
تدمير شامل
د. مينا بديع عبد الملك
تعريب التعليم يضر الوطن ولى تجربة حقيقة فى هذا الأمر فى يناير 1996 توجهت إلى جامعة أربد بمدينة اليرموك فى الأردن بدعوة من اليونسكو لحضور ندوة لمدة ثلاثة أسابيع فى موضوع «رياضيات الحاسبات» وحضر الندوة عدد من أساتذة الرياضيات وعلوم الحاسب من الأردن ولبنان وسوريا والعراق، وكنت المصرى الوحيد بينهم وكانت جامعة «أربد» قد أعدت لنا إقامة طيبة جدا فى مساكن أعضاء هيئة التدريس، وتضم كل شقة حجرتين وصالة استقبال وحماما ومطبخا، فجاء سكنى مع زميل سوري، وكنا نحضر الندوات التى يلقيها أساتذة من سويسرا وفرنسا فى الصباح، وبعد عودتنا فى المساء كنا نأخذ قسطا قليلا من الراحة ثم نخرج سويا، ونتجول بالجامعة، ونتحدث فى أمور شتي، لكنى لاحظت أن صديقى السورى لا يشترك معنا فى الحوارات، ويظل قابعا فى حجرة الاستقبال بالشقة التى نقيم بها، فسألته عن سبب ابتعاده عنا؟ فأخبرنى بأنه ملتزم بترجمة كل الكتيبات التى تم توزيعها فى الندوة إلى اللغة العربية!! فسألته هل تعرف الإنجليزية؟ فقال لى أن التعليم كله فى سوريا باللغة العربية!! فسألته كيف تقوم بترجمة الكتيبات التى معنا إلى اللغة العربية؟ فقال لي: أن معه قاموسا ويقوم بالترجمة كلمة كلمة!! يا إلهى على تلك المشقة، وبالتالى فإنه طوال وجوده فى الندوات لم يتابعها، وبالتالى أصبحت اللغة عائقا فى تقدم العلوم والاتصال بالعالم كله. أن الطفل الصغير لديه إمكانية أن يتقن عدة لغات فى سنه المبكرة، ثم تزداد موهبة اللغة لديه عندما يتقدم فى مراحل التعليم المختلفة، فتلاميذ المدارس الألمانية فى مصر يتقنون الألمانية والإنجليزية وتلاميذ المدارس الفرنسية يتقنون الفرنسية والإنجليزية، وتلاميذ المدارس الإيطالية يتقنون الإيطالية والإنجليزية، وأعرف مجموعة من خريجى كلية الهندسة لم يتمكنوا من دراسة اللغة الانجليزية بدقة، ولذلك يجدون صعوبة بالغة فى مطالعة البحوث المنشورة باللغة الإنجليزية، وليس لديهم مقدرة على السفر إلى الخارج لحضور مؤتمرات علمية أو الاشتراك فى أى نشاط اكاديمى دولي، إن قيمة خريجى الجامعة الأمريكية بالقاهرة تكمن فقط فى أتقانهم للغة الإنجليزية، أما بقية العلوم، فكل الجامعات المصرية تقوم بتدريسها بكفاءة عالية، وما يحدث حاليا فى التعليم الحديث هو تدمير شامل للتعليم المصري، ولن يكون هناك أى مستقبل للتعليم فى مصر.
الأهرام
|
|
|