في يومها العالمي.. هل تراجعت اللغة العربية اقتصاديا؟
أ. كريم ربيع
هل نحترم لغتنا العربية.. ليحترمها من يريد بيع منتجاته لنا؟ الحقيقة لا، فلا نحن نحترم لغتنا فنفرض على المورد كتابة مواصفات وإمكانات المُنتّج بالعربية، أو مجرد التعامل معنا بها. ورغم أن العالم العربي بسكانه الزائد عددهم على 430 مليون مواطن، أكثر الشعوب استهلاكاً فإن الناتجَ المحلي العربي الهزيل للدول العربية مجتمعةً، البالغ نحو 600 مليار دولار سنوياً -من بينه النفط والغاز والفوسفات وغيرها-، يزيد قليلاً على ناتج هولندا وحدها، وهو ثلث ناتج إيطاليا، يوضح مدى تراجع دورنا وتأثيرنا في حجم التجارة العالمي، وعدم القدرة على فرض احترام لغتنا على الجميع.
في المقابل يشترط المستورد الغربي وغيره أن تتعامل معه بلغته، للموافقة على شراء منتجك -إن وُجد- ويؤكد هذا مقولة ويلي براندت، المستشار الألماني الأسبق: «إذا أردتُ أن أبيعك بضاعتي يجب أن أتحدث لغتك، وإذا أردتَ أن تبيعني بضاعتــك فعليك أن تتحدث بالألمانية».
لغة الضاد تغزو العالم
في قرون سابقة كانت اللغة العربية مِلْء السمع والبصر، تجوب العالم شرقًا وغربًا، بفضل رحلتي الشتاء والصيف التجاريتين، تلك اللغة التي ترعرعت بين أحضان التجارة، وهي الحرفة الرئيسة بعد الرعي، التي كان العرب يتكسبون بها أرزاقهم، وكما انتشر الإسلام بسرعة فائقة في شبه الجزيرة الأندلسية، انتشرت اللغة العربية كذلك على نطاق واسع بين سكان الممالك والبلاد المختلفة، حتى إنها أصبحت اللغة الرسمية لبعضها، منها شبه الجزيرة الأندلسية.
ومما يدل على توسع العرب في المسائل الاقتصادية، كثرة ألفاظ اللغة العربية الدالة على المال، فإن منها بضعة وعشرين اسما لكل منها معنى من المعاني الاقتصادية التي ترجع إلى الاستثمار وغيره، منها «التلاد -المـال الموروث-، والركاز -المال المدفون- والضمار -المال لا يرجى-، والطارف -المال المستحدث-، والتالد -المال القديم-».
ويقول المستشرق الفرنسي «بارثلمي هربلو»: «إن اللغة العربية أعظم اللغات آداباً وأسماها بلاغة وفصاحة وهي لغة الضاد». ويرى المستشرق مرجليوت الأستاذ بجامعة أوكسفورد: «اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية وهي واحدة من ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليه غيرها».
العربية والاقتصاد الحديث
رغم استخدام اللغة العربية على أنها الوسيلة الأساسية في ترويج وتبايع البضائع والسلع، أي من خلال عمليات البيع والشراء فإن أهمية اللغة بصورة عامة قد زادت في النشاط الاقتصادي الحديث، لتعدد صور ومجالات استخدامها تبعا لتعدد أدوات الاتصال التجاري بين الأفراد والشعوب، حتى أصبحت هي الأخرى ينظر إليها باعتبارها سلعة ذات قيمة تبادلية تتزايد مبيعاتها في ظل الطلب المتنامي عليها.
وتخضع القيمة السوقية للغة ما، في فترة زمنية محددة، للعوامل الاقتصادية، فاللغة الصينية على الرغم من أنها لغة جماعة لغوية ضخمة ذات تراث ثقافي عميق، ولغة بلد ذي أهمية سياسية كبيرة في عالم اليوم، فلا تحظى بطلب كبير عليها على مستوى العالم بوصفها لغة أجنبية، لأن إمكان استغلالها الاقتصادي محدود. أما اللغة اليابانية فقد ارتفعت قيمتها في السوق العالمية للغات الأجنبية خلال العقد الماضي، وهو تطور لافت للنظر يكاد يشبه ارتفاع شأن الين في سوق العملات، حيث إن اليابان قد أصبحت شريكا تجاريا مهما لبلاد كثيرة.
وتعد اللغة الإنجليزية الملك المتوج على عرش اللغات الأكثر مبيعا في العالم، نظرا لقيمتها الاستعمالية الكبيرة في السوق العالمية، وسيطرتها على وسائل وبرمجيات التقنية الحديثة، في حين أن اللغة العربية، وهي الأقدر والأجدر من حيث خصائصها وسماتها، ما زالت تترنح تحت وطأة اقتصاد ضعيف لا يقيم لها وزنا في حساباته، أو يقدم لها الدعم الواجب في نشاطاته.
ومن غير المعقول أن نغفل أهمية العامل الاقتصادي في النهوض باللغة العربية، لأن ما يشغل العالم كله الآن هو في المقام الأول مشاكل اقتصادية، وليس ثمة مجتمع يريد أن ينهض دون أن يحسن اقتصاده، واللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية تتأثر كما رأينا باقتصاديات المجتمعات المتحدثة بها، ويمكن أن تكون اللغة العربية شأنها شأن اللغات الحضارية من عوامل تحسين الاقتصاد من خلال ما يسمى بالتصدير اللغوي للبرامج والتقنيات التي تعالج منظومتها.
التحرير