اللغة العربية.. والألسنة المعوجّة
أ. خالد وليد محمود
بمناسبة احتفال الناطقين باللغة العربية باليوم العالمي للغة الضاد، الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام، احتفى معهد الدوحة للدراسات العليا، وبالتعاون مع كلية الشرطة الأسبوع الماضي بهذه المناسبة، تحت عنوان «اللغة العربية والمجتمع.. دور قطر». وتناولت الأوراق التي ناقشت بشكل معمق أهمية المحافظة على لغة الضاد، والقدرة على نشرها، ودور دولة قطر في الحفاظ عليها. ولا يخفى على أحد مساهمة القانون القطري رقم 7 للعام 2019 الخاص بحماية اللغة العربية، والذي عزز من مكانة «لغة الضاد» في وجدان أبنائها، وراح يفرض احترامها من قبل الآخرين، ويجعلها «أولاً» حاجز صدّ في مواجهة الأخطار التي تتهددها.
يومياً تصلني رسائل عبر «الواتس آب»، أو أرى تعليقات في منصات التواصل الاجتماعي أو رسائل خاصة من أناس كُثر يطلقون عنان جماحهم التخريبي فسادًا بالعربية، فيرتكبون كوارث لغوية مرعبة، لو سمع بها «أبو الأسود الدؤلي»، أو غيره من النحاة، لكانوا قد تململوا في قبورهم انزعاجاً من هذا الوضع الذي آلت إليه لغة الضاد! فتراهم ينصبون الفاعل، ويجرون المنصوب، ويرفعون المجرور، ويعبثون باللغة أيما عبث!
المتابع لما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي يدرك حجم البؤس الذي يمارس بحق اللغة العربية. ولا تستغرب عزيزي القارئ لو قلت لك إن هذه الأخطاء الفادحة تمارس من حملة «شهادات عليا»، يساهمون بصورة أو بأخرى بتشويه اللغة، سواء نحواً أو إملاء بقصد أو بدونه، لتقف أمام لغة تواصل جديدة لا تمت للعربية الأصيلة بأية صلة.
ويبدو أن اللغة العربية لا تحاصر فقط في المؤسسات التعليمية، وإنما أيضاً في معظم مناحي الحياة الافتراضية منها، والاجتماعية أيضاً، فنرى من أبناء الأمة من يعتقد بأن استعمال اللغة الأجنبية إشارة على التقدم والعلم والأناقة، في الوقت الذي يرى فيه أن استعمال اللسان العربي دلالة على التخلف!
أما أولئك الذين لا يزالون يعتقدون في عجز اللغة عن التعبير عن حاجات العصر، نذكرهم بأن أول مراتب الهزيمة في هذا الاعتقاد. ولنتذّكر جميعاً كيف نهضت اليابان بلغتها، وليس بلغة غيرها، وهي اليوم تقف على رأس قافلة الحضارة الإنسانية، ويعتز الياباني -حتى لو تعلم لغات أجنبية- بلغته التي يكتب بها، ويفكر بها، ويبرمج الحواسيب بها.
أما «نحن» فينبغي أن نستوعب من هذا درساً نعطيه لجيل «السوشيال ميديا» في قوة التحيّز للغتنا العربية وفاعليته في النهوض، بعيداً عن التسول الحضاري؛ إذ إن «لغة الضاد» هي أهم عناصر الهوية، وكلما اهتم الإنسان العربي بلغته كان ذلك دليلاً على قوته ونهضته وأصالته، والعكس صحيح تماماً.
وأخيراً، إن احترام اللغة هو من احترام الذات، ومن تجليات الاعتزاز بالانتماء، ولغتنا العربية قوية لم تُهزم، لكنها مهما كانت بهذه القوة فإنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً في عقول مهزومة، وألسنة معوجة... والله المستعان.
العرب