المنسى فى الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى

أ. أشرف الصباغ

 

عادة ما تدور الندوات والمؤتمرات والأحاديث عن الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، حول المشاكل التقليدية مثل اختيار النصوص والموضوعات، ولجان الاختيار ومعاييرها، ودور النشر الخاصة والمؤسسات الحكومية التى تدفع بمنتجاتها للترجمة.

هناك أيضًا المنتديات والمؤتمرات الأكثر عمقا وجدية التى تتناول الترجمة كعملية ثقافية كاملة قابلة للنقل والحوار والنقد، ومن ثم تظهر الترجمة كإحدى أذرع القوة الناعمة لهذه الدولة أو تلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الترجمة أيضًا هى المادة الأساسية لعلوم الاستعراب والاستشراق والأنثروبولوجى.. وهى العلوم غير البريئة تمامًا، وربما إطلاقًا، من شبهات الاستعمار والسيطرة وفرض النفوذ والشروط.

الانتقادات كثيرة، وكلها تدور حول النوايا الطيبة والطموحات والحرص على تقديم المنتج الجيد الذى يعكس ثقافة المجتمعات العربية وأحوالها الفكرية وحراكها الاجتماعى والتاريخى.

هنا، تبدو كل الخلافات محض تفاصيل جديرة بالاهتمام، سواء من جانب المترجمين أو من جانب دور النشر أو من جانب المؤسسات الحكومية، ومن جانب المبدعين أنفسهم.. وبالذات هؤلاء المبدعين الذين يعتبرون أن الترجمة هى صك الاعتراف، وشهادة نقلهم إلى مستوى العالمية والاعتراف الدولى والشهرة العظيمة.

الترجمة أيضًا، هى عملية صناعة كاملة الأركان، وبالتالى، هى عملية تجارية بمعناها الاقتصادى الواسع بكل ما يحمل من مسارات وعمليات أساسية وهامشية وأرباح.. وبالتالى، فهى بهذا المفهوم تدخل ضمن إطار المشروعات الوطنية والقومية التى تستفيد منها الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، والتى يستفيد منها المجتمع فى حراكه الاجتماعى – التاريخى – الثقافى - الفكرى.

هذه النقطة تخص الجانب الذى يقوم بالترجمة بنفس القدر الذى يخص الجانب الذى يُتَرجم منه، ولا يمكن هنا بأى حال من الأحوال أن نتجاهل أنها خاضعة لموازين القوى السياسية والاقتصادية والنفوذ.

قد يبدو هذا الكلام بعيدًا عن النظرة الرومانسية للترجمة وجمالياتها والتغنى بمحاسن ألفاظها ومفرداتها وبراعة المترجمين والمبدعين والنصوص، ولكننا الآن فى القرن الواحد والعشرين الذى وصل إلينا كقاطرة عمياء قادرة على دهس من لم يستطع اللحاق بكل القطارات السابقة أو ذلك الذى تخَلَّف لهذا السبب أو ذاك.

الندوات والمؤتمرات والأحاديث تدور دوما عن الكثير من ما ذُكِر أعلاه، ولكنها دوما تتجاهل أو تنسى، وربما لا تهتم بعمليات متابعة النصوص والموضوعات والكتب التى تتم ترجمتها من العربية.. أى تتوقف عملية الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى عند صدور الكتاب بهذه اللغة أو تلك، وتبدأ عملية أخرى فى غاية الفظاظة والتضليل.

تلك العملية الإعلامية الفجة التى تدور حول عظمة ثقافتنا، وعظمة مبدعينا ومفكرينا وكُتَّابنا، وعالمية هذا الكاتب أو ذاك، بينما النصوص والكتب التى تُرْجِمَت "مركونة" على أرفف بعض معاهد وكليات تعليم اللغة العربية.

إن عملية تتبع المنتج والترويج له وفق المعايير المحترمة والمتعارف عليها تمثِّل أحد أهم الأهداف من عملية الترجمة، وقد تكون الحلقة الأهم فى تلك العملية. وأعتقد أننا جميعا نلاحظ الجهود التى تبذلها المراكز الثقافية والتعليمية، وربما المؤسسات الدبلوماسية، الأجنبية فى مصر والعديد من الدول العربية لإقامة الندوات ودعوة المبدعين والكتاب الأجانب للمشاركة فى ندوات ونقاشات تتعلق بكتبهم المترجمة إلى اللغة العربية.. والمهم هنا، أنه يتم اجتذاب المثقفين والنقاد والمبدعين والكتاب المصريين والعرب لإدارة هذه الندوات والمشاركة فيها والتفاعل معها.

بعض دور النشر فى مصر والدول العربية تنتهج أيضًا هذا المسار المهم، عبر محاولات وجهود فردية، لإكمال عملية الترجمة، ولكن ليس فى اتجاه الخارج، وإنما فى اتجاه الداخل.. فتقوم بدعوة الكتاب والمبدعين الأجانب وإقامة الندوات والمؤتمرات، كجزء من عملية الترجمة، وكجزء من دورها فى صناعة النشر عمومًا، والترجمة من اللغات الأخرى على وجه الخصوص، غير أن العملية العكسية متعثرة للغاية، سواء على مستوى دور النشر الخاصة أو الحكومية، حيث يتم ترك المادة أو المنتج الذى يترجم من العربية لمصيره المجهول، ونكتفى فقط بالإعلانات الوهمية عن كِتاب أو مادة تُرجٍمَت إلى اللغات الأخرى، ونبدأ بمنح الصكوك وشهادات الاعتراف الوهمية أيضًا.
 

مبتدا