د. سعد القرش
ذكرني مقال «غوغل أم جوجل أم قوقل؟» للدكتور هيثم الزبيدي في صحيفة «العرب»، 13 مارس 2019، بدهشة أصابتني مرتين. في زيارتي الأولى إلى المغرب عام 2005، فاجأني في مطار الدار البيضاء نداء على رحلة «أغادير». ونحن في مصر حسنو النية ننطقها كما تكتب بحرف الغين، فإذا هي «جيم» مصرية.
وأما المرة الثانية ففي زيارتي الأولى إلى الهند عام 2007، ولم أسمع «طاغور» و«غاندي»، بحرف الغين وإنما «طاجور» و«جاندي» بالجيم القاهرية. وليست القاهرة وحدها الصامدة على ألسنتنا ولا ترقق إلى همزة، فهناك الكثير: الموسيقي، الموسيقار، القواعد، القوانين، القرآن، القولون، القوقعة، القاع، خط الرقعة، القرابين، القيروان، قسنطينة، القسطنطينية، قُم، صلاة القِيام، القيادة، القائد، القوْم والقومية، وغيرها.
أنهى الكاتب مقاله بهذا النداء: «يا مجمع اللغة العربية: النجدة»، ولا أتوقع نجدة؛ فالمجامع تتحصن بكبرياء مزدوجة: الأولى لغوية فلا تقرّ كلمة تمشي في الأسواق وتجري على الألسنة، وصارت مصطلحا عموميا، إلا إذا بلغت الكلمة سن الشيخوخة، واستحال تجاهلها، ففي شيخوختها الاستعمالية أسباب الحياة والبقاء والقوة التي تعوز ألفاظا أخرى أماتها التهميش.
والنوع الثاني من الكبرياء يخص تعصبا لا تنهيه عضوية أعلام عرب في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ إنشائه عام 1934، أو اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية الذي تأسس عام 1971.
يحظى «G» بأربعة أشكال: «ج» «غ» «گ» «ق». وليس مستحيلا الاتفاق على رسمه في عموم العالم العربي. متى يصبح المصطلح مصطلحا؟ الإجابة الأكثر تبسيطا: بعد «الاصطلاح» على دلالته؛ فلا يكون له في بلد عربي معنى، وفي بلد آخر بديلٌ «اصطلاحي» مختلف. ويحتاج الأمر إلى لجنة ممثلة للبلدان العربية تصوغ دستورا «اصطلاحيا» موحدا وملزِما أيضا برسم المصطلح.
ستثمر التجربة وتنقذنا من خلاف (ضلال؟) اصطلاحي مزمن. ولوكالة رويترز قبل إطلاق «النشرة العربية» في أبريل 1980 تجربة خاضها، على مدى أسبوعين، الأستاذ عاصم عبدالمحسن أول رئيس للتحرير. سألته فأجابني بأن النقاش أنهى التنافس بين المدرستين المصرية والشامية، «بالتنازل المتبادل في بعض الشكليات مثل تلفزيون بدون ياء وتليفون بالياء، رغم أن المنطق يقول بتوحيد شكل الكتابة فيهما.
أما في غير ذلك فقد تم تغليب المنطق وهو الجيم، سواء معطشة «J» ومرققة «G» تكتب «ج» إلا عند تغليب الخطأ الشائع، كذلك كتابة الاسم كما ينطق بالإنجليزية كسوفييت بدلا من سوفيات، وميشيل لا ميشال. سبب إصراري هو توحيد المصطلح، فإذا أريد التفرقة بين الجيمين فلماذا نكتب مانغو ولا نكتب إنغليز، وهي نفس الجيم؟ ولماذا نكتب سكائر ولا نكتب سغائر مع أن الأصل هو الجيم؟ كان الحوار مضنيا ومثمرا أيضا، وكان أبرز التنازلات في التلفزيون والتليفون».
وقال إن إصرار «إخواننا في بيروت» على حرف الغين سببه واقعة تخص إبرام مصر صفقة الميج في الخمسينات، وقد نطقها مذيع لبناني على أنها J «وكانت فضيحة. وكان ردي أن جهل أو خطأ شخص لا يبرر. وأشرت إلى أن هناك ثلاثة حروف هي (J، P، V) كانت توضع فوقها أو تحتها ثلاث نقاط في أجهزة الطباعة العربية القديمة لتمييزها، وتخلو منها الأجهزة الحديثة، فهل معنى ذلك أن المذيعين جميعا يخطئون في نطق حرفي P وV؟ ثم كيف يمكن التمييز بين g وgh إذا كتبا بحرف الغين؟».
ليت الأمر اقتصر على معضلة حرف «G»، فبعد أن بلغت الخمسين اكتشفت مصادفة أن الأسماء الخمسة ليست خمسة كما علمونا، ولكنها ستة، ففي مصر يخلجهم «هَنْ».
العَرب