العربيةُ علومٌ متضافرة بعِلْمٍ ظافرة

أ. محمد جمعة

 لما كانت اللغة العربية لغة القرآن دل هذا على شرفها ومكانتها التي خصّها الله بها بين كل لغات الأرض وبالتالي لها سماتها الباهرة المميزة التي مكنتها من حمل أمانة حمل معاني القرآن عبر مئات السنين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أيضاً لا يوجد إنسان كائناً من كان يستطيع الإلمام بها إلماماً كاملاً مهما بلغ من الفصاحة والبلاغة والعلم وبالتالي نحن نحاول أن نكشف جزءاً يسيراً من عظمة وقوة هذه اللغة وريادتها .
وشيء مهم يجب أن نعيه تماماً أن اللغة كلٌّ واحد وعلومها متصلة ببعضها ويكشف بعضها بعضاً لذلك يجب الإلمام بعلوم اللغة العربية وليس بعلم واحد فقط .
إنّ أي لغة تتكون من :
         الأحـــــــــــــــرف                  الكلمات                           الجمل
الرقم    الأحرف                الرقم    الكلمات            الرقم          الجمل
1       علم الخط                  1    علم فقه اللغة        1            علم النحو
2      علم الإملاء                 2    علم الصرف       2           علم المعاني
3      علم رسم القرآن            3    علم البيان
4     علم اللغة (اللسانيات)       4    علم البديع
5     علم التجويد                

وكنت أضرب للطلاب تشبيهاً جميلاً حول هذا حيث أقول لهم إن اللغة العربية شجرة تبدأ بالجذور (الأحرف) التي تنمو لتشكل الجذع الذي يحمل الشجرة (الكلمة) ثم تنمو لتشكل الأغصان والأوراق والثمار (الجملة) وبالتالي يصبح لهذه الشجرة قيمة وفائدة ومعنى.
وتلك المكونات هيّأ الله لها علوماً تدرسها وتبينها وتوضحها وقد تنوعت وتعددت وأهم ما يجب التنويه له هو أن كل علوم العربية هرت ونشأت خدمة لكتاب الله القرآن وحفاظاً عليه من الضياع نتيجة انتشار الإسلام ودخول غير العرب دين الله أفواجاً ،وأشهر هذه العلوم:
(علم الإملاء،علم الخط،علم اللغة ،علم فقه اللغة،علم الصرف،علم النحو،علم المعاني،علم البيان،علم البديع،علم التجويد،علم رسم القرآن) ولكل علم وظيفته ورسالته الخاصة به.
وإليك الآن عرضاً موجزاً لكل علم:
1-علم الإملاء ،علم رسم القرآن: هو العلم الذي يضبط رسم الأحرف لا سيما تلك التي تتعدد أشكالها ( ا  ى ،  ت ة ، ا أ ، ئ ؤ أ ء ــــئـــ ئ .....
ولعل علم الإملاء معروف لكن علم رسم القرآن هو الذي يتساءل عنه المرء ونقول هو علم يضبط رسم القرآن المسمى (الرسم العثماني) نسبة إلى سيدنا عثمان بن عفان نقلاً عن رسول الله نقلاً عن جبريل نقلاً عن الله وهو ما أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم ويتميز بمخالفته قواعد الإملاء المعروفة في كثير من الأحيان وهو رسم خاص بالقرآن وإليك بعض الأمثلة :
مثلاً : الزكاة والصلاة في القرآن ترسم هكذا : الصلوة ، الزكوة فما الحكمة والبلاغة من ذلك وأما الجواب فزيادة حرف الواو ليدل على استمرار هذه العبادة وتكرارها .
مثال آخر: ((إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)) وكلمة العلماء تكتب في القرآن بهذا الشكل (العلمؤا) وهنا لفتة نحوية إذ تأخر الفاعل العلماء وتقدم المفعول الله فوضعت الواو للتنبيه على الضمة وأن الخوف من العلماء .
