لماذا الحرب على اللغة العربية وأرقامها؟

د. علي معطي

 

لكل أمة شخصيتها التي تتميز بها عن الأمم الأخرى، ومن مقومات هذه الشخصية: لغتها وتاريخها وتراقها وثقافتها وقيمها... 

والأمة التي لا تحافظ على هذه الشخصية وهذه المقومات، تكون أمة مريضة ومتخلفة وفاقدة للثقة بنفسها وبطاقات أبنائها وبقدراتها الذاتية الكامنة في كيانها ووجودها، كما تكون معرضة للضعف والزوال أو الذوبان في أمة أخرى، تقلدها في مأكلها ومشربها وملبسها، وفي عاداتها وتقاليدها، وفي ثقافتها ولغتها وقيمها...
هذا ما نجده في أمتنا العربية عامة وفي شعب لبنان خاصة، حيث نجد اللبنانيين يلهثون وراء الغرب، يقلدونه في كل شيء، في ايجابياته وسلبياته، في حسناته وسيئاته، حتى باتوا في ضياع شديد، خائفين، يعيشون في فوضى عارمة، لا يتقون بما لديهم من إمكانيات، وما يقومون به من أفعال، وما يملكون من أشياء، حتى بات المثل الدارج عندهم «كل شي افرنجي برنجي” هو القاعدة الأساس لتصرفاتهم وسلوكهم، فالتاجر الصغير والتاجر الكبير، في القرية أو في المدينة، يكتب على باب دكانه أو مؤسسته التجارية باللغة الأجنبية، لاعتقاده أن الكتابة باللغة الأجنبية تجذب الزُبُن أكثر من الكتابة باللغة العربية، متناسياً أن ما يجذب الزبونات، ليس كلاماً يقال أو حرفاً يكتب أو لغة تُقلد، إن ما يجذبهم، قبل كل شيء، هو الصدق في المعاملة والجودة في السلعة.
وكذلك يفعل الحرفي أو الصانع الذي يملك معملاً، فإنه يروج لمصنوعاته بالكتابة عليها باللغة الأجنبية، فيكتب على سلعته التي صنعها بنفسه، أنها من صنع إيطالي أو فرنسي أو الماني أو ياباني أو أميركي، وهكذا حتى بتنا نشعر وكأننا ننتمي إلى أمة من أمم أوروبا أو اميركا أو غيرها.
إضافة إلى ذلك فقد بلغ مركب النقص عندنا مبلغاً باتت فيه الأجيال الجديدة تكتب الكلمات العربية بالأحرف الأجنبية، وتخجل من استخدام كلمات مثل: صباح الخير، ومساء الخير، والسلام الخير، والسلام عليكم، ويعطيك العافية... مستعملة مكانها كلمات أجنبية (فرنسية أو انكليزية) مثل: هاي (Hi) وباي (Bye) وبونجور (Bonjour) وبونسوار (Bonsoir).
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا أمة مهزومة ومذلولة، تشعر بالصغار والهوان أمام أعدائها، حتى أصبح قول ابن خلدون «إن المغلوب يقلد دائماً الغالب...» قولاً ينطبق على واقعنا وحياتنا بالتمام والكمال.
هذه الإنهزامية وهذا التقليد الأعمى لأعداء الأمة، لا ينسجمان أبداً مع مكانة العرب ودورهم في تطور البشرية وتقدمها، ليس في العصور الإسلامية وحسب، بل منذ أن وُجد الإنسان على وجه الأرض. ذلك أن الإنسان العربي هو أول من سكن الأرض وعمرها، فكانت الكعبة الشريفة أول بيت وضع للناس في مكة وهي البيت العتيق الذي بناه آدم (ع)، وأعاد النبي ابراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام)، بناءه بعد طوفان نوح (ع)، ولهذا أُطلق على بلاد العرب مصطلح «العالم القديم».
والعرب هم الذين وضعوا أسس علوم الهندسة، وخاصة هندسة العمارة والسدود وأعمال الريّ، وعلوم الفلك والطب والأنواء الذي هو علم الظاهرات الجوية والمناخ...
وكانت أرض العرب مكان ظهور الأنبياء والشرائع السماوية، والشرائع الوضعية التي سنها البشر قديماً: كشريعة أورنانمو، وشريعة لبيت عشتار ملك إيسن، وشريعة شنونا، وشريعة حمورابي.
كما كان العرب هم الذين كتبوا العربية بالأحرف الأبجدية الهجائية، التي كان الكنعانيون أول من استعملها في التدوين والمراسلة، وهي الحروف التي اكتشفت في شبه جزيرة سيناء، ونقلها هؤلاء إلى بلاد اليونان، ونقلها الآراميون إلى بلاد الهند واواسط آسيا. وأطلق على هذه الحروف كتابة طور سيناء أو الأبجدية السينائية. وهي حلقة وصل بين الهيروغليفية التصويرية والأبجدية. وقد عُثر عليها في المعبد المصري القديم عند مناجم الذهب في شبه جزيرة سيناء. ووُجد عدد من هذه النماذج بالأحرف نفسها في مواضع أخرى من سيناء. كما وُجد منها أيضاً في جنوبي فلسطين، وقد كتبت هذه النماذج باللهجة الكنعانية القديمة.
ويؤكد خبير اللغات «دايرنجر» أن مصدر اختراع الأبجدية اللاتينية يرجع إلى منطقة فلسطين وسوريا وهي تنفرد بين جميع مناطق الشرق الأدنى في هذا الاختراع الذي يُمثل شبه جسر بين حضارتي مصر وبلاد ما بين النهرين، كما يؤكد الدكتور إسرائيل ولفنسون أن الخط الكنعاني (الأبجدية الهجائية) هو من صنع الكنعانيين واختراعهم وحدهم. لأنه لا دليل مطلقاً على وجود أبجدية هجائية من هذا النوع عند غيرهم من الأمم.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن هذه الانهزامية وهذا التقليد لا ينسجمان أيضاً مع مكانة اللغة العربية التي تملك جميع خصائص الخلود والهيمنة على اللغات الأخرى. وقد اكتشف هذه الخصائص فريق من العلماء الغربيين الذين لم يكن بينهم سوى عالم عربي واحد، يُدعى الدكتور سعيد الشربيني من جمهورية مصر العربية.
