تركيا - اللغة ثقافة .. تدريس اللغة العربية في تركيا.. بالأمس واليوم

محمد حقي

يتشاطر الأتراك والعرب روابط تاريخية وثقافية عميقة قائمة على الثقافة الإسلامية المشتركة. لقد نشأت الثقافة التركية - الإسلامية بعد اعتناق الأتراك للإسلام واتخذوا الحروف العربية في كتابة لغتهم التركية واحتفظت اللغة العربية بمكانة مرموقة في مراحل تاريخية عديدة.

يتناول هذا البحث المراحل التي مر عبرها تدريس اللغة العربية في تركيا، بدءاً من العهد السلجوقي مرورا من العهد العثماني ووصولا إلى مرحلة ما بعد تأسيس جمهورية تركيا الفتية.

ويقوم البحث بتحليل المناهج المتبعة في تلك المراحل مع التعريف بالمؤسسات التعليمية الرسمية في مجال تدريس اللغة العربية في تركيا.

يتشاطر الأتراك والعرب روابط تاريخية وثقافية عميقة قائمة على الثقافة الإسلامية المشتركة. لقد انضمت الأراضي العربية ضمن الإمبراطورية العثمانية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حيث انضمت للأراضي العثمانية كل من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر ومنطقة الحجاز في عهد السلطان بايزيد الثاني (1481م ـ1512م) والسلطان ياووز سليم (1512م ـ1520م)، والعراق والبصرة وليبيا والجزائر واليمن والسواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية في عهد السلطان سليمان القانوني (1527م ـ 1566م)، وجنوب شبه الجزيرة العربية واليمن (1568م) وتونس (1574) والمغرب (1577م) في عهد الصدر الأعظم صوكوللو محمد باشا. ومع دخول الإمبراطورية العثمانية مرحلة الانحطاط بدأت الدول الأوربية بغزو هذه الأراضي واحدة تلو الأخرى.

كان تعليم اللغة العربية من الوسائل الحتمية الكفيلة باستمرار النظام الإداري الذي ورثه العثمانيون من الأتراك السلجوقيين والذي لم تكن فيه الثقافة التركية الطابع الغالب في المجتمع الإسلامي، بل كانت منصهرة في ثقافة إسلامية مشتركة.

أما في الوقت الراهن عندما يقال «تعليم اللغة الأجنبية» فلا يخطر على البال عادة إلا تعلم اللغات مثل الإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها من اللغات الأوربية الشائعة. فهناك قناعة شائعة في تركيا على أن تعليم اللغة العربية يندرج ضمن التعليم الديني.

لقد نشأت الثقافة التركية-الإسلامية بعد اعتناق الأتراك للإسلام في عهد القراخانيين (932م ـ1212م) الذين اتخذوا الحروف العربية في كتابة لغتهم التركية، وبذلك احتلت لغة القرآن مكانة مرموقة في حياة الأتراك.

كانت المدارس التقليدية هي المؤسسات التعليمية الوحيدة في الدولة السلجوقية. وكانت لغة التعليم فيها هي اللغة الفارسية. أما تعليم النحو والصرف العربيين في تلك المدارس فكان جاريًا لغرض استيعاب الكتب الدينية والمراجع الإسلامية الرئيسة. لذلك فإن الهدف المنشود من تعليم اللغة العربية لم يكن لتعليم اللغة نفسها بل لترسيخ التعليم الديني بواسطة لغة القرآن.

أما العهد العثماني فمن الممكن دراسته من ناحية تعليم اللغة العربية في مرحلتين، الأولى «مرحلة المدارس التقليدية» (1299م ـ1773م)، والثانية «مرحلة المدارس الرسمية» (1773م -1923م).

2.1 مرحلة المدارس التقليدية (1299م -1773م)

كانت لغة التعليم خلال هذه المرحلة هي اللغة العربية، إلا أن الهدف من تعليم اللغة العربية ليس إلا فهم الكتب المدرسية السارية في ذلك الوقت، واستيعاب المصادر الإسلامية الرئيسة من تفسير وحديث وفقه إسلامي.

وكان تعليم اللغة العربية يعتمد على تعليم القواعد النحوية والصرفية عن طريق حفظ كتب الصرف وهي «أمثلة»، «بناء»، «مقصود»، «عزّي»، «الشافية»، وكتب النحو وهي «العوامل»، «إظهار»، «الكافية»، «ملاّ جامع»... إلخ.

