مظاهر الأمن اللساني المدعوم بالقرار السياسي

د. علي السرحاني

 

عندما سئل السياسي الألماني «بسمارك» عن أفظع الأحداث التي حدثت في القرن الثامن عشر أجاب: «إن الجاليات الألمانية في شمال أميركا اتخذت اللغة الإنجليزية لغة رسمية» وهو يعني أنه كان في شمال أميركا  - جاليات ألمانية كبيرة, وعند حصول هذه المستعمرات على استقلالها اتخذت اللغة الإنجليزية لغة رسمية لها، وكان يأمل أن تتخذ هذه المستعمرات عند استقلالها اللغة الألمانية بدلاً من الإنجليزية، كي يضمن ولاءها لألمانيا. وأثبت التاريخ صدق نظرة «بسمارك» ففي الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان ولاء الولايات المتحدة الأميركية لإنجلترا واضحاً، على الرغم من كل خلاف بين أميركا وإنجلترا, ومن مصادر هذا الولاء اللغة المشتركة التي تجمع بين الأمتين, إذ إن لوحدة اللغة أبلغ الأثر في تقريب الاتجاه الثقافي.

ويكشف لنا هذا أهمية اللغة القومية في حياة الشعوب، فاللغة هي أحد مكونات الأمم, وهي الرابط الذي يربط بين أبناء الأمة..  

وكم أتعجب من مقولة حكيم الصين (كونفوشيوس) حين سئل ذات مرة عما يصنع بادئ ذي بدء إذا ما كُلف بأمر البلاد؟ فأجاب: «إصلاح اللغة بالتأكيد, ثم سئل لماذا؟ فانبرى قائلاً: إذا لم تكن اللغة سليمة فما يقال ليس هو المقصود..» وهو صادق.

إننا وفي ظل المخاطر التي تواجه اللغة العربية نحتاج إلى دفعة قوية من أصحاب القرار السياسي لتعيد الوهج إلى وجه اللغة العربية المخطوف، وما أجمل أن يتحالف سلطان العلم وسلطان السياسة لإعادة تلك النضارة للعربية، إنه ومع كل هذا السوس الذي نخر معمار اللغة, وحاول أن يخرج قطارها البديع عن سكته السوية إلا أن الله قيض لهذه اللغة من الحماية والعناية ما جعلها كأهلها يضعفون ولا يموتون, لأن مادة الحياة في هذه اللغة أصله ثابت وفرعه في السماء.

ومن مظاهر الأمن اللغوي المدعوم بالقرار السياسي الدولي، دخول العربية إلى محافل الأمم المتحدة، حيث  تُرجمت بعض الوثائق الرسمية للجمعية العامة في الأمم المتحدة إلى اللغة العربية وفقاً للمادة 59 من نظام الأمم المتحدة في 4 كانون الأول/ ديسمبر 1954، بموجب القرار 878 (د-9)، لكنها لم تكن لغة رسمية. فلم تكن تستخدم في الاجتماعات ولم يكن يترجم إليها سوى قدر محدود من الوثائق، وهذا هو الوضع الذي نجد فيه اللغة الألمانية حالياً. ثم دخلت اللغة العربية محافل الأمم المتحدة عام 1973 فأصبحت منذ ذلك الحين لغة رسمية في الجمعية العامة والهيئات الفرعية التابعــة لها بالقرار 3190 (د - 28) تتحدث بها الوفود العربية وتصدر بها وثائق الأمم المتحدة. وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربيةً ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة وتقرر الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 / ديسمبر من كل سنة.

وفي 1 كانون الثاني/ يناير 1983، أصبحت اللغة العربية لغة رسمية في مجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ومن مظاهر الأمن اللغوي المدعوم بالقرار السياسي الإقليمي:

صدور وثيقة بيروت، (قانون اللغة العربية) التي صدرت في المؤتمر الدولي السنوي الأول (العربية لغة عالمية: مسؤولية الفرد والمجتمع) التي نظمه المجلس الدولي للغة العربية ببروت بالتعاون مع اليونسكو في الفترة من 19- 23 مارس 2012 والتي عقد من أجلها المؤتمر الدولي السنوي الثاني «اللغة العربية في خطر.. الجميع شركاء في حمايتها» 7- 10 مايو 2013م — دبي.. الذي نظمه المجلس الدولي للغة العربية بالتعاون مع منظمة اليونسكو واتحاد الجامعات العربية ومكتب التربية العربي لدول الخليج وعدد من المنظمات والهيئات الدولية. ومن بوابة المؤتمرين السابقين أطلت العربية على منصة التكريم في المؤتمر الدولي الثالث للغة العربي «الاستثمار في اللغة العربية ومستقبلها الوطني والعربي والدولي».

7-10 مايو 2014—  دبي.

ومن مظاهر الأمن اللغوي المدعوم بالقرار السياسي المحلي: ما جاء في المادة الأولى للنظام الأساسي للحكم : المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم «ولغتها هي اللغة العربية» وعاصمتها مدينة الرياض.

وتلك القرارات الداعمة للغة العربية:

ما أصدره مجلس الشورى السعودي في 24 / 6 / 1346هـ «الاعتناء باللغة العربية والمحافظة على أساليبها الفصحى ومراعاة أساليبها».

وصدر مرسوم ملكي رقم 32 من المادة 

(464) من نظام المحكمة التجارية في 5/ 1 / 1350 «بوجوب تحرير أوراق الجلب باللغة العربية في أثناء المحاكمة التجارية».

هذا وقد بلغ عدد القرارات الداعمة للغة العربية في مؤسسات المجتمع المدني السعودي 149 قراراً بدءاً من عام 1346، حتى 1435هـ.










 

الرياض