|
عندما كانت الكتب العربية تترجم إلى لغات أخرى
يقول المستشرق الألماني "اوجست فيشر" في المعجم اللغوي التاريخي: وإذا استثنينا الصين.. فلا يوجد شعب آخر له الفخر بوفرة كتب علوم لغته، وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصول وقواعد، غير العرب! كما يقول الفرنسي لويس ماسينيون: "اللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني".
وبما أن الأدب يعتبر بطبيعة الحال انعكاسا مستمرا للمجتمع، عبر اللغة التي تعد الأداة الفعالة للتواصل الثقافي والاجتماعي، وقد تفردت لغتنا العربية بفضل القرآن الكريم، باتساع تكاد لا تعرفه كل لغات الدنيا، فنالت إعجاب كل الأمم، إذ لم تبق لغة واحدة لم يصلها شيء من اللسان العربي، بينما نجد من أبنائها من يتذمر منها، وربما وصل به الحال إلى الهمز واللمز.
يقول الفرنسي ويليام مرسيه: "العبارة العربية كالعود، إذا نقرتَ على أحد أوتاره رنّت لديك جميع أوتاره وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبا من العواطف والصور" فلقد وصلت لغتنا للعالمية عن طريق حركة الترجمة، التي نقلت أدبنا وثقافاتنا للعالم الغربي، وربما عاداتنا وتقاليدنا ولكن بصورة غير مباشرة، وبسببها حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل بعد روايته الشهيرة " ثلاثية القاهرة " بعدما يقارب ثلاثة عقود من نشرها! وكما يعود سبب ارتقاء الأمم إلى تبادل الآداب والعلوم والثقافات ودراسة التاريخ والحضارات، ولعله كان من أحد أهم أسباب النهضة التي شهدتها أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي، حركة الترجمة التي نقلت ذخائر الشرق إليها عبر قنطرة الأندلس، إذ يقول الفرنسي لويس ماسينيون:"اللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني".
في القرن الثاني عشر اخترقت الكتب العربية أوروبا عبر الأندلس وقرطبة تحديدا، تلك الفترة التي سبقت نشوء النهضة الأوروبية، وكانت أحد أسبابها، حيث قام ألفونسو العاشر بترجمات في علم الفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات، كما سبقه الاسقف دون رايموندو الذي دعم ترجمة الأعمال الفلسفية، والدينية، من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية، كأعمال الغزالي وابن رشد وغيرهما، إذ لم تقتصر الترجمات آنذاك على هذين العهدين، وإنما استمرت طوال القرون الوسطى، ولم تتوقف - أيضا - عندما سقطت الأندلس، بل استمرت حتى منتصف القرن السادس عشر الميلادي، تحولت بعدها إلى دراسات في اللغة العربية، ثم اقتصرت على كونها مهمة أكاديمية في بدايات القرن التاسع عشر، التي كان جل اهتمامها دراسة التاريخ العربي وحضارته وأدبه.
أما دور النشر والمعاهد والمؤسسات التي أنشئت في أوروبا من أجل الترجمة من العربية إلى لغات أخرى، فقد بدأت في أواسط التسعينيات عندما قام طه حسين بإنشاء المعهد المصري للدراسات الإسلامية، توافق ذلك مع مبادرة المستعرب إميلو غارثيا غوميث بتأسيس المعهد الاسباني العربي للثقافة – التابع لوزارة الخارجية الإسبانية– وذلك لكسر العزلة الثقافية آنذاك، ثم توالت على إثرها المعاهد والمدارس ومؤسسات الترجمة، حيث أصبح للجامعات حضور كبير في هذا الجانب، إضافة إلى إصدار ونشر الدوريات المتخصصة بترجمة النصوص من العربية إلى بقية اللغات.
وادي مصر
|
|
|
|