ألا من مبادرة إليها؟

أ. حسني عايش

 

يرغب المجتمع بمعظم أطيافه وعامته وخاصته، تحسين التعلّم والتعليم، وتطوير عمل المدرسة والجامعة بحيث تحافظان على المكان المرموق المفترض لهما فيه، وتحتلان مرتبة عليا في القوائم الدولية المقارنة في الجودة والإبداع والابتكار.

ما من وزير جديد للتربية والتعليم، أو رئيس جديد لجامعة إلا ويعلن أنه عازم على القيام بالخطوات اللازمة لتحقيق ذلك. ويمضي الوقت ويذهب الوزير والرئيس ويأتي وزير جديد ورئيس جديد ويبقى الأمر على حاله.
والحقيقة أن تطوير التعليم ليس سهلاً كما يعتقد بعض الناس أو النقّاد أو جملة الناس من الخارج، فعناصر العملية التربوية – التعلّمية التعليمية – ثقيلة جداً على الحركة وأي محاولة جادة لتحريكها تلاقي صداً ورداً. أما العنصر الصعب على التطوير فيها، فليس الأبنية والمرافق والأجهزة على أهميتها، أو المناهج والكتب المدرسية على خطورتها، وإنما جملة المعلمين والمعلمات الذين تَكوّنوا على نمط معين من التعليم والتفكير والاتجاه، فلا يتزحزحون عنها، ولا يتخلون.
كيف تنقل جملة هؤلاء المعلمين والمعلمات مما هم عليه إلى ما يجب أن يكونوا عليه في هذا العمر أو السن؟ إن الدورات لا تكفي لإحداث تغيير جوهري، لأن المشكلة أو المسألة تتعلق بالفكر أو المعتقد التربوي أو بنظريات التعلّم والتعليم التي يؤمنون بها. إنهم يتقاعدون قبل أن تستطيع تغييرها بنظريات جديدة. وهكذا تجد نفسك محتاجاً إليهم في التطوير، لأنه ليس لديك البديل وإن أكثرت من دور المعلمين والمعلمات. هل يمكن في التعليم بناء صرح تعليمي جديد بالحجارة القديمة؟ نعم، لكن بعد هدم البناء القائم. وهي عملية طويلة تبدأ من إسقاط حجر في المياه الراكدة أو بالخطوة الأولى، وتستمر بين صعود وهبوط إلى أن يتم الهدم ويحل محله البناء. ولهذا نأمل أن تتواصل جهود وزارة التربية والتعليم والأكاديمية الملكية في وضع المداميك الجديدة الأولى لذلك وبحيث تجبر من يأتي، على البناء فوقها لا هدمها.
لقد فشلت أميركا نفسها – النموذج الذي نتطلع إليه ونستمد منه الفكرة – في إصلاح التعليم العام بعد عشرات المحاولات لإصلاحه، مما أدى إلى نشوء تجارب مدرسية انشقت عليه، لم تستطع هي الأخرى أن تخرج من عباءته، لأن المعلمين والمعلمات الذين انفصلوا عنه وأقاموا بدائل مدرسية جديدة هم من الطينة نفسها التي تعمل في المدارس العامة.
وأخيراً تحدى بيل جيتس - مؤسس شركة مايكروسوفت- الجميع بتبني مدارس الكترونية كلياً تعمل حسب نظرياته، لا ندري بعد إن حققت ما أنشئت من أجله أم لا.
لعّل الأسف بل أشد الأسف الذي تسبب فيه الخلف، فشله في إكساب التلاميذ والتلميذات في المدارس والطلبة في الجامعات واكتسابهم القيم العليا التي تخرجهم من ظلمات ما قبل الدولة إلى أنوارها بعدها، فلا شيء يبني النهضة دون هذه القيم، ولا شيء يهدمها غير غيابها.
هذه المقدمة "الخلدونية" ضرورية للحديث عن المبادرة المطلوبة، أو عن اقتراح سابق طالما كررت طرحه دون أن يلتفت إليه أحد في مدرسة أو جامعة. والاقتراح مستورد وهو العمل على إنشاء جمعيات مدرسية جامعية نوعية، مهمتها الارتقاء أو النهوض بالتعليم في موضوعها المشترك، من مثل إنشاء جمعية اللغة العربية التي تضم أساتذة ومدرسي اللغة العربية في الجامعات ومعلمي ومعلمات اللغة العربية في المدارس؛ وجمعية اللغة الإنجليزية؛ أو الفرنسية؛ والعلوم؛ والرياضيات؛ والتربية الدينية؛ والجغرافيا؛ والتاريخ، وهكذا، تتيح لمن يرغب الاشتراك في أكثر من جمعية، وكذلك لمن يرغب من الناس في المجتمع الاشتراك فيها، فتصدر نشرات، وتعقد دورات وورشاً، ومؤتمراً سنوياً.
بهذه الجمعيات ستدب الحياة في المدرسة والجامعة، وستصعد المدرسة والتعليم إلى أعلى، وستقود الجامعات والمدارس هذا الصعود إلى أعلى فأعلى بالتعليم المتبادل بينهما وهو أرقى أشكال التعلّم والتعليم. وسيكون لذلك تأثير إيجابي ملموس على نوعية خريجي المدرسة والجامعة في كل مادة/ موضوع.
فهل من مبادرة؟ ما الذي يمنع ذلك غير اللامبالاة والتهرب من الأعباء؟ أين دَيْن أبنائنا وبناتنا علينا؟
 

الغد