كيف انتشرت اللغة العربية في مصر وانقرضت القبطية؟

أ. يسري الخطيب

 

– لماذا انتشرت اللغة العربية في مصر، واختفت اللغة القبطية، رغم أنها كانت لغة الحياة للمصريين، وليس من السهل أن يتنازل الإنسان عن لغته؟!

– تحيا اللغة باهتمام أهلها بها، وتموت بإهمال أهلها لها؛ كما حدث مع اللغة العبرية التي أحياها اليهود في زمن قياسي؛ ومع العربية في الأندلس التي اندثرت بانتهاء العرب في الأندلس..

– تنازل المصريون في القرن الخامس الميلادي (قبل دخول الإسلام مصر بحوالي 200 سنة) عن حروف اللغة القبطية واستبدلوها بالحروف اليونانية، بسبب ضعف اللغة القبطية أمام سيطرة اللغة اليونانية واللغة السريانية؛ فقد كانت الأعمال الكتابية المهمة تكتب باليونانية، وكانت السريانية لغة الثقافة والأدب المصري، وهي المستعملة في جامعة الأسكندرية (عاصمة مصر آنذاك).

– عرف المصريون اللغة العربية قبل الفتح الإسلامي بقرون، بسبب هجرة بعض القبائل العربية واستقرارها في مصر قبل الإسلام، وبسبب التجارة (مجرد مجموعة كلمات وجُمل عربية للتعامل مع العرب)

– دخل الإسلام مصر في القرن السابع الميلادي، وتحديدا في 642 م، على يد الصحابي الجليل “عمرو بن العاص” رضي الله عنه وأرضاه.. وبدأ الصراع بين اللغتين العربية والقبطية..وبدأت أزمة المترجمين من العربية للقبطية والعكس.. واستمر ذلك حتى سنة 706م…

– بعد 64 سنة من دخول الإسلام مصر، وفي 706م؛ أصدر الخليفة عبد الملك بن مروان أمـرًا بتعريب الدواوين في مصر (مؤسسات ومكاتبات الدولة)

– كانت في مصر 3 لغات قبل الإسلام: اليونانية: وكانت لغة الطبقة الحاكمة ومكاتبات الدولة.. واللغة السريانية: وكانت لغة المثقفين ولغة مكتبة الأسكندرية وجامعتها.. واللغة القبطية: وهي لغة العامة من الشعب المصري، ومع دخول العربية أصبح في مصر 4 لغات تتصارع على البقاء: (القبطية واليونانية والسريانية والعربية).. وبدأ المصريون الذين أسلموا في تعلّم وإتقان اللغة العربية…

– في القرن التاسع (سنة 849م) طلب الخليفة المتوكل من النصارى واليهود في مصر، تعلّم اللغة العربية لإذابة الفوارق واندماج جميع طبقات المجتمع المصري، ولكنهم رفضوا.

– في بداية القرن الحادي عشر، عندما تولّى (الحاكم بأمر الله) حُكم مصر (966 – 1020م)، وبمجرد أن استتب له الأمر، أصدر أمرًا تاريخيا، بجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية لمصر، وتجريم اللغات الأخرى..لأن العربية كانت قد انتشرت وسادت تدريجيا، ولم يفرضها أحد بالقوة.. من بداية الفتح الإسلامي في 642 م.. حتى قانون الحاكم بأمر الله، حوالي سنة 1010م… حوالي 4 قرون..

– 4 قرون كاملة.. 400 سنة.. لم يفرض المسلمون على المصريين دينا ولا لغة.. وتركوا ذلك للزمن، فكان خير علاج.. فقد سارت اللغة في مصر، كما الماء في الرمل.

– كان تعلّم العربية وسيلة لتعلّم وفهم القرآن، فاتجه المصريون برغبتهم لتعلم لغة العرب، وبذل العرب المسلمون أقصى جهدهم لنشر اللغة العربية مع نشر الإسلام..

وهو نفس ما فعله سعد زغلول في سنة 1906 عندما أصبح وزيرا للمعارف (التربية والتعليم).. فقد أمر سعد زغلول بتعريب التعليم المصري، وكانت جميع مناهج وكتب التعليم في مصر قبل سنة 1906م، باللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي.. ولو لم يفعل سعد زغلول غير تلك الحسنة في حياته لكفاه.. ولولا قراره التاريخي العظيم؛ لكان المصريون الآن مثل دول: الجزائر وتونس والمغرب، اللغة العربية في بلادهم غريبة تعاني..

– وعلى الرغم من أن اللغة القبطية صارت لغة ميتة وشبه مختفية الآن – باستثناء الطقوس الدينية في الكنائس المصرية – إلا إنها تركت آثارًا قوية ما زالت موجودة حتى الآن في اللهجة المصرية، فمعظم كلمات اللهجة العامية المصرية قبطية الأصل، مثل: مدشوش – سُك الباب – هلفوت – هجاص – رغاي – الخُن – مدسوس – حِمِش – مهكع – أردب – انتش – أُوطة – بصارة – ترمس – أمبو – وحوي يا وحوي – كاني وماني – شونة – فتافيت – لحلوح – ملوخية – هلوسة – فشخرة – مخرشم – يسرسب – هايف – بزرميط – محلسة… وآلاف الكلمات الأخرى.

– الشعب المصري هو الشعب الوحيد في التاريخ الذي تنازل عن لغته من أجل دينه، فقد تمسّك الأتراك بلغتهم، ودول شرق آسيا والأمازيغ، وأهل النوبة وغيرهم بلغتهم، وما زال الأمازيغ في دول المغرب وفي واحة سيوة المصرية، يقدسون لغتهم ويحاربون من أجلها، ويورثونها لأبنائهم حتى لا تموت، كما يفعل أهل النوبة، والأفارقة والهنود والآسيويون المسلمون…

– المصريون فقط في التاريخ البشري كله، هم الذين تركوا لغتهم، وتنازلوا عنها، من أجل دينهم ولغة دينهم..
 

الأمة