أ. سوسن دهنيم
دعوة وصلتني عبر الهاتف لحضور «المهرجان الدولي الثامن لقصيدة النثر العربية» لكنها هذه المرة كانت في بلد جعلني أتردد في قبولها، لولا أنني قمت بالبحث عن طبيعة المنطقة عبر الإنترنت وعبر سؤال بعض الأصدقاء ممن حضروا المهرجان في دوراته السبع السابقة. هذه المرة كانت الدعوة إلى الأهواز العربية وتحديداً إلى عبادان.
لم أكن خائفة من حاجز اللغة «الفارسية» التي لا أعرف منها شيئاً، فقد سافرت قبلها وحيدة إلى فرنسا وأذربيجان للمشاركة في مهرجانات شعرية، وأنا لا أعرف لغتيهما وكنت حينها في بداية العشرينات من العمر، لكن طبيعة العلاقات السياسية بين بلداننا وإيران، هي ما كان يخيفني لولا أنني قررت أخيراً المشاركة بعد تشجيع الأصدقاء بضرورة زيارة هذه المنطقة العربية.
فعلتها وتمنيت لو أنني قمت بهذا منذ الدورة الأولى؛ فما شاهدته وعشته هناك خلال الأيام الستة جعلني أقف إجلالاً لهؤلاء المنظمين وهذا الشعب العربي الموغل في اعتزازه بعروبته. في كل أمسية شعرية كانت مقدمة الفقرات تصر على العروبة والاعتزاز بجذورها، فيما تضج القاعات بالتصفيق والتأكيد. كان الجمهور يعشق الشعر العربي، وكل ما هو عربي، حتى امتلأت القاعات في كل مرة تماماً، وكان التفاعل كبيراً مع كل نص يقرأ، ومع كل صورة شعرية فيها قضية عربية مؤرقة، أو فيها بلاغة عربية.
الموسيقى العربية، الأغنية العربية، القصائد المأثورة العربية، كلها كانت حاضرة بقوة، والأهم هو هذا الإحساس بالانتماء عبر اللبس العربي واللغة العربية وحضور التراث العربي، حتى أننا في مدينة معشور، حيث أقيمت إحدى الأمسيات الشعرية، فوجئنا بطفلين يمران على الضيوف لتقديم الضيافة، بلباس عربي؛ فقد ارتدى الطفل ثوباً عربياً وبشتاً وعقالاً وغترة، بينما ارتدت الطفلة عباءة وشيلة وزينت وجهها بوشم عربي.
منطقة مازالت تصر على التحدث بالعربية وتعليمها لأطفالها، برغم عدم وجود ذكر لهذه اللغة في المناهج الحكومية حتى نهاية المرحلة الإعدادية، إذ تدخل مادة اللغة العربية مرة في الأسبوع بعدها.
ولم يكتفِ المنظمون بإقامة أمسيات شعرية كأي مهرجان، لكنهم قدموا مطبوعات شعرية أيضاً، إذ ترجم إلى اللغة الفارسية كتاب حول قصيدة النثر في دول مجلس التعاون الخليجي يحوي سيراً وقصائد لخمسة من أهم الشعراء في كل بلد قدمها الناقد العماني الدكتور مبارك الجابري، وترجمها إلى الفارسية ماجد التميمي، كما ترجمت الشاعرة مهناز نصاري كتاباً شعرياً للشاعر العراقي عدنان الصائغ وانطلوجيا تونسية أعدها الدكتور جمال نصاري، إضافة إلى كتاب شعري للشاعرة السورية ريما محفوظ ترجمه أحمد جابري، في محاولة لإيصال الصوت العربي إلى الثقافة الفارسية.
اليوم وبعد عودتنا، مازال صدى صوت التصفيق والتهليل يرن في أذني حين قالت منشطة الحفل: بلاد العرب أوطاني، وكل العرب إخواني.
شكراً من القلب للمنظمين وعلى رأسهم الدكتور جمال نصاري، ولهذه الفرصة التي أتاحت لنا التعرف إلى أشقائنا العرب في الأهواز والذين غمرونا بكرمهم ولطفهم، كما فعل المسؤولون ممن زرناهم في المحمرة وعبادان ومعشور.
الخليج