المانيا - ندوة حول الأدب العربي المعاصر في ألمانيا
ياسر فائز
ضمن احتفاء معهد جوته بمرور 50 عاماً على صدور مجلة (فكر وفن) الألمانية، التي تصدر بثلاث لغات – إضافة إلى الألمانية – العربية والفارسية والإنكليزية، قدم محررها شتيفان فايدنر، أمسية الأحد 16 فبراير، باتحاد الكتاب السودانيين، محاضرة عن الأدب العربي المعاصر في ألمانيا.
أوائل المهاجرين العرب
لم تكن ألمانيا من الدول الاستعمارية ذات الشأن الكبير مثل فرنسا وبريطانيا، لذا فإن معظم المهاجرين العرب لم يتعلموا الألمانية أو يتعرفوا على ثقافتها إلا في سن متقدمة نسبياً، ليس مثل المهاجرين في فرنسا الذين تعلموا اللغة الفرنسية بأوطانهم الأم (دول شمال وغرب أفريقيا) ومنذ الصغر.
وعلى الرغم من هذه الحقيقة فإنه منذ سبعينيات القرن الماضي تسجل ألمانيا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المهاجرين العرب. وقد جاء العرب الأوّلون عقب الحرب العالمية الثانية بغرض الدراسة والتحصيل العلمي، وهذا يرتبط بانقسام ألمانيا عقب الحرب إلى دولتين؛ شرقية وغربية، ودرس العرب في الشق الشرقي (الشيوعي) من ألمانيا، وأغلبهم من الدول العربية التي كانت تعتنق الاشتراكية، خاصة بالمفهوم البعثي أو بالمفهوم الناصري.
ألمانيا لم تكن من دولة استعمارية ذات شأن مثل فرنسا وبريطانيا، لذا فإن معظم المهاجرين العرب لم يتعلموا الألمانية إلا في سن متقدمة
العزاوي وناجي نجيب
ويذكر اسم كاتبين مرموقين في ألمانيا؛ السوري عادل القرشولي من مواليد عام 1936م وجاء إلى ألمانيا للدراسة عام 1961م والذي يكتب على طريقة بريشت وترجم لشعراء عرب أبرزهم محمود درويش وأدونيس ونزار قباني.
وهناك العراقي فاضل العزاوي، صاحب رواية (آخر الملائكة)، من مواليد 1940م وجاء إلى ألمانيا عام 1977م إثر تعرضه للاضطهاد السياسي وترجم أعمالاً أدبية ألمانية إلى العربية.
لكن هناك كتاب عرب جاءوا إلى ألمانيا الغربية منهم المصري ناجي نجيب الذي توفي عام 1987م، وترجم من الأدب العربي الحديث إلى الألمانية وأسس دار أورينت للنشر التي ما تزال تعمل. وجاء السوري فؤاد رفقة توفي عام 1910م وترجم إلى العربية أعمالا شعرية ألمانية، وقد عاد إلى لبنان ليقيم فيه بنحو نهائي.
ينشرون الثقافة الألمانية
وبهذا يمكن ملاحظة أن هذا الجيل من الكتاب العرب، منهم من عاد إلى بلدانهم لكنهم وما زالوا يساهمون في نشر الثقافة الألمانية، ومنهم من أقام على نحو دائم في ألمانيا وصاروا يكتبون بالألمانية ويترجمون منها وإليها أو يكتبون بالعربية ثم يترجمون إلى الألمانية.
ويتنامى على نحو مضطرد الذين يأتون إلى ألمانيا لأسباب سياسية طلبا للجوء أو للنجاة من الاضطهاد في مقابل عدد الذين يأتون على نحو طوعي.
خاصة جيل الذين هم في أعمار الأربعينيات والخمسينيات، ويمكن الاستشهاد بكاتبين سوريين هما: سليمان توفيق المولود عام 1953م وجاء إلى ألمانيا في السابعة عشرة من عمره وهو يكتب الشعر ويترجم.
ورفيق شامي (الاسم المستعار لسهيل فاضل) وهو من مواليد 1946م وجاء إلى ألمانيا عام 1971م وهو اليوم أحد من أشهر وأهم المؤلفين في ألمانيا ويتفوق في عدد المبيعات على غيره.
