الْعَرَبِيَّةُ فخر اللُّغة والآلة

أ. عبد العزيز المساوي

 

لماذا اللغة العربية؟

بعيدا عن لخبطة البعض، وهذيان البعض الآخر ممن حركتهم اليوم استفزازات حفنة من المتفرنجين، الفرنكوفونيين المتربصين باللغة العربية في بلاد العرب وما يكنون لها من عداء خولتهم مناصبهم ومواقع مسؤوليتهم المزورة آليات لتنزيل الكيد وسيادته "و يمكرون ويمكر الله"، هؤلاء الذين يكتمون في سابق الزمن عداءهم للغة العربية، فما عادوا يخفونه اليوم لما يشهده العالم العربي من ترد وانحطاط اجتماعي واقتصادي وسياسي، حتى الأخلاقي، يرى فيه رجال التغيير المنشود بداية النهاية المفعمة بالأمل، وبعيدا عن التغريدات المأجورة لأبناء هرتزل، والذين تبوؤوا من مناصب المسؤولية في البلدان العربية، ما له بالغ التأثير في مجال التعليم والتربية. بعيدا عن كل هذا، لماذا تُسْتَهْدَفُ اللغة العربية؟
والتاريخ يشهد أن العلاقة بين معاداة الوحي ومعاداة اللغة العربية وطيدة منذ زمن بعيد، فكثير من العجم والمسخرين من العرب من حاربوا العربية كلغة على امتداد الأربعة عشر قرنا الماضية، لما لها وما معها من تعظيم وتشريف كما سنرى بعده. 
فإلى زمن قريب نجد ما فعله كمال مصطفى في تركيا للمسلمين من فرض للأذان باللسان التركي بدل العربي، وغير ذلك من إجراءات كثيرة مست اللغة العربية تزييفا منه للهوية المسلمة بمساعدة ـ بلطجيي ـ الفكر العلماني ورواده كالمسمى إسماعيل حقي الذي دفعته جرأته العدائية بعد ذلك إلى اقتراح إدخال الموسيقى في الصلاة، الشيء الذي استفز دعاة الفكر القومي العربي كساطع الحصري الإسطمبولي فاقترح في ردة فعل منه بعد فراره إلى سوريا جعل اللغة العربية صنما وثنيا يُعبد، تقليدا منه لإنجازات فخت الألماني المفكر المتعصب للغته. و بتوالي إجراءات كهذه للقوميين العرب ومن والاهم سيطر الهوى وساد ببلاد المسلمين، فسار هناك من يمجد العربية كلغة الضاد ومن يعتز بها ويفخر كونها لغة الوحي ووعائه، لما شرفها الله عز و جل به من أبدية لكلمته وخطابه الأخير للإنسان. 
فاللغة العربية، لغة الحكمة والرحمة بما عمَّها من روح القرآن، كانت ولا زالت وستبقى اللغة الوحيدة القادرة على حمل رسالة الله إلى هذا الإنسان الذي يدب على الأرض بما يريد تبليغه المُرْسِلُ وبما يخدم المرسَل إليه ويبنيه ويقويه في عالم ضائع أوجعته "الحداثة"، وساده العنف. 
وفي زمن كهذا الذي نعيشه اليوم، نشهد فيه ضحالة اللغة العربية بفعل المسخرين من بني جلدتنا، إذ لا تَمَسُّكَ بالجنسية أوالوطنية، ولا إخلاص لهما يمكن البَرهَنة عليه من دون إعلان الإخلاص للغة الوطنية العربية، فابن باديس الجزائري  كان يعبئ جماهيره بعبارته الشهيرة: "الإسلام ديني والعربية لغتي والجزائر وطني". لا كما يفعل من تقلدوا مسؤوليات في بلداننا من تفاخُرٍ بحملهم لجوازات سفر أجنبية، وجنسية غربية.
و هذه اللغة التي جاء بها محتوى القرآن الكريم المحفوظ من كل تزييف الخالي من الشوائب، المعجز، الغير قابل للترجمة ـ يقبل تأويلات فحسب ـ موجه إلى كل إنسان وفي كل زمان، فطوبى في نظر العقلاء لكل سعيد تنفذُ موسيقى الكتاب المحفوظ إلى قلبه لِما معه من العربية يُقَدِّرُه على قراءته وتدبره وفهمه واستيعابه للزومه، وفي كُلٍّ جزاء.
