أشاد به أحد علماء اللغة المعاصرين: باحث عُماني يُقدّم “خدمة جليلة” للغة العربية

يحيى الراشدي

 

أن تُواصِل دراستك في تخصصٍ تُحبّه فهو أمرٌ رائع، لكن الأروع أن تتوصل دراستك لشيء جديد، تتفرد به وتكون كما قال أبو العلاء المعري ” لَآَت بـمـا لــم تَسْتـطـعـه الأوَائـــلُ”.

حديثنا في السطور الماضية والقادمة عن باحث عُماني تمكّن من إيجاد “إعرابٍ” لجملٍ لطالما سمعنا في المناهج والكتب بأنها “ليس لها من الإعراب نصيب”، وهو الأمر الذي لقي بسببه إشادة “مُستحقّة” من أكاديمي ومتخصص يُعدّ من “علماء اللغة العربية المعاصرين”.
 
إنه سامي بن علي بن خلفان الكندي من ولاية نزوى الذي حصل مؤخرًا على درجة الماجستير من جامعة نزوى عبر رسالته المعنونة بـ “الجمل التي يقول عنها النحاة بأنها لا محل لها من الإعراب”. حيث تواصلت معه “أثير” فكان هذا الحوار.

درس سامي المرحلة الثانوية في معهد العلوم الإسلامية بخصب، ثم انتقل إلى كلية الشريعة والقانون تخصص (الشريعة) التي تحولت الآن إلى كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس، وقبل هذه المراحل وخلالها وبعدها تتلمذ على يد عدد من مشائخ العلم في نزوى في مقدمتهم الشيخ القاضي سعود بن سليمان الكندي -رحمه الله- حيث قرأ على يديه منذ الصغر شرح الآجرومية.

الكندي أحب اللغة العربية وكل ما يتعلق بمسائل النحو والنقد، لذا جاءت فكرة بحثه من مبدأ الاجتهاد – كما قال لـ “أثير”- موضحًا بأن الناظر في كتب البحث يرى أنه لا يخلو كتابٌ منها من الاجتهاد حتى الشُرّاح الذين شرحوا أمهات الكتب كانت لهم اجتهاداتهم، فلم يكشفوا بمجرد الشرح بل وضعوا في هذه الشروح وجهة نظرهم، ومن هنا كانت محاولات النحاة لتخليص النحو مما يرون فيه غموضًا وصعوبة، مشيرًا إلى أن الإشارة بدأت من الدكتور سعيد الزبيدي ليتجه إلى دراسة هذه الجمل اعتمادًا على مراجع النحو الأصلية من غير تعسف في الأحكام.
 
كشف سامي في دراسته عن المحل الذي تقع فيه الجمل التي يسميها النحاة “لا محل لها من الإعراب” معتمدًا في ذلك على معرفة العلاقة التي تربط هذه الجمل بالسياق الواردة فيه والبحث عن الوظائف اللغوية التي تؤديها هذه الجمل، بالاستناد إلى ما أسسه النحويون القدماء من أسس وقواعد، وعلى آراء واجتهادات المحدثين التي كانت تسعى دائما إلى تخليص اللغة مما قد يشوبها من صعوبات، وبجمع بين تلك الأسس والآراء والاجتهادات ودراستها دراسة مستفيضة ومقارنتها توصل نتائجه الجديدة. موضحًا بأن الشيء المميز في رسالته هذه ” هو نقل الجمل التي لا محل لها من الإعراب إلى جمل لها محل من الإعراب اعتمادًا على أسس وقواعد النحو”.

وعن ثناء الدكتور سعيد الزبيدي له على رسالته والخدمة التي قدمها للغة العربية، في أحد البرامج التلفزيونية علّق سامي قائلا ” الدكتور سعيد من علماء اللغة المعاصرين، وله إسهاماته في هذا الباب، وقد كان له الفضل الكبير بعد الله في إتمام هذه الدراسة على هذا النحو، ولولا توجيهاته وإرشاداته ونصائحه لما وصلت إلى هذا الأمر، وإشادته لي وللبحث أعدّها وسامًا أعتز به وأفتخر.”
 
الكندي الذي ينوي تحويل رسالته إلى كتاب، وطباعته ونشره توجّه في ختام حديثه لـ “أثير” بالشكر لتسليط الضوء على دراسته، موجهًا في الوقت نفسه نصيحة إلى طلاب العلم “بعدم النظر إلى التراث اللغوي على أنه من المسلّمات التي لا يجوز البحث والاجتهاد فيها، بل إن باب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه وبالبحث والاجتهاد يُمكن الوصول إلى نتائج مشرفة في كل المجالات”، موضحًا بأنه حاول جمع ما تفرّق من آراء في كتب القدماء، وضمّ إليها اجتهادات المحدثين.

جدير بالذكر أن ملخص رسالة الماجستير للكندي قامت على البحث على مناقشة الجمل التي لا محل لها من الإعراب من خلال تتبع آراء النحويين في هذه الجمل قديمًا وحديثًا والوقوف على خصوصية تراكيب الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وتحديد كيفية تأليفها والخصائص التي تميزها، ورصد أهم القواعد والأسس التي كانت تُسيّر تفكير النحاة، وتوجههم نحو هذا الحقل من النحو، حيث حاول الباحث الربط بين آراء القدماء والمحدثين من أجل فهم جديد لهذه الجمل ودراستها دراسة وصفية تحليلية نقدية، تقوم على معرفة بناء هذه الجمل، وفائدتها اللغوية، والكشف عن أنواعها، والعلاقة بينها وبين الكلام الواردة فيه، والوصول إلى رسم صورة للبحث أو إعادة رسم صورته بالاعتماد على المصادر والمراجع، من خلال:

1- تتبع آراء النحويين القدماء والمحدثين في الجمل التي لا محل لها من الإعراب للوصول إلى بيان حقيقة؛ هل اتفق النحويون في عدم إعراب هذه الجمل؟

2- مناقشة الأساس الذي حمل النحويين على عدّ هذه الجمل جمل لا محل لها من الإعراب.

3- نقد وتقويم آراء القدماء والمحدثين في الجمل التي لا محل لها من خلال الإجابة عن السؤال المهم: هل من الممكن نقل الجمل التي لا محل لها من الإعراب إلى جمل لها محل من الإعراب؟

 

أثير