
كلمة حق باللغة العربية
أ. عادل بطرس
ناضلت الدول العربية، وما زالت تناضل، من أجل الحفاظ على لغتها بعد أن مرت بعهود طويلة من الاحتلال والاستعمار أُهملت فيها اللغة العربية، بل وحُوربت وفُرضت على تلك الدول لغات أخرى غريبة عنها، كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية، وقد بدأت مصر هذا النضال مبكراً، ففي بداية أربعينيات القرن الماضي أصدرت أول قانون لحماية اللغة العربية، هوالقانون رقم 62 لسنة 1942 الذي نص على وجوب استعمال اللغة العربية في علاقات الأفراد والهيئات الحكومية ومصالحها، وتضمن نصا عقابيا لمن يخالف أحكامه، واستمر العمل بهذا القانون، الى ان حل محله القانون 115 لسنة 1958 الذي أوجب أن تحرر باللغة العربية المكاتبات والعطاءات وغيرها من المحررات والوثائق التي تقدم إلى الحكومة والهيئات العامة، كما أوجب تطبيق نفس القاعدة على العقود والإيصالات والمكاتبات المتبادلة بين المؤسسات أو الجمعيات أو الهيئات أو بينها وبين الأفراد، وفرض على اللافتات التي تضعها الشركات والمحال التجارية والصناعية على واجهات محالها أن تكتب باللغة العربية، على أن ذلك لا يمنع من كتابة هذه اللافتات بلغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية، بشرط أن تكون اللغة العربية أكبر حجما وأبرز مكانا، وتسري ذات القاعدة على العلامات التجارية، كما أوجب القانون أن تكتب باللغة العربية البيانات التجارية المتعلّقة بأي سلعة يجري إنتاجها بالبلاد. أما المنتجات والبضائع التي تستورد من الخارج، فتلصق عليها بطاقة باللغة العربية، تتضمن البيانات التجارية اللازمة، ونص القانون على عقوبات لمن يخالف أحكامه تصل إلى الحبس والغرامة. وقد تابع عدد من الدول العربية الأخرى إصدار قوانين مماثلة، منها المغرب والجزائر وتونس وليبيا والأردن وسوريا وقطر وغيرها. أما في الكويت، فقد نص دستورها على أن لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية، ونبع هذا النص من شعور واضعي الدستور بأهمية اللغة العربية كعنصر وحدة وانتماء للوطن العربي وترابط بين أفراد الأمة، فضلا عن كونها وسيلة لظهور الحضارة العربية وانتشارها. وفي تونس، تقدمت الكتلة الديموقراطية في مجلس النواب بمشروع قانون يتعلّق بترسيخ اللغة العربية، ودعم استعمالها وتعميمه، باقتراح جمعية الدفاع عن اللغة العربية في تونس، وينص هذا القانون على إلزام الحكومة، ومختلف السلطات، بجعل العربية لغة التعامل وتبادل المعلومات والوثائق مع الإدارات الرسمية، وفي ما بينها. وفي ليبيا، في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي أصدر مؤتمر الشعب العام قانوناً بمنع استعمال أي لغة غير اللغة العربية، حتى عند كتابة الوصفات الطبية (الروشتات)، ووضع عقوبات مغلظة على مخالفة احكامه منها غرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ويترتب على الحكم بهذه العقوبة إلغاء الترخيص وقفل المحل الذي يزاول فيه المخالف نشاطه، وحرمانه من الحصول على ترخيص بمزاولة الأنشطة الاقتصادية، كما يترتب عليه حرمانه من الحصول على جواز السفر والتراخيص وغيرها من الوثائق الشخصية، كما يحرم أبناؤه الذين يحملون أسماء بالمخالفة للقانون من القيد بالمؤسسات التعليمية، وتضاعف العقوبة على الموظف الذي يقوم بتسجيل الوقائع المخالفة في سجل الأحوال المدنية. وفي قطر، صدر القانون رقم 7 لسنة 2019 بشأن حماية اللغة العربية الذي يوجب اعتماد اللغة العربية الفصحى في المدارس والجامعات، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مع ضرورة إرفاق ترجمة باللغة العربية في الحالات التي تتطلب استعمال لغة أجنبية أخرى. وأحدث محاولة تجري الآن لحماية اللغة العربية هو الاقتراح بقانون المقدم الى مجلس الأمة الكويتي في ١٩ مارس ٢٠١٩ من عدد من النواب الأفاضل الذي يفرض استعمال اللغة العربية في جميع الأنشطة التي تمارس في الكويت. ولكن ما أود أن ألفت النظر اليه هو أن معظم السيارات المستوردة حديثاً بالبلاد العربية تستخدم الشاشة المثبتة أمام قائد السيارة لكتابة ارشادات وتعليمات مختلفة كموعد الصيانة الدورية (تشحيم وتزييت) ومدى كفاءة بعض اجهزة السيارة كضغط الإطارات وقوة البطارية وغيرها وأحياناً تكتب تحذيرات غاية في الأهمية، كأن تنبه السائق الى خلل طارئ في السيارة أو في الموتور أو أحد الأجهزه المهمة يستوجب الإصلاح الفوري كالكابح (الفرامل)، وأحياناً يجبره على التوقف حتى لا يشكل خطورة على السيارة أو على ركابها او السيارات التي تسير قريبا منها في ذات الطريق أو المارة وغيرها، وأحياناً يحار قائد السيارة الذي لا يعرف اللغة المكتوب بها التحذير، انه يرى أمامه علامة حمراء تشير الى ان هناك خطورة، ولكنه لا يعرف ما هو المطلوب منه: هل يستمر في السير أو يقف؟ هل يتوجه الى اقرب ميكانيكي؟ وهل تحتمل حالة السيارة الانتظار حتى يصل الى اقرب ورشة؟ كل هذه الحيرة يغنينا عنها ان تكتب هذه الإرشادات باللغة العربية، ولهذا نأمل ان يرى هذا الاقتراح النور بأن يشمله مشروع القانون الذي اقترحه الأخوة أعضاء مجلس الأمة الذي أشرنا اليه حالاً، أو مشروع القانون الذي أعده المجمع اللغوي في مصر، فكل منهما يستطيع ان يضيف نصاً يلزم الشركات المنتجة للسيارات بكتابة الإرشادات التي تظهر إلكترونياً على الشاشة أمام قائد السيارة.. باللغة العربية!
القبس
|
|
|