الضامن الوحيد

د. أحمد عبد التواب شرف الدين

 

لدى مجموعة من الاقتراحات للحفاظ على اللغة العربية «لغتنا الجميلة» وأوجزها فيما يلى:

أولا: الإسراع بوضع خطة قومية مشتركة للارتقاء والنهوض بها والدفاع عنها فى مواجهة دعاوى التغريب، وانتشار اللغات الأجنبية فى كثير من المؤسسات الأكاديمية والأوساط العلمية والاجتماعية، وإيجاد وسائل مبتكرة وفعالة لإحياء حب وتعلم لغتنا للنشء فى مختلف الأوساط، وتعريب العلوم التكنولوجية والهندسية والطبية المتقدمة، والتعامل باللغة العربية كلغة أساسية فى المحافل والمؤتمرات، والارتقاء بالمستوى الاجتماعى والمادى لأساتذتها جنبا إلى جنب مع زملائهم ممن يتقنون اللغات الأجنبية، ولابد من العمل على تنشيط جهود مجمع اللغة العربية لكى يضع بين أيدى المعنيين البدائل العربية للمصطلحات الأجنبية التى تشيع بينهم، لأنه إذا لم يتوافر البديل، فإن استخدام اللغات الأخرى سيصبح خيارا وحيدا، الأمر الذى يتعارض مع دعوات الالتزام بالفصحى بشكل يتعذر احتواء تداعياتها.

ثانيا: على مجمع اللغة العربية العمل على تطوير اللغة المستخدمة تطويرا يتناسب مع المستحدثات التى تدخل إلى العصر من مصطلحات جديدة أو مستحدثات فى مجال الابتكارات الالكترونية، وغيرها، ولاشك أن المخترعات الجديدة تظل حاملة الأسماء الأصلية لها التى أطلقها عليها مخترعوها إلى أن يطلق المجتمع الذى يستخدمها لفظا محليا عليها، وربما نجد فى مجتمعنا العديد من الابتكارات لاتزال تحمل الأسماء الأجنبية على الرغم من وجودها بيننا منذ فترات طويلة كانت كفيلة بتوفير المصطلحات البديلة للأسماء الأجنبية.

ثالثا: تشجيع غير الناطقين بالعربية على تعلمها وتشجيع الصغار على تناول مفرداتها الجميلة بالبحث والاستخدام، ووضع شروط للعمالة المستقدمة من مجتمعات لا تستخدم لغتنا، بأن تكون إجادة اللغة العربية شرطا للحصول على الوظائف، أيا كان نوع الوظيفة، والتفكير فى إنشاء فصول لتعليم اللغة العربية للكبار أيضا، وتكون مهمتها منح شهادات إتقان اللغة العربية على أصولها، وعلى جهات التوظيف، الالتزام بهذا الشرط.

رابعا: وضع استراتيجية إعلامية تحقق هدفها فى الحفاظ على اللغة العربية على نحو أفضل، وفى وقت أقصر، مع توافر إرادة قوية لذلك فثمة دول دافعت عن لغاتها بما أصدرته من قوانين، كما حدث فى فرنسا مثلا، وهذه خطوة مهمة دون شك، يكملها أن تتمسك السلطات الإعلامية، باللغة الوطنية، وأعنى أن تقدم النموذج الذى يحتذيه الناس، ومن ثم يتربى عليه المجتمع، فالرسالة الإعلامية التى تتوجه للملايين من الناطقين باللغة العربية لابد أن تتضمن لغة سليمة، لأن الإعلام هو الذى يقود اتجاه الثقافة فى المجتمع مع ضرورة وجود جهة رقابية تتابع استخدام اللغة فى اللافتات الإرشادية والتجارية الموجودة فى الشوارع، أو غير ذلك من المطبوعات ذات الطابع التجارى.

خامسا: إعادة صياغة المناهج الدراسية بشكل يحافظ على مضمون اللغة والاهتمام بتضمينها النصوص القرآنية ثم الأدبية، مثل القصة والقصيدة الشعرية، وغيرهما من النصوص التى تسهم فى تقريب اللغة إلى أذهان الصغار، كما يجب اختيار المدرسين الصالحين لتدريس اللغة العربية، وإصدار تشريع يقضى باستخدامها فى المكاتبات الرسمية بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية بهدف حماية اللغة من الاندثار، وتعريب السوق واشتراط التعامل بالعربية فى المصارف والشركات الخاصة العاملة فى الدولة، من منطلق أن اللغة الرسمية هى العربية.

إن الدول التى تعتز بهويتها لا تدرس اللغات الأجنبية بصفة عامة، إلا فى أقسام اللغات والمستويات الجامعية، وأمامنا نماذج لدول مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وكلها نماذج ناجحة، فهل أدت طريقتها فى الحد من استعمال اللغة الإنجليزية إلى تخلفها؟.

وما كان غضب الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك حينما سمع وزيرا فرنسيا يتحدث الإنجليزية أمامه إلا انعكاسا لفهمه أهمية الحفاظ على لغته الفرنسية، ولن أنسى ما حييت منذ أن كنت طالبا بالجامعة كلمات شيراك إذ قال وقتذاك. «لقد طعنت فرنسا اليوم فى شرفها!»... إن رسالته أشبه بنداء استغاثة، فلغتنا الجميلة هى أساس الوجود، فهى تمثل الهوية الحضارية والثقافية، ولهذا يجب أن نحافظ على الأمن اللغوى والأمن المعرفى، وأن نتمسك جميعا بها لأنها الضامن الوحيد للابقاء على هويتنا وثقافتنا.
 

الأهرام