بدأ هذا الفريق عمله عام 2003 في جامعة لندن «قسم علم اللغة الكوني» حيث كانت اللغة العربية تشكل قسماً فه، يعرف بإسم «قسم اللغة الأم» فقام بدراسة لغات العالم، ليتعرف على مراحل نشأتها وشبابها وشيخوختها، وأسباب موتها وبقائها واستمرارها. ومن النتائج التي توصل إليها هذا الفريق، أن غالبية اللغات الآن، تحمل في ذاتها عوامل فنائها وموتها إلا اللغة العربية. فهي لغة خالدة لخلود القرآن الكريم إلى قيام الساعة. وأنه في نهاية هذا القرن لن تبقى من لغات العالم الحية، التي تصل إلى 601  لغة، سوى ثلاث لغات: اللغة العربية واللغة الإنكليزية واللغة الصينية.
هذا ما دفع بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية إلى استخدام اللفة العربية، إلى جانب اللغة الإنكلزية، في تدوين الأبحاث والدراسات والوثائق والمعاهدات الدولية، كي تكون متاحة أمام الأجيال القادمة.
كما دفع أعضاء الكونغرس الاميركي إلى اتخاذ قرار يقضي باستخدام اللغة العربية واللغة الإنكليزية في كتابة صيغ التحذير على معلبات وصناديق المخلفات النووية التي تُلقى في أماكن غير مأهولة بالسكان في أميركا، والتي يتوقع الأميركيون أن يمتد إليها العمران البشري بعد مائة عام،
وإضافة إلى ذلك فإن جامعات عريقة كثيرة، كجامعة طوكيو، بدأت مؤخراً تعتني باللغة العربية عناية خاصة، فتكتب بها وتدرسها لطلابها وتترجم الكتب إليها.
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على اعتراف ضمني من هؤلاء جميعاً، بخلود هذه اللغة وتفوقها على غيرها من اللغات كالانكليزية والفرنسية وغيرها.
وهنا أتساءل ما هو موقف الدول والجماعات والأفراد الذين أعلنوا هذه الحرب على لغة الضاد، من هذه الحقائق الدامغة التي توصل إليها الفريق العلمي الغربي الانكليزي، الذي يدرس لغات الكون قاطبة بموضوعية ودون تحيز؟.
ومع هذه الحرب المعلنة والمفتوحة على لغة الضاد، هناك حرب ثانية أيضاً على أعداد وأرقام هذه اللغة من الجهات نفسها. وقد تأثر بها وسار وراءها عدد كبير من المسؤولين والكتاب والباحثين في بلادنا، زعمين أن الكتابة الصحيحة للارقام هي كما تُكتب باللاتيني أو الفرنسي أو الانكليزي، وأن أصلها ومصدرها الحضارة الهندية القديمة أو غيرها. فلم يكتف هؤلاء باستخدام الأرقام اللاتينية الموجودة على الهواتف الثابتة والمحمولة، وعلى الوسائل التقنية الحديثة المستوردة من الخارج، بل عمومها على الإدارات الرسمية والمؤسسات والشركات، وعلى لوائح السيارات الصغيرة والكبيرة، وألغوا كلياً أو جزئياً الكتابة بالأرقام العربية.
فنحن نقول لهؤلاء إن الحقائق العلمية تُثبت أن العالم القديم كان هنا في بلاد العرب، وأن الحضارة العربية ولغتها وأرقامها هي السباقة لكل الحضارات واللغات والأرقام، ومن بلاد العرب انتقلت الأرقام العربية والأحرف الهجائية إلى بلدان العالم: إلى اليونان والهند والصين، والى عموم قارتي أفريقيا وأوروبا.
ونقول لهؤلاء أيضاً إننا إذا عدنا إلى القرآن الكريم والكتب العربية القديمة، والكتب العربية التي صدرت في العصور الإسلامية، نجد الأرقام العربية وليست اللاتينية. ثم ألا يكفي أن يكون القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، منذ أكثر من 1450 عاماً، دليلاً على ما نقول؟.
إن سور القرآن الكريم ترقم بالأرقام العربية، وأن أرقام الآيات، في كل سورة من سور القرآن الكريم، تُكتب بالأرقام العربية. وهل يتجرأ أحد من المسلمين وغير المسلمين على تبديل حرف من أحرف آيات القرآن الكريم، أو تغيير رقم من أرقام آياته وسوره. فإن لم يحفظ المسلمون كتاب الله من التحريف والتبديل، فإن الله تعالى حافظـه ومانعه إلى يوم يُبعثون. فلذا أقول لأهل الحل والعقد، ولأصحاب الأقلام المغرضة، لا تشوهوا التاريخ، وتقلبوا الحقائق رأساً على عقب. وحافظوا على لغتكم وأرقامها، وعلى تراثكم وتاريخكم، فمن لا تاريخ له لا وجود له، ولا تكونوا، كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، «إمعة إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا».
 

اللواء