كذلك (رحمة،نعمة) قد تكتب (رحمت ، نعمت)نجد أن الرحمة إن كانت عامة ربطت وإن كانت في الدنيا نزلت بالحال فتحت وبُسطت (ذكر رحمت ربك عبده زكريا)
وكذلك (إمرأة ، إمرأت ) المربوطة عامة لأي امرأة أما إذا فتحت فتخص امرأة بعينها ( إمرأت فرعون)
2-علم الخط: وهو فن وعلم في آن معاً ويظهر المرونة التي تتمتع بها الأحرف العربية والتي تجعلها تتشكل بأشكال تعجز عنها بقية الأحرف في اللغات الأخرى وهو علم لأن له ضوابط ينضبط بها وتعددت أشكال الخطوط ( الرقعة، النسخ ، الثلث،الفارسي،الديواني،الأندلسي ....)
3-علم اللغة (اللسانيات) ، علم التجويد:علم اللغة يبحث في شكل الأحرف ومخارجها الصوتية وعلاقة ذلك ودلالته المعنوية .
فمثلاً : ص ، س : لاحظ البروز في الصاد ودلالته بروز في المعنى مثلاً : صعد الجبل : سعد الرجل
صورة : سورة ، صدّ الهجوم: سدّ الجوع ، صرّ الشيء: سرّ الأمر.
وأما المخرج فرغم تقاربه لأن كليهما من أحرف الصفير إلا أن الصاد أشد وأوضح في النطق من السين.
إذاً علم اللغة يبحث في مخارج الأحرف وصفاتها وعلاقة ذلك بالمعنى .
وعلم التجويد علم خاص بالقرآن يبحث في مخارج صوت الأحرف وإعطاء الحرف حقه الثابت ومستحقه الطارئ من إظهار او إخفاء أو إدغام أو إقلاب أو تفخيم او ترقيق ....
4-علم فقه اللغة: علم يبحث في الكلمة من حيث أصلها مرونتها واتساعها واشتقاقاتها والمترادف في الألفاظ والمشترك والنحت وغيره ...
مثلاً: رأى ، نظر، حدّق ، حدّج ، لمح، حملق،شزر،شاهد، أبصر،عاين،بحلق...
وتقول:فلان كريم سخيّ معطاء بذول وهوب فياض فيّاح نفّاح سمح
طلق اليدين سبط الكفين ندي الراحة رحب الباع رحب الجناب كثير النوال جزل العطاء غمر الندى ضافي المعروف جزل السيب ...
5-علم الصرف : يدرس الكلمة من حيث ضبط حركات أحرفها كلها باستثناء الحرف الأخير الذي يتولاه علم النحو كما يبحث في الأحرف الأصلية والزائدة والمعاني التي تؤديها الأحرف الزائدة، وكذلك استبدال حرف مكان آخر للثقل أو مناسبة اللفظ المبدل أكثر من الأصلي.
ولك أن تتخيل أن للحركات وظيفتين :
1-نطق الكلمة نطقاً سليماً : دَرَسَ،دُرِسَ،دَرْسٌ،دَرِسٌ
2-تغير المعنى والزمن بتغير الحركة : مَزارعٌ ، مُزارعٌ – سَمِعَ ، سُمِعَ – قاتَلَ ، قاتِلٌ ...
وأما الأحرف الزائدة فالقاعدة تقول ((زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى))
علم ، أعلم ، عالَمَ ،علّم ،تعلّم ، استعلم ، انعلم ، تعالم ...وكل كلمة لها معنى زاد عن المعنى الأصلي.
6-علم النحو : علم يدرس تركيب الجملة ووظيفته ضبط حركة آخر الحرف الأصلي في الكلمة ومن ثمّ كشف المعنى الذي يرتبط إلى حد ما بالضبط وهو ما يسمى الإعراب وهو علم غني عن التعريف وله قواعد وضوابط قد يُخرج عليها لا سيما قاعدة التقديم والتأخير في الإعراب والتعريف والتنكير والحذف وعدمه من الناحية التركيبية وهو علم يعتمد على موقع الكلمة في الجملة لذا لا يوجد إعراب ثابت.
