
اللغة العربية .. لغة العلم والمعرفة
د. رضا أمين
صدح بها طه حسين عميد الأدب العربي ، حين قال : لغتنا العربية يسر لا عسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا ان نضيف إليها ما نحتاج إليه في العصر الحديث
وقال الشاعر حافظ إبراهيم عن لغتنا الجميلة :
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فاللغة هي الوعاء الذي يحمل الفكر والثقافة بين الأجيال المتعاقبة
واللغة هي وسيلة التواصل الإنساني منذ خلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها .
واقع لغتنا العربية الآن يشي بأنها تعاني جفوة من أهلها ، حيث هجرها البعض إلى اللغات الأجنبية الأخرى، وآخرون مزجوا بين كلماتها وكلمات أعجمية ، والبعض الآخر يحرص على أن يتعلم بنوه وذووه لغة غير العربية حتى يتحصل على المال والوظيفة المرموقة .
لكن الله تعالى تكفل بحفظها مهما وجهت لها من إساءات ، حيث أنها الوعاء الذي يحمل أشرف المعجزات الإلهية وآخر الكتب السماوية : القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، حيث تعهد الله تعالى بحفظ كتابه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
ولا يحفظ كتاب إلا بحفظ مفرداته وتعابيره ولغته التي بها ينطق ، وبحروفها يتحدى .
إشكاليتنا الآن مع اللغة أنها لغة قوم تقدم الآن ركب الحضارة دون عظيم إضافتهم إليها ، وتقدمت شتى العلوم في بيئات غير ناطقة بلسانها .
بيد أن الذين يدعون بأن العربية لا تصلح أن تكون لغة علمية يظلمون تاريخا من التقدم في شتى فروع العلم ، بنيت عليه بشهادة الكثير من العلماء والباحثين نهضة أوربية غربية حديثة ، في الكيمياء والطب والبصريات والعلوم الرياضية كالحساب والجبر والهندسة ، وفي العلوم الاجتماعية والفلسفية كعلم الاجتماع والفلسفة والتصوف ، وغيرها من العلوم .
والسؤال الآن هل يمكن أن تكون العربية وعاء لموجة جديدة من نهضات علمية وتقنية ؟ والإجابة بالقطع نعم ، لأن مقدمات المنطق تقودنا نحو الاستنتاج الصحيح بأن من حمل التقدم العلمي سابقا يمكنه فعل ذلك لاحقا ، فقط تنقصنا إرادة تحقيق ذلك .
ولأن المعرفة تراكمية ، لابد من الاطلاع على مستجدات العلوم المختلفة ونقلها إلى العربية بالترجمة .
العلم متصل لا منقطع ، ولا يمكن البدء من الصفر في أي من فروعه ، والتراكم المعرفي والعلمي يختصر الكثير من الوقت والجهد .
لذا علينا نحن العرب أن نقدم للغتنا التي تمثل رمزا لهويتنا ما تقدمه الأمم المتحضرة للحفاظ على هويتها ، والنضال من أجل الحفاظ عليها .
وإذا كانت العربية هي إحدى اللغات الست الرسمية في الأمم المتحدة : الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والأسبانية والعربية ، فإن هذا الأمر لا يعني تشريفا للغة العربية بقدر ما يعني تمثيلا جغرافيا لكتلة كبيرة من البشر تتحدث العربية حول العالم ، بل شرف للأمم المتحدة أن تكون العربية إحدى لغاتها الرسمية ، فهي لغة العلم لقرون ممتدة ، فضلا عن أن الاعتبارات السياسية غير العادلة هي التي تتحكم في اختيار اللغات الرسمية في المنظمة الأممية ، حيث أن لغة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن لغات رسمية ، ولا توجد سوى الأسبانية والعربية كلغات لا يمثلها مندوبون دائمون بمجلس الأمن الأممي .
وكذلك الأمر بالنسبة لما أقرته اليونسكو من اعتبار اليوم الثامن عشر من شهر ديسمبر كانون الأول من كل عام يوما للغة العربية ، باعتبارها لغة عالمية ، فلغتنا لا يكفيها أن نخصص لها يوما عالميا ، لغتنا تحتاج أن نحفل بها في كل مجالات العلم والبحث والإبداع والابتكار .. لنستحق الانتساب للغة شرفها الله تعالى لتكون لغة آخر كتاب أنزل من السماء .
|
|
|