لهذا وغيره نجد المسخرين لأعداء اللغة والوحي من بني جلدتنا يُجدون ويَجتهدون لإضعاف الدين والتدين، بجعله حقلا من الحقول، حكرا على بعضٍ من العقول، بعيدا عن اللغة العربية وتعظيمها، الدافع لتعليمها وتلقينها بالوجه الصحيح، مقابل تشجيع مُقزِّز للهجات عامية لا يفهمها عموم العرب، محدودة مكانيا وموسوعيا. إذ متى التحم تمجيد اللغة أواللهجة بعيدا عن الدين بالعرق كما هو الحال في غالب بلاد القومية العربية اليوم، فذاك هو الخطر المحدق على الإنسان ومصيره. 
ليبقى السبيل الوحيد لمواجهته وتفاديه تعلم كل مسلم حريص على دينه حدا أدنى من القرآن الكريم بلفظه العربي المبين، لما لذلك من شعور روحي وسمو إيماني عظيم. ولذلك نجد القرآن الكريم الكتاب الأشد تحفيزا لقدرات الإنسان، والأدعى للتقدير والتقديس ، والأبلغ تأثيرا ليس بلفظه العربي ولغته العربية فحسب وما لها من خاصيات تميزها، بل بما حملته واستطاعت حمله هذه اللغة من الوحي ونوره و جلاله. حتى لا يُهْلكنا جهلنا باللغة العربية  أوالعجمة كما قال الحسن البصري رحمه الله فيما أخرجه البخاري في تاريخه الكبير: "إنما أهلكتكم العجمة"، تلك العجمة التي تحول دون البيان في فهم القصد النصي بخلاف اللغة العربية الآلة الخاصة بذلك، والتي يعتبرها الأصوليون جزءا من الدين بترديدهم عبارة أصولية شهيرة ـ جُزْءُ مَاهِيَّتِه ـ و ما لها من دلالات، فجعلوها شرطا من شروط الاجتهاد، فلا مجتهد من دون ضبطه اللغة العربية وإتقانها. ولنطالع بدقة واستجلاء معيار الإمام الغزالي رحمه الله بخصوص الحد الأدنى من علم اللغة الضروري للمجتهد عند المسلمين إذ يقول عنه: "إنه القدر الذي يفهم به الخطاب العربي، وعادتهم في الاستعمال حين يميز بين صريح الكلام، وظاهره ومجمله، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه ومقيده، ونصه وفحواه، ولحنه ومفهومه. وهذا لا يحصل إلا لمن بلغ في اللغة درجة الاجتهاد". ليكون هذا حصانة مما نحن فيه اليوم وما حذر منه سيد الخلق النبي العربي صلى الله عليه و سلم حين قال فيما رواه الإمام أحمد رحمه الله عن سهل بن سعد رضي الله عنه:" اللهم لا تدركني زمانا -أو لا تدركوا زمانا- لا يُتبع فيه العليم، ولا يُستحيى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب"، و شتان بين عجمة اللسان وعجمة القلب المقصودة  من الحديث.
حد أدنى من القرآن الكريم بلفظه العربي مُضاف إلى حد أدنى من التمكن في العربية، مع حد أدنى من التدريب الدربة على الاستنباط وتحقيق المناط، هذه مهمة سامقة لنظام التعليم الباني، الخادم لهذا الإنسان في كل زمان ومكان، وبرفع عتبة هذا الحد ببلداننا العربية وحده يمكن أن ينبغ مستقبلا في صفنا علماء و أفذاذ قادرون على الاستنباط والتدقيق ومتخصصون في العلوم البانية الخادمة لغاية الخلق والوجود. وذاك هو السمو الذي لا يطاوله سمو. إذ لبد من تعليم وتلقين العربية الفصحى للنشء من المهد إلى اللحد حتى  تعود لمكانتها المتميزة باستقلالها وانفتاحها على مختلف العلوم الكونية والمعلوماتية والتكنولوجيا، لتتقدم كافة اللغات في مجالات العلوم، فتعود لها الإمامة والريادة والسيادة، بعد كل هذه التبعية المؤلمة في عالم العلوم، فالواقع يشهد أن لها ما يؤهلها لذلك مما معها من ثروة وغنى لغوي.