وكانت طريقة التعليم هي تدريس الكتب المذكورة ثم قراءتها عن ظهر قلب. وهي طريقة تقوم على الاستدلال، حيث تعطى القواعد أولاً وتليها بعض الأمثلة العشوائية وبمعزل عن السياق اللغوي غالبًا.

ولم تكن لهذه المدارس مناهج دراسية معتمدة من قبل إحدى الجهات الرسمية في ذلك الوقت. فكانت معلومات طلابها مقتصرة على فحوى هذه الكتب من قواعد وعلل معظمها غير عملية. وبذلك كانوا يتعلمون معلومات عن اللغة العربية وليست اللغة العربية نفسها. وتعليم اللغة العربية في تلك المرحلة أشبه بتعليم اللاتينية والإغريقية لدى الغرب في العصور القديمة.

مرحلة المدارس الرسمية (1773م-1923م)

في هذه المرحلة تم ولأول مرة تأسيس مدارس رسمية على المستوى المتوسط تابعة لـ«نظارة المعارف» (وزارة التربية) في الوقت الذي واصلت فيه المدارس التقليدية التي تمولها الأوقاف دراستها على المنهاج القديم الآنف الذكر. وكانت دراسة اللغة العربية في هذه المدارس «الجديدة» تجرى كمادة مساندة لتعليم التركية العثمانية بجانب اللغة الفارسية.

وقد جرى تعليم اللغة العربية في هذه المدارس «الجديدة» في إطار تعليم قواعد الصرف والنحو العربيين التي من شأنها تسهيل دراسة التركية العثمانية التي أصبحت لغة «مختلطة» من التركية والعربية والفارسية من ناحية ثروة الكلمات والتراكيب اللغوية والبناء.

ومن السهل تقويم أسباب فشل تعليم اللغة العربية في هذه المدارس إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم تمكن معلمي تلك المدارس من إجراء أسهل حوار ثنائي مع أبناء العرب في عهدهم. لذلك لم تكن حالة تعليم اللغة العربية في هذه المدارس «الجديدة» مختلفة عن التعليم الجاري في المدارس التقليدية.

 البحث عن مناهج جديدة

ظل تعليم اللغة العربية في المدارس التقليدية كما هو، خلال مرحلة المدارس الرسمية التي ظهرت فيها جهود فردية في سبيل تسجيل خطوات ناجحة في تدريس اللغة العربية. فعلى سبيل المثال كان «الحاج إبراهيم أفندي»، وهو مؤسس مدرسة «دار التعليم» الابتدائية الخاصة في العام 1882م، ذائع الصيت بفضل طريقته الجديدة في تعليم اللغة العربية لتلاميذ هذه المدرسة الذين تتراوح أعمارهم بين 11و14 سنة.

وعليه فقد أصدر السلطان والحكومة أوامرهما لتطبيق وتطوير «تعليم اللغة العربية بطريقة الحاج إبراهيم أفندي» الذي يقوم على شرح قواعد الصرف والنحو العربيين شرحًا وافياً ليسجلها الطلاب بعد ذلك في كراساتهم، وبالتالي إجراء تدريبات كافية حول القاعدة المشروحة من قبل الطلاب.

وكانت كل حصة تتضمن مراجعة الدرس السابق وتعلم قواعد لغوية جديدة ثم حفظها، فضلاً عن توجيه الاهتمام لمهارات التحدث والترجمة من التركية إلى العربية. إلا أن هذه الطريقة لم تكتسب إقبالاً شاملاً وظلت مجهودًا فرديًا.

 تعليم اللغة العربية من تأسيس الجمهورية التركية إلى يومنا

تركزت الجهود في عهد مصطفى كمال أتاتورك على تطوير التعليم على المستوى الابتدائي، الأمر الذي أدى إلى تكثيف الجهود على تعليم اللغة التركية التي أصبحت عنصرًا أساسيًا من عناصر القومية التركية.

وقد صدر في العام 1924م ضمن هذه الجهود قانون «توحيد التعليم» الذي تم بموجبه توحيد جميع المؤسسات التعليمية والتربوية تحت رعاية «وزارة التربية الوطنية» والقاضي بإلغاء المدارس التقليدية التي سبق ذكرها.