7- علم المعاني: هو أحد علوم البلاغة (المعاني،البيان،البديع) وعلم المعاني هو علم
((مطابقة الكلام مقتضى الحال)) أي (لكل مقام مقال)
وكما تلاحظ فهو علم يبحث في معاني الأدوات وانتقاء المعنى المناسب للمقام الحاصل .
وإذا كان علم النحو يدرس التقديم والتأخير والتعريف والتنكير والحذف وعدمه من الناحية التركيبية فإن علم المعاني يدرس آثارها البلاغية الجمالية .
مثلاً : ليت تدل على التمني وهو الشيء مستحيل الحصول أو صعب الحصول
أما لعل فتدل على الرجاء وهو الشيء ممكن الحصول
لذا لو سألت أيهما أفضل في التعبير نقول الجواب هو ننظر إلى حال ومقام المقصود بالكلام فإن كان ممكناً كانت (لعل) وإن كانت مستحيلة أو صعبة كانت (ليت)
مثال آخر : (إنْ) في اللغة العربية تدل على الشك أما (إذا) فتدل على التأكيد.
لذا لو سألت أيهما أفضل في التعبير نقول الجواب هو ننظر إلى حال ومقام المقصود بالكلام فإن كان ممكناً كانت (إذا) وإن كانت مستحيلة أو صعبة كانت (إنْ) وهكذا...
8-علم البيان: أي علم إيراد المعنى بصور مختلفة ويوجد  قصة طريفة توضح ربما هذا العلم :
((اجتمع جرير والأخطل والفرزدق في مجلس عبد الملك بن مروان فطلب منهم بيتاً يمدح كل واحد فيه نفسه والجائزة للأفضل :
قال الاخطل:       أنا القطران والشعراء جربى           وفي القطران للجربى شفاء
          فقال الفرزدق :       فإن تك زقّ زاملة فإني              أنا الطاعون ليس له دواء
          فقال جرير:          أنا الموت الذي آتي عليكم           فليس لهارب مني نجاء
إذاً هو علم يرد فيه المعنى بصور شتى مختلفة وله ثلاثة أقسام (التشبيه والمجاز(الاستعارة) والكناية)
9- علم البديع :هو تحسين الكلام وزخرفته بعد مطابقته مقتضى الحال(المعاني) وبعد توضيح المعنى المراد(البيان) إذاً هو يدرس جماليات الأداء وحسن الصياغة وهو نوعان :
*محسنات معنوية : تهتم بتحسين المعنى وتجويده عبر المفارقات وعرض التناقضات وأهم أقسامه( الطباق، المقابلة،مراعاة النظير، المشاكلة ،المدح ذماً ، الذم مدحاً ...
*محسنات لفظية:تهتم بتحسين اللف وتجويده عبرالإيقاع أهم أقسامه( الجناس،التصريع،السجع،الموازنة..)
صفوة القول : إنّ اللغة العربية لغة معجزة بأحرفها إعجازاً من حيث (الشكل،النطق ) وهما يتوافقان مع إعجاز (المعنى) .
وهي معجزة بكلماتها إعجازاً من حيث (الرسم ،النطق) وهما يتوافقان مع إعجاز (المعنى) .
وهي معجزة بتركيبها إعجازاً من حيث (الرسم ،النطق) وهما يتوافقان مع إعجاز (المعنى) .
إذاً إعجاز في الحرف ، إعجاز في الكلمة ، إعجاز في التركيب والجملة.
لذلك كله كان لا بد من الإلمام بجانب كبير منها كي نعي إعجاز هذه اللغة وقيمتها وقوتها ونستطيع تذوق جماليات وعجائب هذه اللغة الخالدة.