وإلى ذاك الحين فالشعوب العربية لا زالت تعاني ما يسميه البعض بالسكيزوفرنيا الثقافية، أو انفصام الشخصية، لما يُراد لجامعاتها ومدارسها أن تُخرج من أرباع المتعلمين الدارسين بلغة عجمية صرفة لبعض العلوم أو العجمية المعربة وغيرها لأخرى، حتى نرى عددا من خريجيها عالة على أنفسهم وعلى المجتمع أحيانا. فاللغة الهجينة المختلطة التي خلفها المستعمر بما أسكنها من ملتقطات لغته في بلادنا السائدة بمدارس الشعوب العربية لا تجعل الخريج إلا تابعا لا سيدا، ناجزا ولغيره القرار. 
العربية الآلة:
إن بورغا المقاوم ضد العلمانية كان في مفاوضاته بالغير يخفي تمكنه من اللغة العربية إيمانا منه بدورها الآلي المفتاح، ليدع خصمه يدافع عن مواقفه باللغة الفرنسية كي تعجزه القدرة اللغوية، فيعثر لسانه فتفضح نياته السياسية التي كان يمكن التستر عليها باللغة البليغة العربية وما لها من آليات بليغة، وهذا فن راق لا زال يروق البعض ـ منقول بتصرف ـ.
فمن عادة العامة إعجابهم بكل مُجيد للغة العربية الآلة حقا أو تظاهرا - لذلك يخاف أحيانا من تسلط أهل الفصاحة والبيان والخطابة -، يقول أحد البعثيين الممجد للغة الضاد المتعلق بها اسمه كي أرسوزي : "أمنية كل عربي هي أن يكون بطلا، وأن يكون شاعرا، ينشد روعة أعماله ومناقب أجداده، إن ذلك يتم بالعودة إلى لغتنا التي هي أبلغ مظهر لتجلي عبقرية أمتنا، إن لغتنا لهي مستودع تراثنا، فإذا ما وعينا ما تضمنت كلماتها من حدس، بلغنا ما بلغ أجدادنا من عزة وسؤدد.  مَثَلُ كلمات لغتنا كمثل البذر من النبات. تضمر فيها المعاني ضمور الحياة في البذر ..."
هكذا تعلق وغيره من القوميين لِعِلَّة هم أدرى بها بلغة الضاد، فما بالك بتعلق كل عربي وكل مسلم محب للغة الوحي المشرفة بدورها الوعائي هذا والمهيأة له كما هُيئ النبي العربي المختار لتلقيه، إن تعلقهم بها جزء من دينهم لما حملت من رسالة سماوية ﴿ِإنَّا جَعَلْنَاهُ قرآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾- من القرآن كريم-، فالله سبحانه خاطب خير البشر صلى الله عليه وسلم بقوله ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ ﴾- من القرآن كريم-، فبدون فهم اللغة الآلة لا يمكن فهم ولا فقه ما أُنزل بلسان عربي مبين، بما تمتاز به من علوم الآلة كالنحو والصرف والبلاغة. 
إنها آلياتٌ مفاتيح تبقى مطمح كل متدين متعبد لله يريد أن يَسْبَحَ في فلك فهم الدين وعلومه على مركب صحبة الأخيار الداركين لنصوص الشرع وقصدها بما معهم منها للإدراك، وأي إدراك. ولعل الإمام الشاطبيُّ المقاصدي رحمه الله اعتبر العربية سيدة اللغات لهذا كله حين قال: إن كان )أي القرآن(  بُعِث للناس كافَّة فإن الله جعل جميع الأمم وعامة الألْسُنِ في هذا الأمر تبَعاً للسان العربي، وإذا كان كذلك فلا يفُهَمُ كتابُ الله تعالى إلا من الطريق الذي نزل عَلَيْه، وهو اعتبارُ ألفاظها ومعانيها وأساليبها".
 إن كون اللغة العربية سيدة آلات التربية والتعليم، يجعل من الواجب على أهلها في نظر خبراء المجال تَعليمَها لأعَاجم الشعوب، و ليس للعرب فحسب، لتكون عامة فصيحةً فاصحةً عن المعارف الكونية مُشَرفة بما شرفها العليم الحكيم، حتى جعَل تلاوة نص القرآن بالحرف العربي تعبدا.
