خطوات الإقلاع عن لغة المسخ

أ. حسين خيري

 

إلى كل من لا يعرف أن فرنسا حين أدركت خطورة الهجمة الشرسة للغة الإنجليزية على لغتها الأم، أصدرت تشريعًا عام 1994، وأطلقوا عليه اسم "لزوم الفرنسية". 

ويقر بحظر استخدام أي مواطن فرنسي كلمات أجنبية لها نظير بالفرنسية، وشملت مجالات الحظر الوثائق والمستندات والإعلانات وجميع الأشكال الدعائية والمحال التجارية، وألزمت الحكومة بقصر دعمها المادي على المؤتمرات والندوات الناطقة باللغة الفرنسية.

واشترطت لنشر الأبحاث الأجنبية في مؤسساتها، أن يرفق بها ملخص عنها مكتوب بالفرنسية، ويمثل هذا القانون نخوة وغيرة عشاق اللغة على لغة وطنهم، وكذلك حرص المسئولون بالدولة على حماية الحضارة والتراث الفرنسي من الاندثار، ودفاعًا عن هوية الأمة، وذلك بعد ملاحظة توغل مفردات الإنجليزية عبر غزو الميديا الأمريكية بغزارة إنتاجها الفني المبهر، وفرض البرلمان الفرنسي في هذا التشريع عقوبة على المخالف بالسجن أو بدفع غرامة لا تقل عن 2000 دولار.

وللأسف في الجانب الآخر على مستوى لغتنا الجميلة نلمس هوانها على كثير في أمتنا العربية، وإشارة إلى تردي حال اللغة العربية؛ حيث شاعت بين العديد من شبابنا لغة تحتوي مكوناتها على مزيج من ألفاظ وحروف عربية ولاتينية تتخللها أرقام حسابية، وهي أقرب إلى رموز المعادلات الكيميائية أو الرياضية، وظهرت بشكل مرض مع انتشار الإنترنت والهواتف المحمولة.

ولم يعد مستغربًا بين الجميع في وطننا العربي كتابة كلمات عربية باللغة الأجنبية، ويعتقد مؤيدو هذه اللغة أنها لغة تخاطب عصري تتناسب وثقافة العولمة، وأن الواقع فرضها لتصبح لغة مشتركة تتيح التواصل مع العالم، وهذا يدفعنا إلى حذو المبادرة الفرنسية السابق ذكرها، والتي انطلقت في أواخر القرن العشرين حفاظًا على كيان اللغة الفرنسية، وعلى النقيض نشاهد أهلنا في وطننا العربي يتركون المشكلة تتضخم ويغضون الطرف عن الانتهاكات الممنهجة في حق لغتنا الجميلة، وحراكهم تجاه الدفاع عنها يسير كالسلحفاة، ونرى إعلامنا غائبًا عن تلك القضية التي تهدد عضد الأمة، والتي تودي بها إلى تراجع كيانها أمام الأمم الأخرى، وتدفعها إلى تقويض تراثها وحضارتها.

ويكفينا أن تأتي الشهادة من علماء الغرب عن سمو مكانة لغة الضاد، وهؤلاء من نلهث وراء الإغراق في لغتهم، فقد قال عنها العالم والمؤرخ الفرنسي "إرنست رينان": "هذه اللغة تبدو لنا فجأة على غاية من الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشرية، فليست لها طفولة ولا شيخوخة"، وقال عنها المستشرق الأمريكي "ريتشارد كونهيل": "قليل منا نحن الغربيين من يقدر اللغة العربية" ونعتها العالم الألماني "فريتاج": "أغنى لغات العالم"، ويبدو أنني استغرقت في استعراض بعض الإشادات عن اللغة العربية، حتى يدرك الجيل الحالي قيمة لغة القرآن الكريم.

وفي  الوقت ذاته، لكي يتحرك الجميع بسرعة للذود عنها، ولمواجهة كل الظواهر الداعمة لترسيخ العامية ولغة المزج، أو بشكل أدق لغة المسخ المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونريد حملة من عدة جهات للدعوة إلى إحياء المسابقات الثقافية في مجالاتها المختلفة لتحفيز الشباب على القراءة، وذلك بالتوازي مع مسابقات المواهب المنتشرة في الفضائيات الخاصة بالأغاني بالمهارات الفردية، بجانب إصدار وزارات التعليم في الدول العربية قراراتها بإلزام المعلمين وأساتذة الجامعات بالتحاور مع الطلاب وإلقاء محاضراتهم باللغة العربية الفصحى، والتوسع في إنتاج أفلام الكارتون الناطقة بالعربية، وأن تشمل الحملة تشجيع ودعم الفضائيات على تبني الموهوبين في الغناء والتمثيل باللغة العربية، حتى يسمو في الفضاء العربي والعالمي أمثال أم كلثوم، وعبدالوهاب في الغناء، وعبدالله غيث، ويوسف وهبي في فن الإلقاء والتمثيل بالعربية الفصحى.

وأخيرًا دعوة خاصة للشباب من محبي لغتنا الجميلة أن يُنشئوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي يتحاورون من خلالها باللغة العربية، ويحرصون على إلقاء النكات بينهم وكل ألوان الكوميديا الساخرة بنفس الكيفية، وقد نجد في البداية صعوبة في تداولها، ولكن مع مرور وقت قصير سوف يعتاد عليها باقي الشباب ثم ستلقى قبولًا شديدًا، وعند تطبيق خطوات هذه الحملة يمكن للشباب محاولة الإقلاع عن لغة المسخ، والحد من الهجمة الشرسة على لغة الضاد.
 

الأهرام