مبدعون: اللغة تكشف عن طبيعة شخصيات العمل الأدبي

عمر أبو الهيجاء

 

ينحاز كثير من الروائيين إلى استخدام اللغة المحكية باعتبارها لغة التخاطب الحية والمقتربة من الواقعية أكثر من قيود الفصحى التي تتعامل مع المشاهد البسيطة بحوارات مفتعلة وبعيدة التأثير، فيما يرى بعض الكتاب بضرورة الإبقاء على لغة الحوار الفصيحة..

«الدستور» التقت نخبة من المبدعين، وتساءلت أمامهم: هل استخدام اللهجة المحكية مع الفصيحة يخدم النص الروائي أم لا؟ وكذلك هل هو عجز الكاتب في تطويع مهاراته اللغوية؟ فكانت الرؤى الآتية..
د. زياد أبو لبن
أرى أن استخدام اللغة المحكية أو اللهجة المحكية في الحوار الروائي يأتي حسب الشخصية، فإن كانت شخصية عامية فلا بدّ من استخدام اللهجة العامية، وإن كانت شخصية مثقفة أو متعلّمة فلا بدّ من استخدام اللغة الفصحى، فالذي يحكم اللغة هو قدرة الكاتب على استخدامها استخداماً صحيحاً وموفقاً على ألسنة الشخصيات، وإن كانت بعض اللهجات في أقطار عربية تغلق الفهم على القارئ، ولا يستطيع تبين معناها، فهناك مفردات أو كلمات متداولة في هذا القطر أو ذاك تحمل خصوصية مغلقة في دائرة ضيقة، وهذا يدفع بالكاتب إلى توضيح معناها في حواشي الرواية، وهناك لهجات متداولة عربياً، مثل اللهجة المصرية؛ ما يجعلها سهلة الفهم، وهناك لهجات تقتصر على ناطقيها، وهي صعبة الفهم.
ونحن نعلم أن اللغة تكشف عن طبيعة الشخصية وحركتها، وتقترب من الواقع، بل هي إيهام للقارئ، كي يستطيع سبر أغوارها النفسية والاجتماعية وغيرهما، واللغة تعكس بيئة الشخصية وثقافتها وحركتها داخل العمل الروائي، وهذه القضية ليست بجديدة في طرح النقاد العرب، فمنهم من هو متشدد ومنهم من هو متحرر، أو من هو متزمت ومن هو متحرر، أو من هو تقليدي ومن هو مجدد، فلا يستطيع أحد حسمها تماماً، فالاختلاف وارد في القضايا العامة في الحياة، وليس على مستوى اللغة فقط، لذلك نترك للكاتب الروائي حريته في استخدام لغة الحوار على ألسنة الشخصيات، وبعدها نستطيع الحكم على قدرته ونجاحه.
الروائي يحيى القيسي
أولا لا أجد أن بعض الكتاب التقليديين هم من يرون أن لغة الحوار يجب أن تبقى فصيحة، فالحوار يجب أن ينسجم مع الشخصيات وطبيعة السرد والأجواء، وللروائي الحق في اختيار ما يجده مناسباً، فقد يرى أن اللغة الفصيحة قادرة على نقل خطابه، ورؤية الشخصيات بكل سلاسة، وقد يرى أحيانا أن يخلط الفصيحي باللهجة المحكية، وأحيانا كثيرة يرى أن تكون حواراته فقط باللهجة المحكية حسب طبيعة الشخصية وبلدها.
لا أرى في استخدام اللهجة المحكية عيباً ولا في الإغراق في الفصيحة عيبا كذلك، يجب على الروائي أن يقدر الأمر، ويختار بشكل صحيح، ولقد قرأت روايات مصرية وتونسية على سبيل المثال مغرقة بالعامية، وتحتاج لمن لا يعرف اللهجتين إلى شروحات للمفردات، ولكن هذه الروايات كانت ناجحة في بلدها وفي الخارج، وأحيانا يجد القارىء أن اللهجة مقحمة على السرد، ولا ضرورة لها، ولا طعم بل على العكس تساهم في إضعاف الشخصيات، وجعلها هزيلة.
بالنسبة لي فأنا أتجنب الحوارات باللهجة المحكية الأردنية قدر الإمكان إلا إذا كانت الأجواء كلها مناسبة للشخصية لكي تعبر بعفوية وحرية، وغالبا ما أتجنب الحوارات الطويلة وأعتمد أساسا على المونولوج الداخلي الذي يقتضي غالبا العربية الفصيحة.
الروائي قاسم توفيق
لا أتفق مع الرأي الذي يدعيّ بأن الروائي يعجز عن تطويع مهاراته اللغوية. لأنه من غير الممكن أن يوجد روائي حقيقي لا يقدر على تطويع مهارات اللغة. الحديث هنا عمن هو في الأساس ليس روائياً. فمع هبّة الرواية عربياً وعالمياً، أضحى هدف كل المعنيين في القراءة؛ كتابة الرواية. من هنا نشات الأزمة ليس في استخدام اللغة وحسب بل في كل مقومات الرواية أيضاً. إن اشكالية استخدام العامية ليست محدثة. أعتقد أن الروائيين الكبار عالمياً وعربياً قد استنجدوا بالعامية لأنقاذهم من تطويل الشرح لفكرة ما. لكنهم احتموا بالاختصار، والتقليل، وفي التوضيح، سواءً في الهوامش أو في النص ذاته.
في اللغة العربية قيم جمالية خاصة، ما يعنينا منها هنا الاشتقاق، فالاشتقاق في اللغة جاء لتعميق فهم اللغة الفصحى، ومن ثَمَ فهم كلام الشارع. فالأصل في اللغة المحكية جاء بالضرورة من تطور أشكال الحياة، إذاً لا بد من وجود أصل فصيح للفظة عربية «عامية»، فلا يعد أمام الكاتب إلا أن يفتش عن هذا الأصل.
الكتابة العامية الخالصة فكرة لم تصنعها مسائل فنية أو ابداعية، بل جاءت لتكريس هوية اقليمية أو طائفية، وهي محاولة مخلصة للأنشقاق عن العربية، وبالتالي عن مفهوم العروبة.
تشكل هذا المبدأ كردة فعل أمام الهزائم التي لا تتوانا تحط على الإنسان العربي، وكنتيجة لقصر نظر في فهم التاريخ والحاضر. لذلك تجد أن كتّاب العامية ليسوا مشغولين في القارئ العربي بل في القارئ المحلي فقط. أنا ممن يميلون كثيراً لاستعمال العامية في رواياتي عندما أجد نفسي محشوراً في زاوية تفرض عليّ ذلك لتوصيل الفكرة. وحتى بهذا الأستعمال أظل محافظاً على الفصحى، فأكتب لغة يظن القارئ لأول وهلة أنها عامية، لكن عند التحقق منها يجد أنها عربية فصحى.
إن الهدف من القراءة معرفي وجمالي، واللغة عنصر أساس في تجميل العمل الأدبي.
 

الدستور