 آه كم من الخدمة تَنتظِر منا جميعا لُغتنا الفخر حتى تخدم آلتها بني الإنسان بما حملت من رحمة وحكمة سماوية. ولا خدمة ننتظرها إن لم يتمكن النشء العربي والمسلم من خلال أنظمة تعليم بانية من الحد الأدنى لما تزخر به من علوم الآلة والبلاغة. ولا يتأتى ذلك إلا إن وَجَّهت برامج التعليم خاصة في الدول العربية تأمينا لمستقبل أجيالها عنايتها التامة للاهتمام باللغة العربية الفصحى، كما ينبه لذلك خبراء التربية والتعليم المسلمون، تعلما وإتقانا، ومنها القرآن الكريم بما يستحق من حفظ وسلوك وفهم وتعظيم.
لعل أمر العرب في العربية شأن  بالغ الأهمية مما جعل خبراء تربية سامون قد نبهوا لذلك منذ زمان، منهم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله  حين قال: "اللغة العربية عرضة لاكتساح واجتياح من جسارة وسائل الإعلام وأقلام العوام" ـ الرسالة العلمية لعبد السلام ياسين ص 12ـ فكانت الدعوة منهم صريحة "لتعليمها وتدريسها و تدارس الأخطاء الشائعة لتقويم الألسنة والتذكير بقواعد النحو والصرف" في كل وقت وحين. 
ودون هذا الاهتمام باللغة العربية المشرفة اليوم لا تجد غدا من يحاورك ويبادلك الكلمة والفكرة إلا أصحاب لغة هجينة يعتذر سادة اللغة والفصحاء متى اضطروا لإقحامها.
ما أجملك يا لغة الفخر:
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطو وطاليس".
وأخرج البيهقي في الشعب عن الأصمعي قال : جاء عمر بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء يناظره في وجوب عذاب الفاسق. فقال له :متسائلا يا أبا عمرو ! آللّه يخلف وعده؟ فقال: لن يخلف الله وعده. فقال عمرو : فقد قال : وذكر عمرو آية فيها وعيده. فقال أبو عبيد : من العجمة أتيت ! الوَعْدُ غَيْر الإِيعَاد، ثم أنشد :
وإني إذا أَوْعَدْتُهُ أو وَعَدْتُه    ***    لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي ومُنْجِزٌ مَوْعِدِي
الوعد والوعيد؛ يا لهما من لفظتان قريبتان في المبنى اللغوي، متناقضتا المعنى، ومثل هذا الجمال البياني في لغة الفخر كثير.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: الحَنَفُ هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة، واْلجَنَفُ ميل عن الاستقامة إلى الضلال. إنهما كلمتان لهما نفس الوزن كلاهما ميل والميلان متعاكسان.
هذه اللغة الجميلة الفخر التي يسع المجال أكثر من هذا المقام لأهلها وسادتها وأساتذتها في إظهار جمالها وقوتها وفنها، لا يُفهم القرآن ولا الوحي إلا طبقا لقواعدها من غير تكلف، إنها اللغة العربية، تلك القرآنية الفصحى، لا لغة الجرائد السائدة اليوم حتى في مجال التعليم، هي الآلة والوسيلة لفهم ما أنزل بلسان عربي مبين من رب العالمين لهذا الإنسان مكرم الخلقة، إذ لا بيان رسالي إلا بها. ولا عزة للأمة العربية قاطبة ولا مستقبل لها إلا إن هي أعادت للغة الآلة سيادتها ومجدها، لبناء الحضارة العظيمة. فالعربية كلغة تبقى وحدها القادرة على تحرير الإنسان من براثن ظلم أخيه الإنسان، بما لها من اصطفاء يمنحها القدرة على غزو القلوب بسلاح الرحمة.
ليبقى منطلق هذا التحرير، أن تكتسب هذه اللغة الفخر سلطان الكفاءة العملية والعلومية، للسير بالعلوم قدما نحو القوة والعزة والكرامة المستحقة لبني الإنسان. إنه جهد وجد واجتهاد ينتظر من استهدف هويتهم وفخرَهم اليوم أبناء هرتزل، بما مكنتهم أنفسهم وأيدي الناس.
رحم الله السلطان عبد الحميد العثماني  إذ قال: "وكان اللسان العربي لغير المسلمين، ولم يزل، من أعز الجامعات وأكبر المفاخر".
ما ينبغي؟
ما ينبغي للُّغَة العربيَّة الفخر، الصافية الفصيحة، الحيَّة بحياة القرآن ونور الوحي، ومفاهيمه، أن تُهجِّنها ملتقطات اللغة الأجنبية كما خلف المستعمر ذلك في بلداننا، فسار نهج مدارسنا.
