ليس‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬

د. نور الدين ثنيو

 

الذين‭ ‬زجُّوا‭ ‬بموضوع‭ ‬ضرورة‭ ‬استبدال‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وإحلال‭ ‬اللغة‭ ‬الإنكليزية‭ ‬محلها،‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬مُبَيَّتة‭ ‬واضحة،‭ ‬وهي‭ ‬إلهاء‭ ‬الحراك‭ ‬عن‭ ‬مقصده‭ ‬الحقيقي‭: ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬وليس‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيله‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬بقايا‭ ‬السلطة،‭ ‬فبعد‭ ‬منع‭ ‬رفع‭ ‬أي‭ ‬راية‭ ‬عدا‭ ‬العلم‭ ‬الوطني،‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬الاستثمار‭ ‬الشعبوي‭ ‬الساذج‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬اللغة‭ ‬والتعبير‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭. ‬والذين‭ ‬سارعوا‭ ‬إلى‭ ‬التهليل‭ ‬لهذا‭ ‬التصرف،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهة‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يعنيها‭ ‬شأن‭ ‬الجزائريين‭ ‬بعد‭ ‬22‭ ‬فبراير‭/‬شباط،‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬ديمقراطيين،‭ ‬مثلهم‭ ‬مثل‭ ‬بقايا‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم،‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يؤجلوا‭ ‬مجيء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كأفضل‭ ‬إطار‭ ‬يبرر‭ ‬قضايا‭ ‬الأمة،‭ ‬فمعروف‭ ‬أن‭ ‬المسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالهوية‭ ‬ووجود‭ ‬مكوّنات‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترتهن‭ ‬بقرارات‭ ‬فوقية،‭ ‬بل‭ ‬تأتي‭ ‬عبر‭ ‬حوار‭ ‬داخلي‭ ‬مؤسساتي‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬شروطه‭ ‬الديمقراطية‭. ‬

