إنْ - الخفيفة المكسورة الهمزة وأقسامها في القرآن الكريم

د. مناهل عبد الرحمن الفضل

 

( إنْ ) الخفيفة المكسورة الهمزة من الحروف التي تعمل حيناً وتُهمل أحياناً ، وهي حرف مبني على السكون ، له سبعة أقسام : ( المرادي : الجني الداني ص208 )
أحدها : ( إنْ ) الشرطية ، أصل الجزاء وأم حروفه ، قال سيبويه : ( زعم الخليل أن ( إنْ ) هي أم حروف الجزاء ، فسألته لِمَ قلت ذاك ، فقال : من قبل أنّي أرى حروف الجزاء قد يتصرفن فيكن استفهاماً ، ومنها ما يفارقه ( ما ) فلا يكون فيه الجزاء ، وهذه على حال واحدة أبداً لا تفارق المجازاة ) . 
قال العكبري : ( اللباب في علل البناء والإعراب 2/50 ) ( وأما ( إنْ ) الشرطية فهي أم أدوات الشرط لوجهين : 
أحدهما : أنها حرف وغيرها من أدواته أسماء ، والأصل في إفادة المعاني الحروف .
والثاني : أنها تُستعمل في جميع صور الشرط وغيرها يخص بعض المواضع ، فـ( مَن ) لمن يعقل ، و( ما ) لما لا يعقل ، وكذلك باقيها كلٌ منها منفرد بمعنى و( إنْ ) مفردة تصلح للجميع .
فـ( إنْ ) الشرطية حرف عامل جاء لمعنى ، تقتضي جملتين الأولى شرطاً والثانية جواب وجزاء ، وجواب الجزاء يكون بالفعل أو بالفاء ، وذلك نحو : إنْ تقم أقم ، قال ابن الأنباري : ( إنما وجب أن تعمل الجزم لاختصاصها بالفعل ، ولأنها تقتضي جملتين ، فأطول ما يقتضيه حرف الشرط اختير له الجزم لأنه حذف وتخفيف ) .
وقد وردت في القرآن في أربعمائة وواحد موضعاً من ذلك قوله تعالى : ( إنْ ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف ) ( سورة الأنفال آية 38 )  ،
وقد تقترن بـ( لا ) النافية ، وذلك نحو قوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) ( سورة التوبة آية 40 ) .
الثاني : ( إنْ ) النافية ، اتفق النحاة على أن ( إنْ ) تجيء بمعنى ( ما ) النافية في نفي الحال ، وقد ذهب إلى ذلك سيبويه وابن جني والزمخشري وغيرهم من النحاة ، فهي – عندهم – غير عاملة ، وذلك نحو قوله تعالى : ( إنِ الكافرون إلا في غرور ) ( سورة الملك آية 20 ) ، ولكنها عاملة عند ابن مالك ، ترفع الاسم وتنصب الخبر حيث ألحقها بـ( ليس ) لمشابهتها لها في الدخول على المعرفة ، وعلى الظرف والجار والمجرور ، والمخبر عنه بمحصور ، فيقال : إن زيد فيها ، وإن زيد إلا فيها ، ومثل ذلك قولهم : إن ذلك نافعك ولا ضارك ، ونحو قوله تعالى: ( إنْ عندكم من سلطان بهذا )( يونس : 68 ) 
وهي تعمل عمل ليس بثلاثة شروط : 
أحدها: أن يكون اسمها مقدماً ، وخبرها مؤخراً .
والثاني : ألا ينتقض النفي بإلا .
والثالث : ألا يليها معمول الخبر وليس ظرفاً ولا جاراً ومجروراً . 
فإن اختل شرط من هذه الشروط بطل عملها .
وقد وردت في ستة وتسعين موضعاً ، وهي تدخل على الجملة الاسمية – كما مثلنا – كما تدخل على الجملة الفعلية ، نحو قوله تعالى : ( إنْ أردنا إلا الحسنى ) ( سورة التوبة آية 107 ) .
وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى :( ولَئِن زالتا إنْ أمسكهما من أحدٍ من بعده ) ( سورة فاطر آية 41 ) ، فالأولى شرطية والثانية نافية ، جواب للقسم الذي آذنت به اللام الداخلة على الأولى ، وجواب الشرط محذوف وجوباً . ( ابن هشام الأنصاري : مغني اللبيب ص 35 ) .
فإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء ، وأجاز الكسائي والمبرد إعمالها عمل ( ليس ) ، وقرأ سعيد بن جبير : ( إن الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالُكم ) ( سورة الأعراف آية 194 ) ، بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين ، ونصب ( عباداً ) و( أمثالَكم ) .
وسُمِع من أهل العالية : ( إن أحدٌ خيراً من أحد إلا بالعافية ) .
ومما يتخرج على الإهمال – الذي هو لغة الأكثرين – قول بعضهم : ( إنْ قائمٌ ) ، وأصله : ( إنْ أنا قائم ) ، فحذفت همزة ( أنا ) اعتباطاً ، وأدغمت نون ( إنْ ) في نونها ، وحذفت ألفها في الوصل . ( ابن هشام الأنصاري : مغني اللبيب ص36 ) .
