قمة عربية ثقافية .. فكرة سعودية للتنوير ونهضة الأمة

جهاد أحمد

 

دعت المملكة في قمة القدس، القمة العربية الـ29 التي أقيمت العام الماضي في مدينة الظهران، إلى إقامة القمة العربية الثقافية، وهو ما لقي ترحيبا كبيرا، وأكدته وثيقة "إعلان الظهران"، حيث أعرب القادة عن أملهم في أن تسهم القمة في دفع عجلة الثقافة والتنوير، وإذكاء جذوة القيم العلمية والأخلاقية العربية الأصيلة، للحاق بركب الثقافة، الذي تخلفت عنه الأمة جراء الحروب والفتن والقلاقل.

ورغم مرور نحو عام على "إعلان الظهران"، لم يتحرك المشروع الثقافي بالشكل المأمول، ولم يعلن موعد إقامة القمة الثقافية، أسوة بالقمم العربية التي تعقد في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، وسط توقعات بأن تتطرق القمة العربية المرتقب عقدها في تونس إلى آخر مستجدات قمة الثقافة.

فكرة الفيصل

لم تكن قمة القدس أول من أشار إلى عقد قمة عربية ثقافية، فقد أثار الفكرة للمرة الأولى أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي، مستشار خادم الحرمين الشريفين، ذلك في أكتوبر من عام 2009، حينما عقدت مؤسسة الفكر مؤتمرا بعنوان "كتاب يصدر.. أمة تتقدم"، رديفا لاحتفالية بيروت بإعلانها عاصمة عالمية للكتاب.
ورغم مرور عشر سنوات على إطلاق الفكرة، إلا أن الأحداث التي شهدتها الساحة العربية حالت دون عقدها، فقد تلا طرح الفكرة اجتماع في جامعة الدول العربية في القاهرة، بحضور الفيصل ونخبة من المفكرين والمثقفين، لمناقشة الفكرة، ثم صدرت موافقة القمة العربية في مدينة سرت الليبية في مارس 2010 على عقد القمة الثقافية دوريا على غرار القمة الاقتصادية، وتلا ذلك اجتماع شكلته الجامعة العربية تحضيرا للقمة، يضم فريقا من أمانتها العامة، ومؤسسة الفكر العربي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ونحو مائة شخصية ومؤسسة ثقافية عربية، تمثل ألوان الطيف الفكري في الوطن العربي، دون أن يكتب لها الانعقاد.

الاقتصاديات أم التطرف

في الطريق لعقد القمة، ناقشت نخبة من المثقفين والمفكرين أهميتها وتوصياتهم بما يجب أن تناقشه، وتباينت آراؤهم ما بين الحديث عن اقتصاديات الثقافة ولغتنا العربية والآثار المادية وغير المادية، أو التطرف الفكري؛ إذ يعد مفكرون الحرب على الإرهاب مواجهة ثقافية بامتياز.
ففي الجانب الاقتصادي من الثقافة، لا تقل القمة الثقافية أهمية عن نظيرتها الاقتصادية، كما أن الثقافة قد تتقاطع مع الاقتصاد في الحراك المعرفي والتنمية المستدامة التي يمكن أن تحققها، فتؤثر في الاقتصاد الكلي للدول العربية.
كما اقترح مثقفون استغلال القوة التجارية للدول العربية في تصدير لغتهم، مثل إبرام الاتفاقيات باللغة العربية، ما يزيد انتشارها، خصوصا في الاتفاقيات النفطية وتصدير النفط، ما يكسب اللغة العربية أهمية تجارية عالية.
إلا أن الدكتور زياد الدريس، مندوب المملكة السابق لدى منظمة اليونيسكو، اقترح في مقال له حول القمة الثقافية للعرب، أن تناقش إبراز دور عناصر الثقافة العربية المشتركة في تعزيز التناغم والأمن القومي للمواطن العربي، وتحديد القواسم المشتركة للثقافة العربية وتعزيزها، والالتفات إلى اللغة العربية وإعطائها الاهتمام الكافي إعلاميا وتعليميا بوصفها مكونا أساسيا لهوية الإنسان العربي، وتخصيص مراكز ذات موازنات وافرة وكوادر محترفة لأعمال الترجمة، من لغات العالم إلى العربية والعكس، في مختلف الفنون والعلوم والآداب.
وأضاف الدريس أن "مما يمكن أن يناقش في القمة بحث السبل الأنجع والأكثر فاعلية لتعزيز قيم الوسطية والاعتدال بين الشباب العربي، وبحث آلية تعزيز دور المثقف العربي وتمكينه من الإسهام في صنع الوئام الإقليمي والوطني، تمكين الثقافة من الإسهام في تكريس الاستقرار السياسي، لا أن يتم توظيف الثقافة والمثقف في التجاذبات السياسية، إضافة إلى حث الدول العربية كافة على الاهتمام بتراثها المادي "الآثار" وغير المادي "الفنون والممارسات"، ومحاولة الوصول إلى آليات لرفع سقف حرية التعبير "المنخفض عربيا" من دون الإضرار بالأمن الوطني أو إشاعة الفوضى الفكرية في المجتمع، وتفعيل القرارات والأنظمة الصادرة عن المنظمات المتخصصة في شأن حقوق الملكية الفكرية، خصوصا في ظل الاندفاع المحموم للاستثمار في الثقافة.