وما ينبغي أن نجهل كون اللغة الفخر لو لم تكن للوحي وعاءا لكانت لغة الضاد واحدة من اللغات الغابرة، فبفضل دورها الوعائي للوحي تبلورت وصنعت تاريخها بفخر واعتزاز على مدى أربعة عشر قرنا، حتى سار ذكرها في مشارق الأرض ومغاربها، وبذلك وحده اكتسبت صفة الخلود.
وما ينبغي أن تُخرِّج مدارسنا جيلا لا يعرف من اللغة العربية إلا عبارات الجرائد والمجلات أوالكلام المترجم المُغشى بالمصطلحات الغربية المتوهجة ذات الحمولة الثقافية المرغوب في تجاوزها.
إذ ما ينبغي صناعة جيل من المتأخرين لا خطاب لهم إلا ما يحط من شأن الكلمة العربية بجهلهم ما تزخر به من بيان وبلاغة، ومجاز وحقيقة. فرحم الله أسلافنا بالبلدان العربية المستعمرة لما فطنو لمكر التغريب، وسارعوا لتأسيس مدارس حرة كان همها تعليم العربية والوطنية الصانعة الاعتزاز بالذات، الممتد أُكلها اليوم.
وما ينبغي التفريط في اللغة العربية كآلية تنويرية في إسماع رسالة السلام العالمي وإيصالها لكل بني الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها.
وما ينبغي لكل تعليم يطمح إلى وصل الناشئة المؤمنة بالنبع تجاوز تعليم اللغة العربية وتدريسها كتابة ونطقا وإبداعا.
وما ينبغي قصر تعليم العربية على العرب وحدهم، بل شمولها كل الشعوب المسلمة عجمها وعربها يجب أن يكون صدر أولويات التحرير. 
ما ينبغي أن نساهم في ضحالة لغتنا الفخر حتى نراها يوما  تقاوم من أجل البقاء داخل المشهد اللغوي كما هو حال الفرنسية مثلا اليوم، هذا المشهد الذي تتسابق لمنصته اليوم لغات قومية ضاربة في الفراغ الروحي كالإنجليزية جوازَ السفر العالمي الحالي، أواليابانية السائدة الخادمة في بلدانها، أوالصينية الطموحة مستقبلا والغنية تاريخا.
 وأخيرا لنكون أكثر موضوعية، فلا نلقي اللوم كل اللوم على المستعمر ومسخَّريه وحدهم فيما أحدق باللغة العربية من تأخر، بل نحن العرب نتهم اللغة أحيانا بدل اتهام أنفسنا بما لها من تقصير، ولو أن هذا المستعمر المحتل لبلادنا حسا هو الذي مهد الطريق للاحتلال الثقافي السائد اليوم الجاعل آلته اللغة وما لها من حمولة ثقافية بعدما ولى زمن الاستعمار بالجيش والعساكر والإدارة؛ وكلا الاحتلالين دمار.
فقد يبدو لقارئ هذه المقالة الكريم بعضُ إفراط في تعظيم اللغة العربية هنا في زمن تكالبت أمم وأمم على ضحالتها، ولهذا الفاضل نُذَكِّرُ بالزمن الذي سادت فيه العربية من أقصى الأرض إلى أدناها فاحتلت المرتبة الأولى عالميا، إذ حينها استقر العجم واللغات العجمية في دهاليز التاريخ وأسافِله، بينما أعطى العلماء العرب أساسات كل العلوم المتفرعة اليوم، لتبقى الحقيقة أن الوضع انقلب اليوم، ومعه بقي الأمل كل الأمل فيما يلوح بعيدا من أعلامٍ للعزة والمجد المتجدد، " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ "- من القرآن كريم-.
فالعربية التي شرفها القرآن الكريم، ويتلوه بها مئات الملايين، لا يصح لأي نظام تعليم وبخاصة في بلاد العُرب إلا أن يرى فيها اللغة التي يجب أن تتبوأ مكانة عالمية في مقدمة اللغات السائدة. لما لها كآلة من دور أساس في الخدمة الرسالية لهذا الإنسان أيا كان لونه أوجنسه أوعرقه. ولندع أسافل القوم ممن يعلنون حربهم على العربية في غيهم يعمهون.