الجيل الأحدث
وفي السبعينيات جاء من العراق؛ حسين المزاني المولود عام 1954م الذين يكتب بالألمانية والعربية ويترجم، ومن أهم ترجماته رواية غونتر غراس (طبل الصفيح).
وخالد المعالي المولود عام 1956م يكتب الشعر بالعربية ويترجم من الشعر العربي، وأسس دار الجمل للنشر، لكنه مؤخرا اتخذ من بيروت مقرا لإقامته ولدار النشر التي ابتدرها في ألمانيا.
الجيل القديم من الكتاب العرب، منهم من عاد إلى بلدانهم لكنهم وما زالوا يساهمون في نشر الثقافة الألمانية، ومنهم من أقام على نحو دائم
ومن الجيل الأحدث هناك المصري حامد عبد الصمد المولود عام 1972م وجاء إلى ألمانيا عام 1995م وهو كاتب شهير في ألمانيا وكان قد نشر كتابين حول الثورات العربية والإسلام إلى جانب كتاب في السيرة الذاتية. والعراقي عباس خضر المولود عام 1973م وجاء إلى ألمانيا عام 2000م ويكتب الشعر بالعربية والروايات بالألمانية التي تحظى بانتباه النقد في ألمانيا.
صوتنا في ألمانيا
لا تدور كتابة العرب عن ألمانيا بل عن العالم العربي وحول ما ترسب من أحداث وذكريات مستقاة من أوطانهم الأم، فهم لم يتأقلموا بعد على ألمانيا من حيث الموضوعات التي يتناولها إنتاجهم الأدبي، وهذا التوجه ينطوي – بالنسبة للقراء الألمان – على ميزة بينة وإغراء كبير للتعرف على عوالم وقصص وسير غريبة عن محيطهم الثقافي، وهم يجدون هذا الأدب مكوناً حقيقياً من مكونات الحياة العربية، لذا يطلب كثيراً من الكتاب العرب الإبداء برأيهم في شؤون وموضوعات سياسية آنية تتعلق بأوطانهم الأم، وبذلك صار صوت العالم العربي.
وحول طبيعة اللغة التي يكتبون بها وماهية القراء، فإن أغلب الكتاب العرب الذين يكتبون بالألمانية يتقنونها لكنهم لا يجيدونها بنحو تام، وبذلك فهم لا يمتلكون ناصية الألمانية كما يمتلك المثقف الألماني ناصية لغته الأم، لكن هذا القصور نادرا ما ينطوي على خسارة، فالعرب يكتبون بلغة سلسة تضمن لهم انتشاراً واسعاً، ومن أسباب شغف القراء برفيق شامي هو أن أسلوبه يكاد يكون سرداً شفهياً، ويتجلى ذلك في لقاءاته مع الجمهور حيث يقف أمامهم ويسرد حكاياته ارتجالا، ما ينطوي على ظاهرة جديدة في الأدب الألماني.
التأثير البالغ للكُتَّاب العرب في ألمانيا على المشهد الثقافي العربي في ترجمة الأعمال الألمانية إلى العربية خاصة خالد المعالي وحسين المزاني وفاضل العزاوي
تجديد الشعر العربي
ويكمن تأثير الكتاب العرب في ألمانيا على المشهد الثقافي العربي في ترجمة الأعمال الألمانية إلى العربية خاصة خالد المعالي وحسين المزاني وفاضل العزاوي.
كما يكمن في كتابة الشعر مثل فاضل العزاوي وخالد المعالي وفؤاد رفقة وعلي القرشولي، فهم يدبجون شعراً لا يشابه التعبيرات والأساليب البلاغية الدارجة في القصيدة العربية، وهم يشابهون مدارس جوته وريكله وبيرشت.
وهذا يصنع امتزاجاً حقيقياً بين الشعر الألماني والشعر العربي، وكتاباتهم ذات طابع فلسفي وسياسي، وهم يتخذون موقفاً قوياً ومتقدماً في نقدهم لما هو سائد في أوطانهم الأم، وقد تشبعوا بفلسفة الأنوار التي يمثلها هايدجر وكانت وهيغل، وأضحت وجهات نظرهم تؤثر في العالم العربي.
أخبار البلدان
|
|
|