عن المتنبي الرمز ويوم اللغة العربية

أ. كاظم الموسوي

 

” عرف المتنبي خلال الكتابات التي تحدثت عنه، بالشجاعة والكبرياء، كما أنه اشتهر بحبه للمغامرة والطموح العالي، وكان دائما معتزا بعروبته، بلغته وعنفوانه، مدركا لعصره وفلسفته، فقيل فيه حكيم الفكر واللسان. وهذه الصفات كررها كل من كتب عنه، السابقون واللاحقون، وكأنها متطابقة معه ولاتجد ما يغيرها عنه أو يستبدلها بغيرها. أو هو لها كما يقال عنه، لبسته أو لبسها، لا فرق، هذه هي صفاته وميزاته.”

تحتفي الأمم بلغاتها ورموزها المبدعين المتميزين فيها، بشكل حضاري مهيب وتقوم بإحياء المناسبة أو يوم مرتبط باسم أو دلالة ما لها صلة أو مستمدة من التراث والحضارة والثقافة على السواء سنويا أو بما يناسب الاحتفال في أكثر من مناسبة. وتغتنم أية دعوة أو مشاركة من أية جهة تصب في الهدف المنشود. مثلما قامت الأمم المتحدة في تحديد يوم للغة العربية، هو يوم الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، لكنه بعيد عن بل لا يجمعه برموزها رابط يزيده عنفوانا وابتهاحا ولا في تراثها اللغوي، مما حدا بالدكتور جورج جبور (أكاديمي وباحث سياسي ومستشار رئاسي سابقا) إلى الدعوة والمساهمة معه في نشاطاته التي يعقدها في دمشق العروبة، وخارجها أيضا، إلى تغيير الصورة تحت السؤال: أي رمز ثقافي نختار ليوم اللغة العربية العالمي؟ ولماذا لا يتربع المتنبي عرش يوم اللغة العربية العالمي؟، فهل يتحقق لهذه الجهود من يلبيها وينجزها ويصبح مطلبها واقعا مأثورا؟. ربما الجواب مسبقا يطول الحديث فيه، ولكنه يظل جرسا يدق وهماً يؤثر.. لابد أن ترعاه جهات رسمية، حكومات ووزارات ثقافة ومجالس وطنية للثقافة واتحادات أدباء وكتاب ونقابات ومنظمات يهمها يوم اللغة العربية العالمي وشاعر العرب أبو الطيب المتنبي.
لماذا المتنبي بالذات؟!. سؤال قائم لأنه هو من الشعراء الذين اكتسبوا أهمية تجاوزت زمانهم ومكانهم، فلم يكن المتنبي مجردَ شاعرٍ يملك من الفصاحة والبلاغة ما لا يملكه غيره من الشعراء، بل كان ذا شخصية مميزة، يعتز بنفسه ويفخر بها في قصائده ومجالسه. مما يعطيه تميزه الشخصي، وأثره كبير في الشعرِ العربي امتدّ من زمنه إلى يومنا هذا، فلم يكفّ الناس عن قراءته، ولم يتوقّف الدّارسون للأدب العربي عن شرحه وتحليله ودراسته. ولم يحجبه زمن بل استرسلت على ألسن الناس مآثره، ولايختلف فيه أنه أحد أعظم شعراء العرب، وصفه رواته بأنه أعجوبة عصره ونادرة زمانه، وأحد مفاخر الأدب العربي. وفي تعريفه هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي، وكنيته؛ أبو الطيب المتنبي (915- 965)، كان حكيما.. شاعرا، فقال في الكثير من شعره حكما ضربت مثلا أو وضعت حكمة تتردد ومازالت متناولة في المأثور الشعبي والثقافي.
عرف المتنبي خلال الكتابات التي تحدثت عنه، بالشجاعة والكبرياء، كما أنه اشتهر بحبه للمغامرة والطموح العالي، وكان دائما معتزا بعروبته، بلغته وعنفوانه، مدركا لعصره وفلسفته، فقيل فيه حكيم الفكر واللسان. وهذه الصفات كررها كل من كتب عنه، السابقون واللاحقون، وكأنها متطابقة معه ولاتجد ما يغيرها عنه أو يستبدلها بغيرها. أو هو لها كما يقال عنه، لبسته أو لبسها، لا فرق، هذه هي صفاته وميزاته.
