مُحبّون للغة العربية

د. حسن مدن

 

سعدتُ قبل أيام بلقاء مجموعة من الطلبة الأجانب أتوا كوفد زائر إلى البحرين من دولة الإمارات، حيث يدرسون الأدب في جامعة نيويورك بأبوظبي. ويجمع بين أعضاء المجموعة، من الجنسين، أنهم جميعاً اختاروا دراسة اللغة والأدب العربيين، وفي نطاق اهتمامهم هذا أتوا البحرين؛ للتعرّف إليها وإلى ثقافتها، حيث طلبوا مني أن أقدم لهم نبذة عن ذلك، تلتها مجموعة من الأسئلة من قبلهم.

ينتمي هؤلاء الطلبة إلى مجموعة من البلدان المختلفة ومن عدة قارات، فبينهم قادمون من بريطانيا، ألمانيا، تايلاند، الكوريتين الجنوبية والشمالية، كينيا، بيلاروسيا، قرغيزيستان وغيرها، وبينهم كذلك بعض الطلبة العرب المتحدرين من عائلات مهاجرة للغرب، وولدوا هناك، ولم يتح لهم دراسة لغتهم العربية حيث يقيمون وهم تلاميذ، فقرروا دراستها في الجامعة، لكن أغلبية أفراد المجموعة كانوا أجانب.

سعدتُ أيضاً أن تكون في العاصمة الإماراتية جامعة، حتى لو كانت أجنبية، تولي اهتمامها بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وإليها يأتي محبو اللغة العربية من الطلاب الأجانب كي يتعلموها، وهو أمر جدير ليس بالثناء فقط، بل بالتشجيع، والدعوة إلى تعميم مثل هذه التجربة، فنجد أقساماً لتدريس اللغة العربية للأجانب في جامعاتنا الوطنية، فذلك يخدم الجهود المبذولة للتعريف بلغتنا وثقافتنا وحضارتنا، ومدّ جسور التواصل مع الثقافات الأخرى.

ليس جديداً عليّ الالتقاء مع الشباب في حوارات حول الكتابة والأدب، خاصةً مع تعدد المجموعات الشبابية المهتمة بالقراءة في بلداننا، لكن اللقاء مع هؤلاء الطلبة الأجانب العاشقين للغتنا تجربة مختلفة، حين نلمس في أعينهم الشغف بالتعرف إلى هذه اللغة والأدب المكتوب بها، وأيضاً إلى ما يحيط بالكاتب العربي من صعوبات، وكذلك التعرف إلى تأثير العادات والتقاليد في المنتوج الإبداعي العربي.

ليس بوسعنا ونحن نجد طلاباً أجانب في مقتبل أعمارهم يأتون إلينا لتعلم لغتنا، ويجدونها لغة مهمة جديرة بتعلمها؛ من أجل أن يمتلكوا مفاتيح التعرف إلى أسرارها وإلى كنوز الأدب والثقافة المكتوبة بها، أن نقفز على الحقيقة المُرّة التي تزداد تفاقماً سنة بعد سنة في بلداننا، من نشوء أجيال لا تعرف لغتها العربية، حيث يفكر أبناء وبنات هذه الأجيال بلغة، أو لغات أخرى، غير لغتهم، وبها يتحدثون ويكتبون، وبصعوبة شديدة يمكن أن يلفظوا بعض المفردات العربية، مع أنهم يعيشون في بلدانهم ووسط أهلهم.

كم من أجراس الخطر يجب أن تدقّ للتنبيه إلى الآثار المدمرة للثقافة العربية جراء استمرار هذا الازدراء للغتنا القومية؟

 

الخليج