كفايات اللغة العربية.. الحاجة إلى التطوير والتجديد

د. فارس أحمد محمد

 

تعد الكفايات التعليمية من أهم ركائز عملية التعلم والتعليم التي يقوم بها المعلمون والمعلمات لأداء رسالة التربية المنشودة، وإن العمل على إتقانها وحسن أدائها يتطلب استعدادات وقدرات ومهارات تدريسية متقدمة وقادرة على التخطيط والتنفيذ والتقويم، إضافة إلى امتلاكه للكفايات التربوية والشخصية كالإخلاص والتقوى وسعة العلم، وحسن المظهر والشخصية المتزنة، والحماس في التدريس، والصدق في القول والعمل، ولكي يؤدي التعليم رسالته ينبغي أن يكون تعليما هادفا في مناهجه والمواد التي يدرسها واستراتيجياته وأدواته التعليمية، ما ينعكس إيجابا على المتعلمين لتنشئة جيل يؤمن بالإبداع والابتكار والنقد البناء، ومتمثل بالأخلاق والقيم الأكاديمية، بذلك تأتي أهمية الكفايات التربوية التعليمية والشخصية للمعلم باعتبارها مؤشرات دالة على إعداد المعلم الكفء الذي يستطيع إحداث التغييرات المرغوبة في سلوك المتعلمين في ضوء الأهداف التربوية المنشودة.

وتعرف الكفايات التعليمية وفق المصادر والكتب التربوية العديدة بأنها القدرات والمهارات التي يمتلكها المعلمون والمعلمات في مجال تصميم العملية التعليمية وتنفيذها وتقوميها لتحقيق تعلم أكثر فاعلية، كما أنها قدرة الفرد على أداء قدر معني من المهارات، وتعرف بأنها القدرة على إنجاز النتائج المرغوبة مع اقتصاد في الجهد والوقت، وهي كذلك مجموعة المعلومات والخبرات والمهارات والأنشطة وأنماط السلوك المختلفة التي يمتلكها معلمو اللغة العربية في أي مرحلة، والتي يفترض أن يؤدوها في أثناء التدريس، ويمكن ملاحظتها وقياسها من خلال اعتماد الأداة المعتمدة والكفاية في التدريس، وهي تلك القدرة المتكاملة التي تشتمل على مجمل مفردات المعرفة والمهارات والاتجاهات المحددة بنجاح وفاعلية.

وتعد كفايات اللغة العربية في مملكة البحرين من الكفايات المميزة والفاعلة التي بنيت عليها مناهج وكتب اللغة العربية لعقود من الزمان، ومع تطور العصر وتقدم التكنولوجيا والتفجر المعرفي وبروز مهارات القرن الحادي والعشرين وتأثيرها في مناحي الحياة اليومية كافة، كان لا بد من وقفة مع هذ الكفايات ودراستها وإعادة النظر فيها والعمل على تطويرها وتجديدها، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: لقد مر على اعتماد هذه كفايات اللغة العربية قرابة ثلاثين عامًا، وهي فترة طويلة نسبيًا وتحتاج إلى إعادة النظر والعمل على تطويرها بما يتواكب وتطورات العصر الحالي، ففي تلك الفترة خرجت البحوث التربوية بالعديد من المستجدات والنتائج التربوية الجديدة في مجال الاستراتيجيات التدريسية، وعلم نفس النمو وخصائص الطلبة والمتعلمين وميولهم واهتماماتهم لمختلف المراحل الدراسية، كنظرية الذكاءات المتعددة والذكاء العاطفي ومهارات التفكير الابداعي ونظرية التعلم المستند إلى أبحاث الدماغ، ونظرية التعلم المبني على المشاريع... وغيرها من النظريات التربوية الحديثة، لذا كان لا بد من تطوير الكفايات وتجديدها تماشيًا مع رؤية مملكة البحرين 2030 التي تهدف إلى التميز والريادة إقليميًا والتنافس عالمياً في المجالات كافة، ومن بينها المجال التربوي، ولغتنا العربية من بين أهم المجالات في ذلك، فهي المعبرة عن هوية المملكة وتراثها وتقاليدها وماضيها وحاضرها ومستقبلها.
ثانيًا: ضرورة تطوير كفاياتها التعليمية بما يتواكب ومهارات القرن الحادي والعشرين، والتي لا بد أن تتضمن الكفايات التعليمية، ومنها مهارات التواصل الفعال، المهارات التكنولوجية، مهارات العمل الجماعي، مهارات التخطيط، مهارات حل المشكلات والتفكير الناقد البناء، وأخيرا مهارات القيام بالمهام والإدارة الذاتية.
وفي هذا الجانب لا ننكر أن كفايات اللغة العربية في مملكة البحرين قد تضمنت بعضًا من هذه المهارات، لكننا ندعو إلى الاهتمام بها جميعًا وتضمينها الكفايات التعليمية، كي يمتلكها طالبنا ويتقنها ويكون في مجال التنافس العالمي ندًا لأقرانه في مختلف دول العالم.
ثالثًا: التقدم العلمي والتفجر المعرفي في مختلف نواحي الحياة اليومية التي نعيشها حاليًا، فقد تطورت طرق التواصل والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، الإنستغرام، سناب شات، تويتر) -وغيرها من التطبيقات التكنولوجية- بشكل متسارع عمل على تغيير مسار حياتنا، وجعلت الناس في غرفة صغيرة وليس في قرية صغيرة، فأصبحنا على تواصل سريع وفائق مع مختلف الأحداث والتغيرات العالمية اليومية، وتناثرت الأفكار من كل حدب وصوب، لذا لا بد من تضمين الكفايات ما يعين الطالب على امتلاك المعرفة المناسبة والبحث عن المعلومة من مصدرها الصحيح، فيتعلم مهارات البحث والدراسة من مصادرها الصحيحة والمناسبة، ولا بد منا من طرح كفايات خاصة بالبحث والدراسة مواكبة لهذا التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي.
وفي هذا المجال، ندعو ونقترح على وزارة التربية والتعليم تشكيل لجنة لتطوير كفايات اللغة العربية في مملكة البحرين، تضم اختصاصيي اللغة العربية وأعضاء من هيئة التدريس في كلية البحرين للمعلمين المتخصصين في مناهج وأساليب تدريس اللغة العربية، وكذلك المتخصصين في علم النفس التربوي، وأعضاء من هيئة التدريس في كلية الآداب من قسم اللغة العربية المتخصصين في اللغة النحو والأدب، بالإضافة إلى عدد من معلمي اللغة العربية المتميزين في الميدان التربوي المشهود لهم بالخبرة المتميزة والعطاء المتفاني والقدرة على إفادة الميدان، وهذه اللجنة تعمل على مدار عام كامل من أجل تطوير كفايات اللغة العربية وتطويرها، ومن ثم يتم العمل على تطوير كتب اللغة العربية في مملكة البحرين، وهذا ما سنتناوله في المقالة القادمة.
 

الأيام