وكانت الفترة ما بين 1930 و1950 بمنزلة فترة «ركود» بالنسبة لتعليم اللغة العربية في جمهورية تركيا. إلا أنه في أعقاب الخمسينيات حيث انتشرت مدارس الأئمة والخطباء في أنحاء البلاد، أصبحت اللغة العربية تُدرس في هذه المدارس كمادة دراسية مساندة لمواد أخرى من تفسير وحديث وفقه وغيرها من المواد المهنية، وكذلك في كليات الإلهيات وأقسام اللغة العربية وآدابها التابعة لمختلف الجامعات.

 تعليم اللغة العربية على المستوى الثانوي

تفيد إحصائيات العام الدراسي 2009/2010م بدراسة 198581 طالبًا وطالبة في 489 ثانوية للأئمة والخطباء في أنحاء تركيا. ومدة الدراسة في هذه الثانويات التي تعتبر «مهنية» هي أربع سنوات.

وعدد حصص اللغة العربية 5 حصص لكل سنة دراسية في "ثانويات الأئمة والخطباء" الاعتيادية، و4 حصص لكل سنة دراسية بالنسبة لـ"ثانويات الأناضول للأئمة والخطباء". وعليه فإن عدد حصص اللغة العربية في هذه الثانويات على النحو التالي:

********************************

/////////////////////// جداول ///////////////////////

                   الصف التاسع    الصف العاشر   

نوع الثانوية**الصفوف**عدد حصص اللغة العربية أسبوعيا**عدد حصص اللغة العربية سنويا**مجموع عدد حصص اللغة العربية كاملة

 

ثانويات الأناضول للأئمة والخطباء***الصف الأول***5***180***720

          الصف الثاني***5***180***720

          الصف الثالث***5***180***720

          الصف الرابع***5***180***720

ثانويات الأئمة والخطباء العادية***الصف الأول***4***144***576

          الصف الثاني***4***144***576

          الصف الثالث***4***144***576

          الصف الرابع***4***144***576

 

تم إعداد منهج جديد لتدريس اللغة العربية في هذه الثانويات في العام 2006، كما قامت لجنة تتكون من الأساتذة الجامعيين ومعلّمي مادة اللغة العربية في هذه الثانويات بإعداد سلسلة الكتب المدرسية التي تشمل كتاب الطالب وكتاب المدرّس وكتاب التدريبات بالإضافة إلى التسجيلات الصوتية الخاصة بها.

تعليم اللغة العربية في الثانويات العامة

اتخذت وزارة التربية الوطنية التركية قرار هذا العام يقضي بتدريس اللغة العربية في ثانويات العامة كلغة أجنبية اختيارية أو إلزامية على غرار اللغات الأجنبية الأخرى من بينها الإسبانية والإيطالية والصينية.

ولاتزال الأعمال مستمرة لتشكيل لجنة من الخبراء الذين سيقومون بإعداد مناهج هذه المادة الجديدة.

وبعد صدور المناهج والكتب الدراسية فمن الممكن أن يتم تدريس اللغة العربية في الثانويات غير المهنية على النحو التالي:

**************************************************

 

اللغة العربية في الثانويات العامة***لغة أجنبية إجبارية      3        2        2        2

          لغة أجنبية ثانية  2        2        2        2

         

لغة أجنبية اختيارية      

4       

4       

4       

4

 

 

 

 

الصف الحادي عشر      

الصف الثاني عشر

اللغة العربية في الثانويات العامة  لغة أجنبية إجبارية        3        2        2        2

          لغة أجنبية ثانية  2        2        2        2

         

لغة أجنبية اختيارية      

4       

4       

4       

4

 

 

 

                   الصف التاسع    الصف العاشر    الصف الحادي عشر       الصف الثاني عشر

اللغة العربية في ثانويات "الأناضول”      لغة أجنبية إجبارية        6        4        4        4

          لغة أجنبية ثانية  2        2        2        2

          لغة أجنبية اختيارية       4        4        4        4

 

 

تعليم اللغة العربية في الجامعات التركية

تدريس اللغة العربية في كليات الآداب أو التربية

هناك 5 جامعات تركية حكومية تتضمن أقسامًا خاصة بتعليم اللغة العربية وآدابها، وهي:

 

 