كذلك‭ ‬الذين‭ ‬هللوا‭ ‬لبقايا‭ ‬السلطة،‭ ‬عندما‭ ‬عَمَدت‭ ‬إلى‭ ‬اعتقال‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬على‭ ‬اثر‭ ‬اكتشاف‭ ‬مؤامرة‭ ‬تستهدف‭ ‬رأس‭ ‬قيادة‭ ‬الأركان،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬أيضا‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطيين،‭ ‬لأن‭ ‬الزج‭ ‬بالعصابة‭ ‬الفاسدة‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬وجرّها‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬وأروقة‭ ‬القضاء،‭ ‬يقتضي‭ ‬وضعا‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬يؤمن‭ ‬الإنصاف‭ ‬والعدالة،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والحق،‭ ‬لأن‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي‭ ‬ينبئ‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬أن‭ ‬يحاكم‭ ‬نفسه،‭ ‬والمسرحية‭ ‬لا‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬أحد‭. ‬الانتصار‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬الشعب‭ ‬دَشّن‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬تأتي‭ ‬حتما‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الفاسدين،‭ ‬الذين‭ ‬نهبوا‭ ‬البلد‭ ‬وسرقوا‭ ‬خيراته‭. ‬فيجب‭ ‬الحذر‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬يُرْمى‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بقصد‭ ‬إلهائه‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬الحراك‭ ‬ومصيره‭.‬
لا‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬مقومات‭ ‬ومقتضيات‭ ‬الأمة‭ ‬والدولة‭ ‬إلا‭ ‬بعدما‭ ‬يمتلك‭ ‬الشعب‭ ‬فعلا‭ ‬سلطته،‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬إطاحته‭ ‬بنظام‭ ‬العصابة‭. ‬وما‭ ‬زال‭ ‬الشعب‭ ‬ينتظر‭ ‬ممارسة‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬السيادة،‭ ‬بسبب‭ ‬اعتراض‭ ‬قيادة‭ ‬الأركان‭ ‬التي‭ ‬استأنست‭ ‬بقوتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬هزيمتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬وإخفاقها‭ ‬في‭ ‬تمرير‭ ‬مرشح‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬رمي‮»‬‭ ‬موضوع‭ ‬اللغة‭ ‬الإنكليزية‭ ‬مكان‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬إنما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬رَبْح‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬ينسي‭ ‬الجميع‭ ‬حقيقة‭ ‬مسار‭ ‬الحراك‭ ‬وغاياته‭ ‬الحتمية‭. ‬فالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬طرح‭ ‬مسألة‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬تصرف‭ ‬يستخف‭ ‬بمقومات‭ ‬ومقدرات‭ ‬وخبرات‭ ‬تاريخ‭ ‬الجزائر‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭. ‬فاللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬لها‭ ‬وضعstatut‭ ‬رسمي‭ ‬غير‭ ‬مكتوب،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الافتئات‭ ‬عليه‭ ‬بالقرارات‭ ‬الارتجالية‭ ‬والخطاب‭ ‬المخاتل،‭ ‬فحقيقة‭ ‬الحقائق‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬‮«‬مقوّم‮»‬‭ ‬مقدس‭ ‬لدى‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬لديه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬تخطيها‭ ‬والتخلي‭ ‬عنها‭.‬
‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬ليس‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فاللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬لها‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬بالهوية،‭ ‬لكنه‭ ‬ارتبط‭ ‬أشد‭ ‬الارتباط‭ ‬بتاريخ‭ ‬الجزائر‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر،‭ ‬فقد‭ ‬صنع‭ ‬بها‭ ‬الجزائريون‭ ‬استقلالهم‭ ‬وتحررهم،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬انعتاقهم‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬البالي‭ ‬والتقاليد‭ ‬المتكلسة،‭ ‬وحالة‭ ‬التَّدَيّن‭ ‬الجَامد‭ ‬الذي‭ ‬يجتر‭ ‬الماضي‭ ‬ويكرره‭ ‬في‭ ‬رتابة‭ ‬من‭ ‬المواسم‭ ‬والعادات‭ ‬والشعائر،‭ ‬التي‭ ‬تؤبد‭ ‬نظم‭ ‬الزوايا‭ ‬الطرقية،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬الشبان‭ ‬الجزائريين‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬أول‭ ‬تيار‭ ‬حداثي‭ ‬توسل‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬للإفصاح‭ ‬عن‭ ‬مقدرات‭ ‬الجزائريين،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬راهنهم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬خلفوه‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬علمي‭ ‬ومدني‭ ‬وديني‭ ‬يمتلك‭ ‬الحياة‭ ‬والحيوية،‭ ‬لكي‭ ‬يعزز‭ ‬مقام‭ ‬الجزائر‭ ‬والجزائريين‭ ‬ومكانتهم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ليست‭ ‬للمساومة،‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬عنها،‭ ‬أو‭ ‬ينتقم‭ ‬منها،‭ ‬كاستمرار‭ ‬لوجود‭ ‬استعمار‭ ‬وهمي‭. ‬فاللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ـ‭ ‬كما‭ ‬يجري‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬والمجتمع‭ ‬ـ‭ ‬مُعْطى‭ ‬إداري‭ ‬ثقافي‭ ‬وتاريخي‭ ‬ورثته‭ ‬الجزائر‭ ‬كغنيمة‭ ‬من‭ ‬غنائم‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭. ‬فالنظام‭ ‬السياسي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتحمّل،‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬ترقية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬كلغة‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬ولغة‭ ‬إبداع‭ ‬وهوية،‭ ‬والكتابة‭ ‬الرسمية‭ ‬لقوانين‭ ‬وإجراءات‭ ‬الدولة‭ ‬وبلورة‭ ‬خطاب‭ ‬واضح‭ ‬يترجم‭ ‬حقيقة‭ ‬فكر‭ ‬الجزائريين‭ ‬في‭ ‬قضاياهم‭ ‬ومصائرهم‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬العالم،‭ ‬خاصة‭ ‬منه‭ ‬العربي‭. ‬إن‭ ‬إخفاق‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬لا‭ ‬تتحمّله‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ولا‭ ‬النظام‭ ‬الفرنسي،‭ ‬بل‭ ‬يقع‭ ‬حصرا‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬حيث‭ ‬سادت‭ ‬‮«‬البلطجة‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعير‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬ومصداقية‭ ‬لقيم‭ ‬الوطن‭ ‬وأخلاقه،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لغته‭ ‬العربية‭.‬
‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬ليس‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وإنما‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الانخراط‭ ‬المجاني‭ ‬والشَّعْبوي‭ ‬في‭ ‬جدل‭ ‬عقيم‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬يلهي‭ ‬الحراك‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬نضاله‭ ‬السلمي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬السيادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬السلطة‭. ‬إن‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬ترتاد‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬الساحات‭ ‬والميادين‭ ‬العامة‭ ‬ترفع‭ ‬شعارات‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ولا‭ ‬تنتابها‭ ‬أي‭ ‬عقدة‭ ‬وخجل‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنها‭ ‬تتعامل‭ ‬بعفوية‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬ووضع‭ ‬ورثته‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬تاريخية‭ ‬حديثة‭. ‬وعليه،‭ ‬فطرح‭ ‬مسألة‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬التصويت‭ ‬للمفاضلة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬اللغة‭ ‬الإنكليزية‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬والتحليل،‭ ‬إعطاء‭ ‬فرصة‭ ‬لقدماء‭ ‬العروبة‭ ‬والقومية‭ ‬من‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬عدو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قائما،‭ ‬وتعطيل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬حيويتها‭ ‬المدنية‭ ‬والحضارية‭ ‬والتواصل‭ ‬الجدلي‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬مظاهر‭ ‬وتجليات‭ ‬الحداثة‭. ‬فالانتقام‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بعد‭ ‬تواري‭ ‬الاستعمار‭ ‬هو‭ ‬مجازفة‭ ‬بمقدرات‭ ‬ومقومات‭ ‬شعب‭ ‬يتحدث‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ويبدع‭ ‬بها‭ ‬ويفكر‭ ‬بواسطتها‭ ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تغرب‭ ‬عن‭ ‬بال‭ ‬أحد‭ ‬منّا،‭ ‬وتدعونا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نندرج‭ ‬خلف‭ ‬ما‭ ‬ترميه‭ ‬بقايا‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬تشغله‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الحراك‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬دائما‭ ‬استعادة‭ ‬زمام‭ ‬السيادة‭ ‬الفعلية،‭ ‬والانتقال‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬القانونية،‭ ‬تتحرر‭ ‬على‭ ‬أثرها‭ ‬الجماهير‭ ‬وتقرر‭ ‬مصيرها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مصير‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كلغة‭ ‬تداول‭ ‬وتخاطب‭ ‬بين‭ ‬الجزائريين‭ ‬ومع‭ ‬الغير‭. ‬
‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬قوة‭ ‬الحراك‭ ‬أنه‭ ‬يأبى‭ ‬عرض‭ ‬القضايا‭ ‬المزيِّفة‭ ‬للوعي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬إليه‭ ‬العصابة،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ‬بقايا‭ ‬السلطة‭. ‬ومن‭ ‬جملة‭ ‬القضايا‭ ‬الفاسدة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬خارج‭ ‬تفكير‭ ‬جماهير‭ ‬الحراك،‭ ‬مسألة‭ ‬الانتصار‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬يوجد‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وهي‭ ‬اللغة‭ ‬الإنكليزية‭. ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬يقرر‭ ‬مصير‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الخلط‭ ‬الرهيب،‭ ‬يداني‭ ‬الإرهاب‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياته‭. ‬عندما‭ ‬يتمادى‭ ‬نظام‭ ‬مهزوم‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬بالسلطة‭ ‬ويعمد‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬الأمة،‭ ‬فإنه‭ ‬حتما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬العدمية‭ ‬والفوضى‭ ‬القاتلة‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الشجرة‭ ‬تقَيّم‭ ‬من‭ ‬ثمارها،‭ ‬فإن‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الجزائري‭ ‬ليست‭ ‬لديه‭ ‬عقدة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬إلا‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬امتلاكه‭ ‬لناصية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وهجانة‭ ‬لسان‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭.‬
هذا‭ ‬المقال‭ ‬ليس‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬إشكالية‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬وأبعادها‭ ‬الواقعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬فقد‭ ‬تعامل‭ ‬معها‭ ‬النظام‭ ‬السلطوي‭ ‬الجزائري‭ ‬طوال‭ ‬عهود‭ ‬الاستقلال‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬غير‭ ‬معترف‭ ‬بها،‭ ‬واستثمر‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬مناهض‭ ‬لاستعمار‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قائما،‭ ‬واللجوء‭ ‬عنده‭ ‬عندما‭ ‬تشتد‭ ‬الأوضاع‭ ‬داخل‭ ‬البلد،‭ ‬والاستثمار‭ ‬فيه‭ ‬عندما‭ ‬تفيض‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬أصحابها،‭ ‬وليس‭ ‬أخيرا‭ ‬الموت‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬ويفعل‭ ‬مجاهدو‭ ‬الأمس‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يفعل‭ ‬حكّام‭ ‬عهد‭ ‬الاستقلال‭. ‬
 

القدس العربي