إيران - دراسة اللغة العربية في إيران ماض مزدهر ومستقبل واعد
طاهر الموسوي
حظيت اللغة العربية تعلما وتعليما باهتمام كبير من قبل المؤسسات الدينية والعلمية في ايران عقب قيام الجمهورية الاسلامية عام 1979.وجاء هذا الاهتمام واضحا عبر المادة السادسة عشرة من الدستور الايراني بنصها الآتي بما ان اللغة العربية هي لغة القرآن والمعارف الاسلامية وبما ان الادب الفارسي ممتزج بشكل كامل مع الادب العربي فقد تقرر تدريس اللغة العربية في المدارس الايرانية بدءا من المرحلة المتوسطة وفي جميع الاختصاصات.
وكان للايرانيين شأنهم في ذلك شأن الشعوب التي انضوت تحت لواء الاسلام اسهامهم الحضاري ايضا فاتخذوا من اللغة العربية وسيلة لهذا الاسهام الذي شمل عدداً من المعارف كاللغة والادب والتاريخ.
وقد وجد الايرانيون شخصيتهم الثقافية بل حتى القومية في الزاد العلمي والفكري الذي هيأه لهم الدين الجديد وظهر هذا واضحا في عزوفهم الكامل عن تراثهم السابق قبل دخولهم الاسلام اذا لم يؤثر عنهم الحرص على نقل مساهماتهم العلمية او الفلسفية السابقة على الاسلام خلافا لأمم اخرى معاصرة كاليونان والرومان وهو ما يعني اندماجهم الكامل مع الظاهرة الحضارية الجديدة واستعدادهم للمساهمة فيها واغنائها.
وبالرغم من استقلال ايران السياسي بعيد ارتخاء قبضة الخلافة الاسلامية حوالي القرن الرابع الهجري فإن مكانة اللغة العربية لم تتأثر في الاوساط العلمية والادبية الايرانية اذ شهدت تلك الفترة وما تلاها انتاجا علميا غزيرا باللغة العربية شمل مختلف انواع المعرفة وصنوفها.
وسجلت مساهمات من شعراء ايرانيين كبار فكتب الشير ازيان سعدي وحافظ شعرا جميلا باللغة العربية كما لم تخل قصائد معظم الشعراء العرفانيين او المتصوفة من تضمينات لأمثال وحكم وابيات من الشعر العربي.
ويكفي للتعرف على سيادة اللغة العربية وهيمنتها على الحياة الادبية والعلمية في ايران خلال تلك الفترة ان نشير الى ان عالما كبيرا مثل ابى ريحان البيروني كتب جميع مؤلفاته وتصانيفه التي زادت على الثلاثمائة وخمسين كتابا ورسالة باللغة العربية وحدها والطريف ان ما وصل الينا من مؤلفات هذا العالم الايراني بقي كما هو عربي اللغة ولم يترجم منه شيء حتى الآن اللغة الفارسية ويبقى الجانب الابرز في علاقة الايرانيين باللغة العربية هو التأثير الشامل والعميق الذي تركته لغة القرآن على اللغة الفارسية منذ دخول الايرانيين الاسلام واختلاطهم بالعرب بعيد الفتح الاسلامي.
فقد قاد هذا الاختلاط بالفاتحين الى التأثر بمفردات لغتهم واساليبها في التعبير فكان ان اكتسبت اللغة الفارسية كما هائلا من المفردات واساليب التعبير العربية ابعدها كثيرا عما كانت عليه قبل الفتح الاسلامي ويشير المختصون بهذه اللغة الى ان ما يتراوح بين 40الى 60بالمائة من مفرداتها الحالية عربية الاصل.
ومع تنامي الافكار القومية في ايران والمنطقة خلال القرن الماضي سعت اسرة بهلوي الحاكمة انذاك الى القيام بما اعتبرته تهذيبا للغة البلاد القومية فشكلت لجانا ومجامع لغوية لتنقية اللغة الفارسية وتخليصها من المفردات الدخيلة في اشارة الى المفردات العربية في هذه اللغة فأنشأ لهذا الغرض مجمع فرهنكستان زبان اي مجمع البحوث اللغوية بيد ان تأثير اللغة العربية هو من السعة والعمق بحيث لم يكن بوسع هذه المؤسسة ولا غيرها من الانشطة المشابهة الحد من هذا التأثير.
ويتندر الايرانيون بفشل هذه المجامع اللغوية وعدم قدرتها على تحقيق الاهداف التى انشئت من اجلها فيقولون ان مجمع فرهنكستان رفع على مدخله لافتة منعت استخدام الكلمات غير الفارسية واستعملت لذلك كلمات عربية اذ تقول استعمال لغات غير فارسية ممنوع اي يمنع استخدام المفردات غير الفارسية.
بهذا الامتداد التاريخي سعت الجهات المعنية بشؤون التعليم في ايران اليوم الى توفير الارضية لتعلم اللغة العربية وتحويلها الى اللغة الثانية في البلاد من خلال فرضها مادة مقررة في المدارس المتوسطة والثانوية بدءا من السنة السادسة وهي السنة الاولى في الدراسة المتوسطة.
كما طبقت برامج خاصة في عدد من الجامعات الايرانية اعتبرت تجارب رائدة في تعليم لغة القرآن.