الثالث : ( إنْ ) المخففة من الثقيلة ، قال المبرد : ( فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر ، ولم يجز غير ذلك ) ( المقتضب 2/360 ) ، وتلزم لام الابتداء الخبر بعد المهملة فارقة بينها وبين ( إنْ ) النافية ،  وذلك نحو: وإن نظنك لَمن الكاذبين ،وقد وردت في سبعة وثلاثين موضعاً ، وفيها لغتان :
الإهمال والإعمال ، وقرئ بالوجهين قوله تعالى: ( وإن كلاً لمّا ليُوفينّهم )( سورة هود آية 111)  ، فإذا أعملت فحكمها حكم الثقيلة ، وإذا ألغيت جاز أن يليها الأسماء والأفعال النواسخ ، نحو قوله تعالى : ( وإنْ كانت لَكبيرة ) ( سورة البقرة آية 143 ) ، وندر قول الشاعر : شلّت يمينك إنْ قتلت لمسلماً            وجبتْ عليك عقوبة المتعمد
ويكثر إهمالها في نحو قوله تعالى : ( وإن كل ذلك لمّا متاع الحياة الدنيا ) ( سورة الزخرف آية 35 ) ، وقراءة حفص : ( إنْ هذانِ لَساحران ) ( سورة طه آية 63 ) ، وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون ( هذان ) .
وإن دخلت على الفعل أهملت وجوباً ، وذلك نحو قوله تعالى : ( وإنْ كادوا لَيفْتِنونك ) ( سورة الإسراء آية 73 ) .
الرابع : ( إنْ ) الزائدة ، إنما تزاد لفائدة لفظية ومعنوية ، وهو تأكيد المعنى وتقويته ، وتُزاد بعد ( ما ) النافية و( ما ) الموصولة و( ما ) المصدرية وبعد ( ألا ) الاستفهامية وقبل مدة الإنكار ، وذلك نحو قولك : ما إن زيدٌ قائم ، ونحو قوله تعالى : ( ولقد مكنّاهم فيما إن مكنّاكم فيه ) ( سورة الأحقاف آية 26 ) ، وأكثر ما زيدت بعد ( ما ) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كقول الشاعر :( النابغة الذبياني : البغدادي – خزانة الأدب 3/571 ) :
ما إنْ أتيتُ بشيء أنت تكرهه        إذاً فلا رفعتْ سوطي إليّ يدي
أو اسمية كقول الشاعر : 
 فما إنْ طبنا جبنٌ ، ولكن       منايانا ودُولةٌ آخرينا 
وفي هذه الحالة تكف ( ما ) الحجازية عن العمل .
وقد سمع سيبويه رجلاً يقال له : أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال : أأنا إنيه ؟ منكراً أن بكون رأيه على خلاف ذلك ، والأصل : أنا و ( إن ) الزائدة ، ومدة للإنكار ، وهاء للسكت ، فالتقى سكون ( إنْ ) مع سكون المدة فكسرت النون ، ثم انقلبت ألف المد ياء لانكسار ما قبلها . ( سيبويه – الكتاب 2/420 )
الخامس : ( إنْ ) التي هي بقية ( إما ) ، ذكر ذلك سيبويه ، وجعل منه قول الشاعر : 
( النمر بن تولب : الخزانة 4/434 )
سقتهُ الرواعدُ من صيفٍ          وإنْ من خريفٍ فلن يعدما
قال : أراد إما من خريف . ( سيبوبه : الكتاب 1/135 )
السادس : ( إنْ ) التي بمعنى ( إذ ) فقد ذهب إلى ذلك الكوفيون وجعلوا منه قوله تعالى :
 ( واتّقوا اللهَ إن كنتم مُّؤمنين ) ( سورة المائدة آية 57 ) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : 
( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) ( صحيح مسلم : كتاب الجنائز ) ، وقد وردت في ثلاثة وتسعين موضعاً ، من ذلك قوله تعالى : ( وذروا ما بقيَ من الرِّبا إن كنتم مُّؤمنين )
 ( سورة البقرة آية 278 ) ، قيل معناه : إذ كنتم .
السابع : ( إنْ ) التي بمعنى ( قد ) ، وقد ذهب إلى ذلك قطرب ، وجعل منه قوله تعالى : 
( فذكِّر إن نفعتِ الذكرى ) ( سورة الأعلى آية 9 ) ، فقد ذهب السيوطي إلى أنه لا يصح معنى الشرط فيه لأنه مأمور بالتذكير على كل حال . ( السيوطي – الاتقان 1/155 ) .
من كل ما تقدم يتضح لنا أن تغيير حركة الحرف من التضعيف إلى التخفيف له أثر بالغ في عمل الحرف وفي معناه ، فـ( إنْ ) الشرطية حرف جاء لمعنى وهي أم حروف الجزاء ، وعملت لاختصاصها بالفعل ، و ( إنْ ) النافية فهي بمعنى ( ما ) في نفي الحال ، وأغلب النحويون على إهمالها وقليل منهم على إعمالها ، وأن ( إنْ ) المخففة من الثقيلة أُهملت غالباً لزوال اختصاصها وتلزم لام الابتداء الخبر فارقة بينها وبين ( إنْ ) النافية  ، وأما ( إنْ ) الزائدة فهي تفيد تأكيد المعنى وتقويته ، كما عرفنا أن ( إنْ ) تأتي بمعنى ( إذ ) كما أنها تأتي بمعنى ( قد) .