حروب بأبعاد ثقافية

يسوق مثقفون في حديثهم حول القمة العربية الثقافية المنتظرة، فكرة أن تحارب القمة الغزو الفكري الثقافي الغربي، وقالوا "إن صراعات المنطقة والحرب على الإرهاب بدأت تتخذ منحى ثقافيا، وإذا عدنا إلى الأعوام الـ30 الماضية، فسنجد أن الغرب قد صدر للعالم العولمة والصراع بين الحضارات".
على نحو آخر، زادت المطالب حول التركيز على القضايا التي تحظى بالاتفاق في السياسات العربية في القمة الثقافية، واستبعاد القضايا التي تثير الخلافات في أول محفل ثقافي عربي وقد تؤدي إلى أزمة ثقافية، والتركيز على القواسم المشتركة مثل قضايا النشر وحرية تداول الكتب في الوطن العربي، حتى لا تكون قمة "فرقة" لا قمة "اجتماع".

صندوق المثقف

في الوقت نفسه، يعاني المشهد الثقافي العربي قلة الدعم والاهتمام بالمثقف العربي، في ظل مطالب بإنشاء "صندوق المثقف"، الذي يعنى بدعم المؤلفات والإصدارات الورقية والرقمية، والحفاظ على حقوق المثقف الفكرية، وتحقيق الأمن الصحي والمعيشي للمبدعين، وسط آمال وطموحات بأن تعمل القمة على تحقيق إنجازات فعلية وحلول عملية لتحديات الثقافة، دون الاكتفاء بإصدار بيانات وتوصيات، وأن تتجاوز الأطر الرسمية وعدسات الكاميرات وكلمات الإطراء المتبادلة.
وكان أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية أعرب في تصريح صحافي أخيرا عن أمله في أن تسهم هذه القمة في تعزيز الواقع لدى مجتمعاتنا في قضية الثقافة، باعتبارها حجر الزاوية في أي مشروع نهضوي، وطالب المهتمين بالعمل الثقافي العربي بعدم الاكتفاء بنقل الخطاب المتطرف والمنغلق، والعمل على تطوير خطاب مضاد تنويري معاصر يربط الثقافة العربية بعصرها وتراثها الحقيقي، وهو تراث إنساني.
وأكد أن الثقافة العربية تقف اليوم في مفترق طرق حقيقي وتواجه سؤالا صعبا: كيف تجدد نفسها من غير أن تفقد هويتها وامتدادها في جذور التاريخ، وكيف تتماشى مع هذا العصر دون أن تذوب في تياراته العاتية؟
 

الاقتصادية