وتعد تجربة جامعة الامام الصادق في تعليم اللغة العربية نموذجا على التجارب الناجحة في هذا المجال فهذه الجامعة التي انشئت عام 1982قدمت للمجتمع الايراني دفعات عديدة من الطلبة الخريجين الذي يتكلمون العربية كأبنائها وربما زادوا على الكثيرين منهم في امتلاك قواعدها ومقاربة نحوها وصرفها.
وحول هذه التجربة قال رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الامام الصادق الدكتور حامد صدقي لوكالة الانباء الكويتية/كونا/ ان الطالب يدرس كافة المعارف الاسلامية الى جانب تخصصه في واحد من علوم الادارة او الاقتصاد او القانون مضيفا ان الطالب ملزم بتعلم لغتين خلال دراسته الجامعية وهما العربية واحدى لغتين اخريين اما الانجليزية او الفرنسية.
واوضح ان اللغة العربية هي لغة المصادر للمعارف الاسلامية لذا يتعين على الطالب دراسة هذه اللغة واتقانها طيلة سنوات الدراسة الاربع واما اللغتان الانجليزية والفرنسية فهما لغتا مصادر العلوم التخصصية كالقانون والادارة والاقتصاد.
وحول المناهج المتبعة في تدريس العربية اشار رئيس قسم اللغة العربية الى تناسب المناهج المقررة مع طبيعة العلوم التي يدرسها الطالب فكتب النحو والبلاغة القديمة تتفق مع العلوم الاسلامية القديمة وتناسبها كما ان النصوص الادبية والمطالعة الحديثة تناسب اللغة العربية في استخداماتها المعاصرة لذا فإن كلا النوعين من المناهج يدرس حاليا في هذه الجامعة.
وردا على سؤال حول ماحققته هذه الجامعة من الاهداف التي انشئت من اجلها اشار صدقي الى نجاح الجامعة في توفير الكادر المتخصص الملتزم بالنظام الاسلامي مشيرا الى ان الفكرة الاساسية من تأسيس هذه الجامعة هي اعداد هذا الكادر ليشغل المواقع المهمة في الدولة والمجتمع.
واضاف اما على صعيد النجاح في تعلم اللغة العربية فيكفي ان اشير الى ان عددا من اساتذة هذه الجامعة ممن يحملون شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وأدابها هم من خريجي هذه الجامعة وتعلموا الف باء العربية من على مقاعدها الدراسية كما ان عددا آخر من هؤلاء عرفوا كمترجمين مشهورين من العربية الى الفارسية.
وردا على ما اذا كان تنامي المشاعر الوطنية والقومية في ايران خلال السنوات الماضية خاصة بين جيل الشباب قد تسبب في اضعاف الاقبال على تعلم اللغة العربية اعتبر رئيس قسم اللغة العربية في الجامعة ان الرغبة في تعلم العربية والاقبال عليها جزء من الاهتمام بالعلوم والمعارف الاسلامية وما دام هذا الاهتمام قائما وفي تصاعد مطرد فإن الاقبال على العربية لن يشهد فتورا بين اوساط المتعلمين الايرانيين.
لكنه اعتبر ان اساليب التدريس وطرقه لها تأثير كبير على مستوى الدارسين ورغبتهم في مواصلة الدراسة ضاربا المثل لذلك بالطريقة القديمة المتبعة في تعليم العربية بالمدارس الدينية التقليدية حيث يقضي الطالب سنين طويلة ربما ناهزت العقدين في تلقي علوم الشريعة باللغة العربية دون ان يتمكن من الحديث بهذه اللغة او حتى فهم ما يقال بها.
وحول المعوقات والمشاكل التي تواجه تجربة تعليم اللغة العربية في جامعة الامام الصادق قال صدقي ان ابرز ما يواجهنا هو قصور البرامج العلمية وتواضع مناهج التدريس لدينا مشيرا الى ان الجامعة بدأت عملها بامكانات علمية محدودة وتجارب شخصية لأساتذتها دون ان يكون هناك مناهج علمية ومتكاملة للتعليم مضيفا هذه المشكلة ما تزال قائمة بالرغم من اننا استطعنا الحد من آثارها كثيرا عبر خبرتنا المتراكمة في حقل التدريس لما يقرب من عشرين عاما.
وقال استفدنا على هذا الصعيد لدى اتصالنا بعدد من المؤسسات والمراكز العلمية في بعض الدول العربية خاصة الخليجية غير ان هذه الفائدة تبقى محدودة ويرجع السبب في ذلك الى ان معظم المناهج والبرامج العلمية في البلاد العربية اعدت لتعليم الطلاب العرب انفسهم ولم تأخذ بنظر الاعتبار الطلاب الاجانب الراغبين في تعلم العربية.
وناشد رئيس قسم اللغة العربية الدول العربية الى المبادرة بتأسيس مراكز علمية لتعليم الطالب الاجنبي اللغة العربية واعداد مناهج تدريسية تعتمد احدث النظريات في علم اللسانيات وعلوم اللغة.
ودعا الملحقيات الثقافية للسفارات العربية في البلدان الاجنبية وخاصة الاسلامية الى توفير الامكانات العلمية امام الطلاب الاجانب الراغبين في تعلم العربية معتبرا ذلك اداء لجزء من الدين تجاه لغة القرآن ولغة الامة العربية
جريدة الرياض
|
|
|