جامعات نشيطة حاليا

اسم الجامعة***المدينة***تاريخ تأسيس قسم اللغة العربية***مدة الدراسة***التخصّص

جامعة أنقرة***أنقرة***1935***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة اسطنبول***اسطنبول***1938***4 سنوات (+سنة تمهيدية)***لغة وآداب

جامعة أتاتورك***أرضروم***1968***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة الغازي***أنقرة***1984***4 سنوات (+سنة تمهيدية)***تربية، لغة وآداب

جامعة سلجوق***قونية***1986***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة دجلة***دياربكر***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة أوكان***اسطنبول***2009***4 سنوات (+سنة تمهيدية)***ترجمة تحريرية وشفوية

 

 

جامعات فيها أقسام اللغة العربية رسميا لكنها غير نشيطة

جامعة كيريك كالة***كيريك كالة***1993***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة غازي عنتاب***غازي عنتاب***2010***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة كيليس     كيليس***2010***4 سنوات***لغة وآداب

جامعة كارامانوغلو مهمت بك***كارامان***2010***4 سنوات***ترجمة

 

كما تجري في كل من جامعة أنقرة وجامعة اسطنبول وجامعة أتاتورك وجامعة الغازي دراسة اللغة العربية وآدابها على مستويي الماجستير والدكتوراه.

تعليم اللغة العربية في كليات الإلهيات

اتخذت كليات الإلهيات التي مدة الدراسة فيها أربع سنوات تشكيلاً جديدًا في السنوات الأخيرة، حيث تم تقسيمها إلى فرعين، أحدهما يدرب طلابه لإعداد الباحثين في مجال العلوم الإسلامية وكذلك لتغطية احتياج الكادر الإداري والتربوي لدى المؤسسات الدينية الرسمية، والفرع الثاني يتولى تدريب معلمين لمادة الدين والأخلاق الإلزامية للمدارس على المستوى المتوسط والثانوي.

 

الصف التحضيري***الصف الأول***الصف الثاني***الصف الثالث***الصف الرابع

كليات الإلهيات التخصصية***-***9 حصص***4 حصص***حصتان***حصتان

برنامج تربية معلّمي المادة الدينية بالمدارس العامة***-***6 حصص***-***-***-
 

يدرُس طلاب النوع الأول من كليات الإلهيات مادة اللغة العربية من خلال تسع حصص أسبوعيًا في السنة الأولى، وأربع حصص أسبوعيًا في السنة الثانية، وحصتين في السنة الثالثة والرابعة على التوالي. أما النوع الثاني من هذه الكليات فيجري تعليم اللغة العربية فيها خلال السنتين الأولى والثانية فقط، وذلك من خلال خمس حصص في السنة الأولى وأربع حصص في السنة الثانية. والهدف من دراسة اللغة العربية في هذه الكليات هو تمكين الطالب ودعمه لغويًا لاستيعاب علوم القرآن وفهم النصوص الدينية المكتوبة باللغة العربية. كما أن للنوع الأول من هذه الكليات فروعاً في اللغة العربية وبلاغتها تتم فيها الدراسة على مستويي الماجستير والدكتوراه في مجال البلاغة العربية والنحو العربي والمدارس النحوية والأدب الإسلامي.

ودخلت كليات الإلهيات تنظيما جديدا في السنوات الأخيرة حيث يتم تدريس اللغة العربية بصورة مكثفة (24 حصة أسبوعيا) في الصف التحضيري، بالإضافة إلى استخدام اللغة العربية كلغة وسيطة بدلا من اللغة التركية في 30% من مجموع وحدات المواد الدينية المقررة في مرحلة الليسانس.

 خاتمة

    نلاحظ أن هناك إقبالا كبيراً لتدريس اللغة العربية في تركيا سواء على المستوى الثانوي أو الجامعي في السنوات الأخيرة.

    المؤسسات موجودة لكن تحتاج إلى مواكبة روح العصر في تدريس اللغة.

    التدريب المهني للمعلّمين أمر ضروري.

    تنسيق مشاريع تعليمية مشتركة وغيرها من النشاطات التي من شأنها دفع عجلة تعليم اللغة العربية تمشيًا مع المناهج والطرق الحديثة.
    يتعامل الناس عادة مع الشعب الذي يجيدون لغته بأسلوب أكثر ودية.


كتاب العربي