ويعبر عنها في المحافل المختلفة ويخاطب بها غيره من أجناس الأمم، أم يستخدم لغة التخاطب المتداولة على الإنترنت؟ وهل ستساعده هذه اللغة بأساليبها الضعيفة ومصطلحاتها الغريبة في إيصال فكره ومبادئه وقيمه وتأهله لحفظها ونقلها للأجيال اللاحقة؟
هذه اللغة المستحدثة أصبحت عائقاً أساسياً في التواصل بين الأجيال المختلفة، فحين يرسل لي أحد أبنائي على سبيل المثال رسالة عن طريق أحد برمجيات التواصل عبر الإنترنت، أحتاج -في الكثير من الأحيان- جهداً لفهما أو استيعاب مقصدهم بشكل دقيق، ولو حاولت أنا استخدامها معهم تعلو ضحكاتهم وتعليقاتهم عن ضعفي في اللغة وعدم قدرتي على التعبير أو استخدام الرموز في أماكنها الصحيحة، مما يوقع اللبس واختلاط الفهم في أغلب الأوقات، وكأني أنا من بات لا يعرف اللغة وضبطها وليس هم، وفي كثير من الأحيان يعجز الكثيرون ممن يستخدم اللغة الصحيحة في التعبير عن مجاراة من يستخدم لغة التواصل على الإنترنت وذلك لأنها لا تمثل في الأصل لغة بالنسبة لهم، ولا تكفي للتعبير عنهم ولا عن الفكرة التي يريدون إيصالها، لذلك يفضل كل من الفريقين التواصل مع أقرانه بشكل عام، وذلك ليقينهم بقدرتهم على فهمهم بلغتهم وأسلوبهم هم، وهكذا ضعف التواصل بين الأجيال، وضعف معه نقل الخبرات والمعارف.
لذلك نحتاج هنا وفي هذا الوقت إلى وقفة تقويمية لمثل هذه الأساليب الدخيلة على اللغة، والتي تظهر اللغة العربية لمستخدميها معقدة وذات قواعد يصعب فهمها وتطبيقها مقارنة بالأساليب التي لا تحمل قواعد أو مفردات أو حتى هوية، ولا بد أيضاً من توعية واسعة النطاق لدعم التواصل بلغتنا الأم والتي تحمل هويتنا وفكرنا وإرثنا العربي والإسلامي، كل هذا "حتى لا يضيع ما بقي من لغتنا الغالية".
الشارقة 24