تمكنه من سحر اللغة العربية ومخزونه منها بلا أبعاد، بما فيه ابتكاره لعدد كبير من المعاني والمفردات الجديدة، بمعنى أنه أضاف للغة ما يزينها ويوسع مدياتها ويثريها مفردات ومعاني، ومن أشهر صفاته أيضا التي برزت في أشعاره، تفجر الأحاسيس والمشاعر لديه، وتقديم الفاعل أو المفعول به على فعله، كما أن أشعاره لم تكن تعتمد على التكلف والتصنيع، فقد كانت تتميز بالعذوبة والجمال، ولا تزال تردد أو تحفظ ويستشهد بها وتعيد له ألقه وقدراته الغنية بالمعنى والمبنى. المتنبي شاعر وفارس وحكيم وطموح لأكبر من زمنه أو عهده وما جايله أو عاش عصره.
يعود لقبه بالمتنبي لبعض أبيات شعره ، ولتعاليه الدائم وتعاظمه، وليس كما قيل عنه، وهو ما يذهب إليه رواة له ، منطلقين من قوله :
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود
ومنهم من يرى دعوته هذه كانت سياسية، من قوله :
ما مُقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود
ومن روائعه؛
أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِه إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ
قدرة المتنبي على التعبير اللغوي المهول والمميز خلدت إبداعاته، بل جعلته سيد المعاني وساحر اللغة وناشدها، كما قال:
ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
وقوله : وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
اختلف الرواة بيوم ولادته ووفاته، ولكن حدد يوم مقتله في 965/9/23 وهو اليوم الذي يقترحه الدكتور جبور يوما عالميا للغة العربية، مقرونا باسم شاعرها الكبير، أبو الطيب المتنبي. فلماذا لا يكون كذلك، كما هي مع اللغات الأخرى؟!.
من جهته بذل الأستاذ جورج جبور جهودا مشكورة حتى عرف بأنه الوالد للفكرة والمحارب في سبيلها، منذ سنوات. وكتب رسائل عدة إلى الجهات التي يراها مسؤولة ومكلفة بالأمر، وآخرها تقديم اقتراح أو فكرة للدورة الأخيرة للمؤتمر القومي العربي وتبني المؤتمر لها كتوصية يتابعها مع المنظمتين العربية والإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ومن بين أبرز الرموز التي اختارها الدكتور، الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي، الذي نظر الأعمى إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم، ونام هو ملء جفونه وظل الناس يسهرون جراها ويختصمون.
خاطب الدكتور جبور المسؤولين والمنظمات، ومنها رسالة بعثها إلى المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس. ناشده ودعاه إلى تبيان رأي في موضوع يتابعه ألا وهو يوم اللغة العربية. حيث يقوم بحملة ثقافية ليوم اللغة العربية العالمي واختيار رمز ثقافي أو حضاري عربي أسوة بما تمثله الأيام العالمية للغات الأخرى. فكما للانجليزية شكسبيرها، والروسية بوشكينها، والألمانية غوتهها.. وغيرهم فلماذا لا يكون للعربية متنبيها؟. مؤكدا على عالمية المتنبي ولقبه هذا المتعارف عليه منذ قرون حيث ملأ شعره الدنيا وشغل الناس… مطالبا بمخاطبة اليونسكو لكي يتم تغيير موعد اليوم العالمي للغة العربية، والزامه بيوم متعلق ومقترن باسم أشهر شاعر عروبي ومن أبرز فرسان الأمة وعظماء التاريخ الأدبي الذي لم يزل اسمه يرن في الثقافة والأدب والشعر، وليصبح يوم الاحتفال باللغة والشاعر، استعادة تراث واحتفاء بتاريخ مجيد . وظل قوله خالدا سببا له وللتاريخ؛ وهو مفتخر فيه:
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا بأنني خير من تسعى به قدم
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
 

الوطن